وصلت إلى بريد مؤسستنا، قصة مأساوية لاعتداء أب على ابنته، يرويها لنا ضابط في الشرطة (محقق)، وهي واحدة من عدة قضايا شبيهة قام بالتحقيق فيها، ويقول:
*قصة قاسية جداً جداً، أنصح بعدم قراءتها لمن هم دون السن القانوني، الغاية من النشر: تبيان صيف عام م2009 أثناء تواجدي في مكتبي، في قسم شرطة الرمل الجنوبي باللاذقية، كضابط تحقيق ومعاون لرئيس القسم.
وردنا اتصال من المشفى الوطني، وأُعلمنا بدخول فتاة إلى المشفى، بعد تعرضها للضرب المبرح، وأنهم قاموا بمعالجتها، وهم قيد تخريجها من المشفى المذكور.
قمت بإرسال دورية إلى المشفى لإحضار الفتاة، وبعد حوالي نصف ساعة، حضرت الدورية برفقة فتاة في السابعة عشرة من عمرها، رائعة الجمال والقد المياس، آثار الضرب بادية على وجهها، ويدها موضوعة في الجبيرة، وهي بالأصل من قرى اللاذقية.
سألتها: خيراً أختي… تفضلي بالجلوس.
جلست، والخوف والرعب قد بلغ منها مبلغاً عظيماً، استأنفتُ بجدية أكبر: خيراً من ضربك؟، وماهي قصتك؟! قالت والدموع بدأت تنهمر من عينيها:
يا سيدي… أريد أن أتكلم بيني وبينك فقط.
طلبت من الجميع الخروج، باستثناء المساعد محمد، وهو رجلٌ متدينٌ ذو خلقٍ رفيع، وأصله من محافظة إدلب، ثم قلت: أغلق الباب يا محمد، بالفعل قام المساعد بإغلاق الباب، وجلس في أحد الكراسي بعيداً عن الفتاة.
وقلت لها: تفضلي حدثينا عن قصتك؟ ومن ضربك؟ ولماذا؟
أجابت والدموع لاتزال في عينيها: أبي الحيوان ضربني !
*لماذا ضربك، ولم تنعتيه بالحيوان؟؟! سألتُها.
تنظر إليّ حينا، وإلى الأرض أحياناً، وهي ترتجف.
هدأتُ من روعها، وأعلمتها أني سأساعدها، وأنّ هذا المساعد هو رجل محترم وثقة، وأن بقاؤه هنا لكي يساعدها أيضاً، وبعد هذا سألتها:
احكي لنا، لما ضربك أبوك؟ فأجابت:
كنت في الحمام أغتسل، ثم فجأةً.. طرق والدي الباب، فتحتْ، فدخل عنوةً، وهو سكران كالعادة، يريد أن يمارس الجنس معي، وأنا أحاول منعه، وهو يضربني ويضربني، حتى استسلمت، ولقد استطاع أن يمارس معي من الخلف، وبعدها…استطعت الإفلات والهرب، ولبست ملابسي، والتجأت إلى المشفى.
*أصابتنا صاعقة، وجوهنا ﻻ تجد لها أي تفسير، مع هذه الجريمة البغيضة، جريمة “سفاح القربى”.
جريمةٌ تثير كل خلية في جسمك، وتغلي منها كل قطرة من دمك!!
تماسكت قليلاً، وأنا أستقيق من صدمتي، وصرخت فيها:
لعلك تكذبين، إياك أن تبتليه باتهام كهذا! هذا موضوع لا لعب فيه. أجابت:
والله يا سيدي هذه ليست المرة الأولى، منذ شهرين.. وهو يفعل هذا!! ويتحرش بيّ منذ أكثر من عام، أول مرةً.. نام إلى جانبي بالليل، صار بعدها يلعب معي، ويلعب بأعضائي التناسلية، و من أسبوع مارس معي من “الأمام”، وبقي يلاعبني، حتى “نام معي وفضّ بكارتي، وصار ينزل دمٌ مني”، ارتبك في البداية، وأنا خفت كثيراً، ثم قال لي أنه أمر عادي، وطلب مني ألا أتكلم لأحد. اليوم، وأنا أغتسل طرق الباب، فاعتقدت بأنه يريد شيئاً، حتى دخل وتهيأ، وأنا أقول له: أنت أبي..لا يجوز هكذا، وأنا أبعده، وهو يهجم يريد أن يعتدي عليّ من جديد، حتى مارس معي من الوراء، صرت أحاول الهرب، وصار يضربني بكل شيء، وبكل الأغراض التي كانت في الحمام، حتى استطعت أن أهرب، وأذهب للمشفى.
المساعد محمد وأنا، نستغفر، ونحوقل، ونسترجع، حتى انفجر المساعد، وخرج عن رتم سلسلة الأذكار تلك، وقال : ﻻ…ليس صحيحاً، أنتِ كذابة!!
وهي تبكي: ﻻ لست كذّابة يا سيدي أحضروه، واسألوه.
أجاب المساعد محمد أكيد من فعل هذا ليس والدك، إنك تكذبين!
طبعاً تصرف المساعد محمد نابعٌ عن عواطف، وعادات وتقاليد، ودين ﻻ يقبل تلك الرواية، لاعتقادنا أنها بعيدة عن مجتمعنا، وضد التركيبة المعقّدة للبشر، وتخالف فطرتنا الإنسانية.
