أصدرت منظمة الصحة العالمية عبر المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، مجموعة من الدلائل الإرشادية الخاصة بالرعاية الطبية الشرعية لضحايا العنف الجنسي، وكان قسم مهم منها مخصص للرعاية الطبية الشرعية للأطفال من ضحايا الانتهاك الجنسي، وضوابط تصرفهم قانونياً، وهنا سنورد أهم ما جاء فيه بهذا الخصوص.
تعرف الانتهاك الجنسي للطفل ومحدداته
تقر هذه الدلائل الإرشادية التعريف الخاص بالانتهاك الجنسي للأطفال الوارد بدستور منظمة الصحة العالمية لعام م،١٩٩٩ حول الوقاية من انتهاك الأطفال والذي ينص على أن: (الانتهاك الجنسي للطفل هو إشراك الطفل أو الطفلة في نشاط جنسي لا يستطيع فهمه ً فهما ً كاملا، أو يكون غير قادر على إعطاء الموافقة المستنيرة عليه، أو لا يكون الطفل من حيث النمو مستعداً له، ولا يستطيع الموافقة، عليه أو ذلك النشاط الذي يخالف القوانين، أو المحظورات الاجتماعية.
يحدث الانتهاك الجنسي للأطفال، من خلال التعامل بين الطفل وأحد البالغين، أو بين الطفل وطفل آخر، يعتبر من حيث عمره أو نموه في موقع المسؤولية، أو القوة أو السيطرة، والغرض من النشاط الجنسي هو إرضاء وإشباع رغبة
الشخص الآخر، ويشتمل هذا دون الحصر على ما يلي:
– إغراء أو إجبار الطفل على القيام بنشاط جنسي غير قانوني.
– استغلال الأطفال في الدعارة، أو الممارسات الجنسية غير القانونية.
– استغلال الأطفال في الصور، والممارسات، والمواد الإباحية.
ديناميات الانتهاك الجنسي للطفل
من الضروري تدريب العاملين في الرعاية الصحية تدريباً كافياً، حول ديناميات الانتهاك الجنسي للأطفال، للتأكّد من تجنب الضرر المحتمل للأطفال وأسرهم، إذا أُهمل التشخيص، أو إذا كان التشخيص مبالغاً فيه.
يُعتبر الانتهاك الجنسي للطفل ظاهرة فريدة؛ وتختلف الديناميات هنا اختلافاً كبيراً عنها في الانتهاك الجنسي للبالغين، ولذلك فلا يمكن التعامل مع هذا النوع من الانتهاك، بالطريقة نفسها من التعامل مع البالغين.
تشتمل السمات التي تميز الانتهاك الجنسي للأطفال على:
• نادراً ما يلجأ الجاني إلى القوة أو العنف الجسدي؛ ولكنّه يحاول التحايل على الطفل ليخفي ما يقوم به من انتهاك.
• عادة ما يكون الجاني أحد من يرعون الطفل، وهو معروف له، ومحل ثقته.
• الانتهاك الجنسي للطفل يحدث غالباً على مدار أسابيع، أو حتى سنوات.
• الانتهاك الجنسي للطفل يتكررعلى نوبات، ويصبح أكثر عدوانية مع مرور الوقت، وعادة ما يورط الجاني الطفل تدريجياً، ويحوّل العلاقة بينهما إلى علاقة جنسية (مثل التهيئة لقبول هذا النوع من العلاقات).
• يُمثل الزنا بالمحارم والانتهاك الجنسي داخل الأسرة، نحو ثلث حالات الانتهاك الجنسي للأطفال.
المحبون للأطفال”البيدوفيليين، هم أشخاص يفضلون الاتصال الجنسي بالأطفال عن البالغين، وعادة ما يكونوا ماهرين في التخطيط والتنفيذ، لإقحام أنفسهم على الأطفال، وهناك أدلة توحي بأن محبي الأطفال يتبادلون معلوماتهم عن الأطفال، (مثل الصور الإباحية للأطفال)، وهذا قد يحدث على الصعيد العالمي، لا سيما عبر الإنترنت.
عوامل الاختطار التي تزيد من احتمال تعرض الضحية للعنف الجنسي
تم تحديد عدد من العوامل التي تزيد من احتمال تعرض الطفل للانتهاك الجنسي؛ ومع أن هذه العوامل قد حُددت وفقاً للخبرات في بلدان أمريكا الشمالية، إلا أنه يعتقد بأن العوامل الرئيسية المحددة تشتمل على:
– الإناث من الأطفال (على الرغم من الاعتقاد بأن الذكور يمثلون النسبة الأكبر من الضحايا في بعض البلدان).
