سنروي هنا حكاية طفلة من إحدى مناطق الشمال السوري ومخيماتها، وصلتنا إلى بريد المؤسسة، وبعد الإطلاع على قصة الطفلة، قررنا البحث أكثر ما وراء قصتها والقصص الشبيهة، وتواصلنا مع عدد من العاملين الأكفاء، والمؤهلين، وسألنا عن وضع الشمال عموماً فيما يخص هذه القضية، والهدف الأساسي لم يكن جمع المعلومات والتنوّر أكثر بقصة الطفلة فقط، بل كان بهدف البحث عن حلول لها ولأمثالها من الأطفال، وفي الحقيقة، كان الأمر وكأنه فتحنا باب كهف مُظلم، رطب، مُغلق على ما فيه منذ قرون.
ولنبدأ الحكاية، وسنُسمي الطفلة “شمس”……
“شمس”، اليوم في عمر 12 سنة، وكانت قد بدأت معاناتها مع الاغتصاب قبل عام تقريباً،، ويقول راوي قصتها: ( إنها طفلة، وجهها بريء كبراءة كل الأطفال في مثل سنها، لكنه يظهر بحزنها وكأنها تحمل هموم العالم).
لم تبدأ قصة “شمس” منذ بدء التعرّف عما تعرضت له من انتهاك لجسدها الغض، بل كانت البداية من وفاة والديها، وفقدانها دفء الأسرة واهتمامها، وانتقالها مع أختها الأكبر سناً للعيش مع أقاربها، واللذين يعيشون أيضاً كمهجّرين في إحدى مخيمات الشمال السوري.
بدأ التعرّف على قصة اغتصاب “شمس”، عندما جاء أحد موظفي الرعاية، إلى جهة ما تعمل بمجال الدعم النفسي، وروى للمسؤولين فيها عن حال الطفلة ذات ال11 سنة، والتي تعيش حبيسة بيت أو”خيمة” أحد أقاربها، وتُعاني من أحوال صحية ونفسية سيئة جداً، طالباً من هذه الجهة محاولة مساعدتها، دون ذكر اسمه، أو الإشارة إلى أي شيء يدل عليه.
تحرّكت الجهة المعنية، ومبدئياً بادرت العمل في المخيم الذي يعيش فيه أقارب “شمس”، وبطريقة ما كان ممكن لهم الوصول إليها، لأنه هذه الجهة لا يُمكنها أن تتدخل إذا كانت الحالة لامرأة بالغة إلا بطلب منها، أما في حال كانت الحالة لطفلة، فيُمكنهم ويخوّلهم القانون بالتدخل – لم أفهم أي قانون ولكن هذا هو الأمر –.
تبين أن الطفلة كانت قد تعرضت للاغتصاب، من قبل شخص في مكان إقامتها مع أقاربها، وهذا الشخص كان مسؤول عن توزيع الإغاثة، وحسب ما فهمنا، أن الإغاثة تُخصّص كأولوية للعائلات التي تضم في كنفها أطفال أيتام من أبناء أقاربهم، وهذا ما كان حال العائلة التي تعيش معها “شمس”، والتي كانت ترسلها لجلب حصتهم من الإغاثة، وخلال إحدى مرات ذهابها لجلب الإغاثة، اغتصبها الشخص المسؤول عن التوزيع، وهددها بألا تتكلم، وبعد اغتصابها لأول مرة، بدأت “شمس” تتململ من الذهاب لجلب الإغاثة مرة أخرى، وعبّرت عن رفضها الذهاب، ولكن رب الأسرة التي تقيم معها من أقاربها، أرغمها على الذهاب، فتكرر اغتصاب “شمس” مرة أخرى من قبل مسؤول الإغاثة نفسه، وعند محاولة إرغامها الذهاب في المرة الثالثة، رفضت الطفلة بشدة، وألمحت بشكل غير مباشر لقريبها بما تعرضت له، ومن ثم تكشّفت قصة اغتصابها، وكل ما قام به قريبها – الكفيل والمُعيل لها – من رد فعل كان الانتقال من المكان إلى مكان آخر، ومن ثم حبس “شمس” وكأنها هي المذنبة، وكل نساء المنزل أيضاً، ومنعهم من الخروج بشكل نهائي، فأصبحت الضحية حبيسة والمجرم طليق يواصل إجرامه، وما زال طليقاً لهذه اللحظة!