أين أمك وإخوتك؟ سألتها، أجابت: أبي وأمي مطلقان، وليس عندهما غيري، وأنا أسكن عند والدي، عندها اتجهت باتجاه المساعد:
-مساعد محمد اذهب فأتِ بأبيها ، لنعرف ما القصة، وأرسل لي دورية كي يأخذوا الفتاة للطبيب الشرعي.
خرج المساعد، وبعد حوالي نصف ساعة، حضر برفقة والدها، وقد أشبعه ضرباً، كما حضرت الدورية الأخرى من عند الطبيب الشرعي بعده بعشرة دقائق، حيث أكد الطبيب تمزق غشاء البكارة، وأكد وجود إحمرار على فوهة الشرج، وآثار مجامعة حديثة، وآثار ضرب عنيف على وجه الفتاة، وفي أماكن متفرقة من جسدها، مما يؤكد حدوث الاعتداء، ورواية الفتاة، وأُدخلا إلى مكتبي، وبعد وصولهما، وقراءة تقرير الطبيب، ثم قلت للمساعد محمد:
ويل لك لماذا ضربته؟ فقد قلت لك: اعتني به، ولا شيء غير هذا! قال:
– اسمع يا سيدي أولاً ما يقوله!!
تمالكت أعصابي، مع أني تأكّدت من صدق رواية البنت، بعد رؤية تقرير الطبيب الشرعي.
-ماهي القصة مع ابنتك؟؟ نظر إليها، وقال : اشتكيتني يا شر…؟!
قام المساعد محمد بصفعه على وجهه، فقمت بالصراخ بوجه المساعد:
لا تضربه، إذا لم تهدأ وبقيت في هذا الهياج، فسأتصرف معك ! هل سمعت مساعد محمد؟؟!
-أمرك سيدي… أجاب ثم توجهت بالكلام إلى والد الفتاة:
انظر إلي أيها الحيوان وتكلم معي، هل هناك من يقول عن ابنته “شر…؟!
– لأنها كذلك ….
تأكّدت في هذا الموقف من صدق رواية البنت، عيناي امتلأتا بالدماء:
(ولاه كيف تفض غشاء بكارة بنتك)؟! وقمت بالاقتراب منه فصرخ خائفاً:
-ﻻ تضربني يا سيدي، أنا فقط مارست معها من الوراء!!
وقفت مصدوماً بلا حراك.
يالله أين وصلت بنا الأمور؟!! ماهذا الذي أسمعه؟!
طلبت منهم وضعه في السجن ريثما أهدأ، وأستيقظ من هذه الفاجعة، التي تستثير كل مخزونك الديني، والثقافي والمجتمعي، جريمة قاسية وشديدة الوقع على النفس، لا تستطيع معها إلا أن تغرق في دوامة التفكير القاتل، وأنت كمحقق يجب أن تُحيّد كل ماذكر لتدوين الحقيقة بتجرد كامل.
تم التحقيق معه مرة أخرى، فاعترف بالاعتداء كما روته الفتاة كاملاً، ثم تم تقديمه للقضاء، وبعد ثلاثة أشهر أطلق سراحه، بعد أن وجد القاضي أن فعله ذلك يدخل في باب تأثير السكر، وعدم القدرة على تمييز أفعاله!!.
** أخبرت هذه القصة لبعض المقربين مني، في محاولة مني لفهم هذا التصرف، وأغلب الأجوبة وردود الأفعال كانت: “هذه ليست ابنته، هو ليس والدها”، هذه ردة فعل فطرية، وليست فهماً لما يجري!
لم يفكر أحد بمصير الفتاة، التي تركت في مهب العادات والتقاليد، فتاة بعمر الزهور وعبقها، تم سحق عطرها، وحياتها ومِن مَن؟!! من أقرب الناس لها، والمكلف رعايتها وحمايتها.
قامت أمها باستلامها، لتعيش في كنف رجل غريب، لا يرى فيها إلا تلك الفتاة التي جعلها والدها لقمة سائغة لكل من سولت نفسه، في ظل غياب أي دور للدولة، والمجتمع، وعدم وجود أي مؤسسة ترعاها نفسياً، وصحياً، وأخلاقياً.
أين المشكلة؟!! وما طبيعة المرض، وكيف التغلب عليه؟!! لا أحد يسأل نفسه. عن أي جريمة نتكلم ؟!!
عن جريمة رجل يعتدي على صبية في عهدته، سواء كانت ابنته أم لم تكن؟ في أي مجتمع نعيش؟! وفي أية غابة نتحرك؟! وعن أي قانون أو قضاء نتكلم؟! ومع أية وحوش نتعامل؟! وأين الدولة، والنظام، والمجتمع من هذا؟! من يتحمل هنا المسؤولية؟!!
لا أحد، لا أحد، لا دخل لنا تسمعها من كل مَن تقابله في مؤسسات الدولة، والشعب مغلوب على أمره، غارق في بحثه اليومي عن رغيف خبزه.
هل تعلمون أنها المرة الثالثة التي حققت فيها في ذلك الجرم الخطير، وهي المرة السابعة في الحوادث المشابهة، التي علمت بها، ومرت معي في خدمتي، في مساحةٍ يسكنها حوالي 90 ألف شخص!! ولنسأل أنفسنا: كيف ومن أوصل المجتمع لهذا الانحلال الخلقي؟!
*محمد الفضلي – سوريا.