– الأطفال غير المصحوبين بذويهم (الأطفال المنفردون).
– الأطفال تحت كفالة أو حضانة الآخرين، والأطفال بالتبني، وأطفال الزوجة أو الزوج.
– الأطفال المعوقون ذهنياً وبدنياً.
– حدوث انتهاك سابق.
– الفقر.
– الحروب والنزاعات المسلحة.
– احتمال التعرض لأسباب سيكولوجية، أو ضعف الإدراك.
– الانفصال الأسري (الطلاق)، أو الأسرة التي يتكفل بها أحد الوالدين فقط، أو التفكك الأسري.
– العزلة الاجتماعية، (مثل الافتقار إلى شبكة دعم عاطفية).
– إذا كان الأبوان أو أحدهما مضطرباً نفسياً، أو مدمناً على الخمور أو المخدرات.
ديناميات الكشف عن التعرض للانتهاك
في غالبية الحالات، لا يكشف الأطفال عن تعرضهم للانتهاك فور وقوعه، يرجع هذا التردد في الكشف عن الاعتداء إلى الخوف من الجاني؛ فمن المحتمل أن يهدد الجاني الطفل، مثل أن يقول له: (إذا أخبرت أحداً سأقتلك، أو أقتل أمك).
إن «متلازمة التكيف مع الانتهاك الجنسي للطفل( accommodation abuse sexual child syndrome) التي اقترحها ( Summit) )، قد استشهد بها عدد من الباحثين، لشرح سبب تأخر الأطفال في الكشف عن تعرضهم للانتهاك فور حدوثه، ولماذا يثير اعترافهم المشاكل، أو لماذا يتم سحب الاعتراف بعد ذلك، ووفقا لرأي المؤلف، فإن النمط النموذجي لتسلسل الأحداث هو كما يلي:
يُجبر الطفل على الحفاظ على سرية الانتهاك الذي تعرض له، وفي البداية يشعر أنه محاصر ولا عون له، هذا الشعور بالعجز، بجانب خوف الطفل من عدم تصديقه إذا أعلن عن الانتهاك، يؤدي به إلى سلوك تكيّفي، فإذا استمر الطفل في عدم الإفصاح عن تعرضه للانتهاك، وإذا فشلت الأسرة أو فشل المتخصصون في حماية الطفل، ودعمه بصورة ملائمة، ستتضاعف الضائقة التي يمر بها الطفل، وقد يؤدي هذا إلى سحبه الاعتراف بالحدث.
إن الكشف عن الانتهاك الجنسي لدى الأطفال، قد يحدث عن قصد، أو يحدث عفوياً (أي عن قصدأو بدون قصد من الطفل أو الجاني).
غالباً ما يبدأ الكشف عن الانتهاك بعد الاستفسار عن إحدى الشكاوى البدنية، مثل: الألم عند غسل منطقة الأعضاء التناسلية، أو وجود بقع من الدم على السراويل
أو الملابس.
إن الكشف عن التعرض للانتهاك الجنسي، يحدث خلال مرحلة من الاعترافات أكثر من حدوثه كاعتراف كامل مرة واحدة.
عادة ما يُكاشف الأطفال أمهاتهم عن تعرضهم للانتهاك؛ ولكن الأمهات أنفسهن قد يكن ضحايا للانتهاك من الجاني نفسه، وعوضاً عن ذلك، فقد يكشف الأطفال عن تعرضهم للانتهاك إلى أحد المقربين لهم من الأصدقاء، أو الزملاء، أو المدرسين.
تقييم وفحص الأطفال – اعتبارات عامة اعتبارات
مع أن ضحايا العنف الجنسي من البالغين، يُعاملون في أغلب الأحوال على أنهم حالات طبية طارئة، إلا أن الأطفال يشدون انتباه العاملين في الرعاية الصحية من خلال طرق وملابسات مختلفة وتشمل:
• عن طريق التبليغ عن إدعاء بتعرض الطفل للانتهاك الجنسي، وبناء على طلب من السلطات المكلفة بحماية الطفل، أو الشرطة يتم إجراء الفحص.
• يتم إحضار الطفل من قبل أحد أفراد أسرته، أو عن طريق إحالته من قبل أحد العاملين في الرعاية الصحية، لأن هناك ادّعاء قد تم تقديمه، ولكن لم يتم التبليغ عنه للسلطات.
• من خلال تحديد المؤشرات السلوكية أو البدنية (من قبل من يرعى الطفل، أو العامل بالرعاية الصحية، أو المدرس مثلاً)، والطلب باتخاذ المزيد من إجراءات التقييم للحالة.