إثر ما تعرضت له الطفلة، بدأت تسوء حالتها الصحية والنفسية، والتي لفتت نظر أحد موظفي الرعاية، فأبلغ عنها للجهة المعنية، والتي تحركت فوراً، لكنّها فشلت في إقناع كفيل “شمس” بأن يدعها تخرج بحرية، وبعد محاولات عدة، ولرؤيته سوء حال الطفلة، سمح لها بالخروج، وفقط إلى مقر هذه الجهة، التي بدأت تقدم لها الدعم النفسي، والعلاج الطبي اللازم، ولكن حسب الراوي هذا لم يكن كافياً، لأن الطفلة تحتاج إلى أكثر مما تم تقديمه لمساعدتها على المضي بحياتها، إلا أن إمكانات الجهة الداعمة لها بسيطة ولا يتوفر لها لا الدعم الكافي، ولا وجود لمتخصصين أكفاء نفسيين واجتماعيين، لأداء مثل هذه المهمة.
كان ل”شمس”، أخت أكبر منها سناَ، تم تزويجها وهي طفلة قاصر، واليوم تبلغ من العمر 16 عاماً، وبعد معرفة أهل زوجها بتعرض “شمس” للاغتصاب، تم تطليقها من زوجها، وعادت لتعيش في بيت أقاربها مع “شمس”، وعوّلت الجهة التي تولت رعاية “شمس”، على وجود أختها معها، ومحاولة مساعدتها على الاندماج مع الآخرين والخروج من أزمتها، بتأسيس مشروع بسيط لأختها، ممكن أن تساعدها “شمس”، ويساعدها هذا على الانشغال والاندماج مع المجتمع من جديد، والخروج من الدائرة المغلقة التي تعيش ضمنها، ولكن للأسف توقفت فكرة المشروع لعدم توفر الدعم.
الجهة المعنية التي تبنت قضية “شمس” وحاولت مساعدتها، قدمت أقصى إمكانياتها، وبدأت الطفلة تتحسن ولكن ما تحتاجه الطفلة أكبر من قدرتها، وإمكانياتها بالتصرف على أرض الواقع، المحكوم ومقيّد بكثير من القيود، وعندما توجه لها راوي قصة الطفلة، بسؤال:
(لماذا لا تقدم الجهات العاملة في الشمال السوري في مجال حماية الطفل والأسرة، الحلول الجذرية لحماية الطفلة وأمثالها من ضحايا العنف والاعتداء الجنسي؟).
*كأن توّفر لهم دار رعاية خاصة، يُديرها أشخاص أكفاء، وبمعايير إنسانية، ومهنية وأخلاقية، تُحافظ على هؤلاء الأطفال، وتساعدهم على إكمال تعليمهم، وتعلمهم مهن معنية، وتؤهلهم للحياة بشكل كريم وآمن.
في الحقيقة كان الرد الصريح، مفاجىء جداً بالنسبة لنا، وملّخصه، أن المؤسسات الراعية والعاملة في الشمال، لا تُقدم هذا النوع من الرعاية، وإن الجهات الممولة ترفض تمويل هكذا مشروع، لأنه حسب وجهة نظرهم، والكلام حرفياً: (إن ذلك لا يتناسب مع السياق السوري )!!!
**كيف ولماذا إن إنشاء دور رعاية للأيتام المكفولين من قبل أقارب، وتعرضوا للعنف أو الاعتداء الجنسي، أمر خارج نطاق السياق السوري؟
كيف يُمكن أن تكون وجهة النظر والرؤية الخاصة لهؤلاء العاملين، والممولين، بأن مكان يضم آلاف الأيتام من الأطفال، كنتيجة حتمية للحرب التي ما زالت قائمة، هو المكان الذي سياقه لا يتوافق مع تأسيس دور رعاية، وأماكن بديلة لضحايا العنف والاعتداء الجنسي من الأطفال الأيتام؟
*تابعونا في تعقيب لاحق على قصة “شمس”، وسنتابع ذكر بعض الحيثيات، وما توصلنا إليه من معلومات وحقائق مثيرة فعلاً عن انتشار الاغتصاب والتحرش بالفتيان والفتيات، وأشكال مختلفة من الاستغلال الجنسي للأطفال، وخاصة في المخيمات التي يعيش فيها الأطفال وضع لا إنساني، ومزري بمعنى الكلمة ، ومآلات هذه الحالات المأساوية، وكيفية يتعاطي مؤسسات الحماية الموجودة معها، والوضع القائم بهذا الشأن عموماً، وسنحاول البدء بطرح حلول حقيقية وواقعية، وعن هذا سنكتب موضوع آخر، فتابعونا.