مما لا شك فيه، إن التحرش بالأطفال، والاعتداء عليهم واستغلالهم جنسياً، أصبحت ظواهر خطيرة للغاية، ولعلّ أخطر ما فيها، أنها عابرة للثقافات، والمجتمعات، والحدود الجغرافية، وللأديان والطوائف، إذ نجدها في المجتمعات العربية والغربية على حد سواء، في الدول والشعوب التي تحكمها الشريعة الإسلامية، وفي الدول التي تحكمها شرائع وقوانين مدنية، وعلمانية.
من الملاحظ بالنسبة للاختصاصيين النفسيين والتربويين، إنه يتم تسجيل أكبر نسب من حالات التحرش والاعتداء على الأطفال، في العائلات المفكّكة، وفي العائلات الأبوية أيضاً والتي يُهيمن فيها الأب على أفراد عائلته، ويغيب أي شكل من أشكال الحوار بينه وبينهم، ولا حل لهذه الظاهرة والآفة الاجتماعية، إلا بتوعية أطفالنا وحمايتهم، وتحصينهم نفسياً جنباً إلى جنب حصانتهم البدنية، فكيف يُمكن القيام بذلك؟
أي كيف يُمكن الاهتمام بالجانب النفسي من شخصية أطفالنا، وتحصينهم ورفع مستوى وعيهم؟
الحقيقة الصادمة، هي أن الطفل الأكثر عرضة للتحرش، هو الطفل الضعيف السلبي، لذلك علينا أن ننتبه إلى الرسائل التوعوية التالية، خلال تربيتنا وتعاملنا مع أطفالنا:
– تقوية شخصية الطفل:
من واجب الأسرة تنمية مختلف جوانب شخصية الطفل، بطريقة يصبح فيها قادراً على مواجهة العالم المحيط، وتعزيز ثقته بنفسه، حتى يُمكنه قول “لا”، عندما يتعرض لأي تصرف غير مريح، ويكون بإمكانه الدفاع عن نفسه، وبالتالي علينا إشاعة لغة الحوار مع الأطفال، لما له من أهمية لمنح الطفل القوة، والقدرة على مقاومة أي مبادرة للمس جسده بشكل غير طبيعي، وعدم الاستسلام لمن يبادر بهذا الفعل بدافع الخجل أو الخوف، وتعويده الإفصاح لوالديه عن ما يتعرض له، لمساعدته، وحمايته قبل أن يستفحل الأمر ويتعرض للأذية،.
في عالم الرياضة، تعتمد العديد من الرياضات على التلامس الجسدي بين المدرب والطفل أو الناشىء، والتلامس أيضاً بين الأقران المتنافسين، لذلك يجب توعية الطفل بحدود هذا التلامس، وضرورة حماية جسده، وعدم السماح للمدرب أو الأقران من ملامسة الأماكن الحساسة في جسده، وضرورة إبلاغه لعائلته فور شعوره بعدم الارتياح، أو ملاحظة أي سلوك غريب من الآخرين تجاهه.
-الانفتاح على الطفل واحتوائه:
يجب أن تمنح الأسرة أطفالها الثقة والأمان، ليصبح بمقدورهم الإفصاح عما يتعرضون له، دون الخوف من ردود أفعال الوالدين أو الأشقاء الأكبر سناً، والابتعاد عن مشاعر اللوم الدائم للطفل، ليُدرك أنه حتى إذا ما أخطأ فسوف يتعلم من أخطائه، وأن أسرته تتفهّم ذلك، وهذه الثقة ينبغي أن تجعل الطفل يبوح لوالديه أو أحد أفراد عائلته، بأي مشكلة يتعرض لها خلال ارتياده للنادي الرياضي، وأماكن ممارسة الهوايات.
-تعليم الطفل كيف يواجه التحرش الجنسي:
يجب تعليم الطفل كيفية الدفاع عن النفس بأساليب مختلفة، وحسب المواقف التي قد يجد نفسه فيها، وكيفية التخلص بسرعة من الوضع الذي يكون فيه عرضة للخطر أو التهديد، من مثل: الصراخ، والهرب بعيداً، وطلب المساعدة.
عند ارتياد الأندية الرياضية، من الضروري تعريف الطفل بالإجراءات الواجب التقيّد بها، والأماكن التي يجب عليه تجنب التواجد فيها، وتعريفه بأساليب الاتصال المتوفرة لإمكانية الوصول إلى أحد أفراد أسرته في أي وقت، وعدم مغادرة المكان مع أي من الغرباء، مهما كانت درجة ارتياح الطفل لأي منهم.