إن توقيت ومقدار الفحص البدني يعتمد على طبيعة الشكوى، وتوفر الموارد في المجتمع، والحاجة إلى أدلة الطب الشرعي، وخبرة ونمط العاملين في الرعاية الصحية للطفل.
ينبغي أن تعتمد قرارات توقيت الفحص البدني، على طول الفترة التي انقضت منذ آخر اتصال بين المتهم والطفل. وكقاعدة عامة:
• إذا كان آخر اتصال جنسي قد مرّ عليه أكثر من ٧٢ ساعة، ولا تظهر أعراض على الطفل، فإن هناك حاجة لإجراء الفحص بأسرع ما يُمكن، ولكن ليس بصورة ملحة.
• إذا كان آخر اتصال جنسي لم يمر عليه أكثر من ٧٢ ساعة، وكان هناك أعراض يشتكي منها الطفل (مثل الألم، أو النزف، أو الإفرازات) ، فيجب فحص الطفل فوراً.
في حالات الادّعاء بالتعرض للانتهاك الجنسي، هناك وسيلتان مختلفتان لجمع المعلومات من الطفل (أو من يرعاه): (أ) عن طريق السوابق الطبية (ب) عن طريق المقابلة.
إن الغرض من استعراض السوابق الطبية أو الصحية، هو الكشف عن سبب إحضار الطفل للرعاية الصحية في هذا الوقت، وجمع المعلومات عن الأعراض البدنية والانفعالية لدى الطفل، كما أنها تساهم في تكوين انطباع حول التشخيص الطبي قبل الشروع في الفحص البدني.
قد تتضمن السوابق الطبية معلومات حول الادّعاء بالتعرض للانتهاك الجنسي، ولكن ينحصر هذا حتى ذلك الوقت، في ما يتعلق بالمشاكل أو الأعراض الصحية التي تنجم عن الانتهاك، مثل النزف وقت التعرض للاعتداء، أو الشعور بالإمساك، أو الأرق منذ ذلك الوقت.
يجب أخذ السوابق الطبية عن طريق العامل الصحي.
تتخطى مرحلة المقابلة ما هو أبعد من السوابق الطبية، فهي تسعى إلى جمع المعلومات الطبية الشرعية المرتبطة مباشرة بالانتهاك الجنسي المزعوم، مثل: تفاصيل الاعتداء، بما في ذلك الوقت والمكان، وتكرار الاعتداء، ووصف الملابس، وما إلى ذلك.
تحتاج المقابلة الطبية الشرعية مع الأطفال إلى مهارات خاصة، وبقدر المستطاع يجب أن يجريها موظف مدرب (مثل: العامل في الجهة المسؤولة عن حماية الأطفال، أو ضابط الشرطة، على أن يكون لديهما مهارات في إجراء المقابلة). في بعض المجتمعات، يكون العامل الصحي الذي يرعى الطفل هو أكثر الأفراد المتاحين خبرة في إجراء المقابلة.
بغض النظر عن الأشخاص المسؤولين عن تسجيل السوابق الطبية، وإجراء المقابلة الطبية الشرعية، فإن هذين الجانبين الخاصين بتقييم حالة الطفل، يجب إجراؤهما بشكل متناسق، حتى لا يتأذى الطفل، بسبب تكرار الأسئلة دون داعٍ، وحتى لا تفقد المعلومات أو تتعرض للتحريف.
التبليغ عن الانتهاك
لكل مجتمع قانونه الخاص الذي ينظم كيفية التبليغ، عن شبهة التعرض للانتهاك الجنسي للأطفال، ولمن يتم هذا التبليغ، وأغلب المجتمعات لديها أيضاً آلية للموظفين المعنيين بالأطفال خاصة بالتبليغ الإجباري، وبالنسبة لكثير من النظم القضائية، يُعتبر الفشل في التبليغ عن الانتهاك الجنسي للأطفال جريمة، ويترك القانون المعني بالتبليغ، القرار النهائي حول حدوث أو عدم حدوث الانتهاك للمحققين، وليس لمقدمي البلاغ.
من المهم أن يلم العاملون الصحيون بالقوانين المعنية بنظم التبليغ عن الانتهاك الجنسي للأطفال، ًوفقاً لما هو مطبق في مناطقهم.
هذه التشريعات غير موجودة في جميع المجتمعات، وفي هذه الأحوال، سيقرر المهنيون الصحيون، أفضل اتجاهات العمل فاعلية، التي يختارونها لمحاولة حماية الطفل من التعرض لمزيد من الانتهاكات.
المصدر:
الدلائل الإرشادية للرعاية الطبية الشرعية لضحايا العنف الجنسي، منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، جنيف، 2003م.