-لا لإلغاء المسافات مع الآخرين البالغين:
في معظم حالات التحرش والاستغلال الجنسي للطفل، يندرج المعتدي تحت قائمة الأقارب، والمعارف، أو شخص قريب من الدرجة الأولى، وهذا نابع من الثقة المفرطة بالآخرين، فمن المهم المتابعة الدائمة للطفل وعدم تركه مع أي شخص قريباً كان أم غريب، وعلى الأم ألا تثق بأحد، وعلى الأهل مراقبة سلوكيات أطفالهم، تجاه الأشخاص المحيطين، فقد تتنبأ التغييرات السلوكية التي تطرأ على الطفل بأمر ما.
في عالم الرياضة، يلعب المدربون والمشرفون دوراً مهماً في حياة الطفل، وغالباً ما ينبهر الطفل بهم، وينجذب إليهم، ويصبح بعضهم مثله الأعلى، ويحاول بعض الفتيان التماهي مع مدربيهم، وتقليد شخصياتهم وأشكال أجسادهم، وقد يُعلي بعض الأطفال من شأن المدربين ليقتربوا من مكانة الآباء، أو حتى يحلوا مكانهم، وبل بمرتبة أعلى منهم أحياناً، وخاصة في الرياضات القتالية، التي يجد فيها الطفل شجاعة، وإقدام وحماس قد لا يجده في والده، ولذلك من الضروري جداً الانتباه للأطفال واليافعين خلال ارتيادهم للأندية الرياضية، ومن واجب الأسرة أن تشرح للطفل واليافع الدور الحقيقي للمدرب أو المشرف، وحدود العلاقة معه، وضرورة ترك مسافة فيزيائية ونفسية بينه وبين المدرب، وعدم السماح للطفل بالتعلق به، أو الخروج معه خارج النادي، وفي غير أوقات التدريب بدون مرافقة أحد أفراد الأسرة.
-لا لسطوة الآخرين، ونعم لبناء علاقات سليمة مع الأقران:
بعد عمر ال11 عاماً، يبدأ اهتمام الأطفال يتحول نحو الأقران، ويهمهم جداً أن يكونوا مقبولين من الآخرين، ومحبوبين، ويكوِّنون صداقات، وينضمّون لمجموعات رياضية، وفنية وغيرها، وقد يضطر الطفل/ الناشىء إلى قبول العديد من السلوكات غير المرغوبة، والتي قد يسلكها الأقران والأصدقاء معه، وذلك خشية خساراتهم وفقدانهم، وابتعادهم عنه، وقد يعيش بعضهم حالات مريرة من الصراع الداخلي، بين الكف والاندفاع تجاه الآخرين، وبين العزلة ولانسحاب، أو الانخراط بشكل كامل في نشاطات الأقران.
على الأسرة الانتباه لتلك الأمور خلال المراحل الانتقالية من نمو الطفل، وتقدمه لمغادرة الطفولة باتجاه مرحلة الشباب، ومساعدة الأبناء على بناء علاقات سليمة ومتوازنة مع أقرانهم، وتعليمهم عدم الخضوع لسطوتهم، والاطلاع عن كثب على شكل العلاقات بين أولادها وأقرانهم، سواء في الحي، أو المدرسة، أو النادي الرياضي، وخاصة هذا الأخير.
غالباً ما تُشكل الأندية الرياضية بيئات جاذبة جداً للأطفال والمراهقين، وخاصة مع وجود شركاء ينسجمون معهم ويتفاعلون فيما بينهم من خلال الاهتمامات المشتركة، وهذا ما يُساهم في تحقيق الطفل لذاته وتأكيد أهميتها، ولتجنب خسارة تواجد الأطفل في تلك البيئة، أو خسارة هؤلاء الشركاء، قد يتحملون الكثير من الإساءات التي يتعرضون لها، عن إدراك ووعي منهم أو بدونهما، وفي كثير من الأحيان يتحمل بعض الفتيان والفتيات الكثير من الضغوطات من أجل التوافق مع الآخرين من أقرانهم/ن ومع بقية أفراد المجموعة التي ينتمون لها، وخاصة في مجموعات الألعاب والأندية الرياضية، لأنها تُمثّل الفضاء الجميل الذي يتحركون فيه، والمكان الأكثر حرية بعيداً عن قيود الأسرة وعموم المجتمع، والمكان الذي يعبّرون فيه عن أنفسهم ويحققون ذواتهم الفردية من خلاله وما يُبنى في فضائه من علاقات، وعلى الوالدين معرفة كل تلك العوالم عن قرب، بدون تشكيل أي حالة ضغط أو إزعاج للأبناء، والتدخل فقط عند تعرض الطفل للتهديد أو الخطر….. ودمتم وأطفالكم سالمين.
*إعداد: بيداء الحديد، أخصائية نفسية.
*مراجعة: خولة حسن الحديد.