قد لا يكون الطفل ضحية اضطرابات الرجل أو المرأة النفسية، والتي تؤدي في كثير من الحالات إلى الميل الجنسي تجاه الأطفال، قد يكون الشخص المصاب بهكذا اضطرابات هو نفسه ضحية، خصوصاً في غياب الوعي اللازم في معالجة هذا النوع من القضايا، والتي تعتبر خطيرة اجتماعياً، فيلجأ المصاب بها للتكتم بدل اللجوء إلى متخصص يساعده على التخلص من مشكلته.
يقول صاحب الحكاية الذي سأطلق عليه اسم “س”، أنه كان في نهاية العشرينات عندما بدأ يراوده شعور غريب تجاه طفلته البالغة من العمر خمس سنوات، لا سيما عندما كانت تجلس في حضنه، ما سبب له أزمة نفسية كبيرة جداً، فلجأ إلى قراءة الكثير من القرآن والصلاة ليتخلص من ذلك الشعور، إلا أن الأمر تفاقم وباتت الخيالات الجنسية حيال طفلته لا تفارقه.
استمر صراع الرجل مع ذاته لعامين إضافيين، ثم ليبلغ اليأس من إمكانية التخلص مما هو فيه، فيتخذ القرار بالسفر خارج سوريا بحجة العمل، ثم لينفصل عن زوجته، ويبقى حيث هو دون أن يعلم أحد ما مر ويمر به.
يقول أن أقسى ما مر به هو نظرته المحتقرة لذاته.
أما عما إذا كان ما يزال يعاني من الانجذاب للأطفال، يقول أنه منذ غادر سوريا وحتى اليوم؛ وقد شارف على الستين؛ لم يحاول الاقتراب من أي طفل، ولا حتى النظر إليه، إلّا أنه ما يزال يعيش مرارة الاحتقار لذاته.
*تأخذنا هذه القصة إلى ضرورة التمييز بين “البيدوفيليا” كميل جنسي تجاه الأطفال، يحتاج إلى تصحيح وعلاج، وبين الاعتداء الجنسي على الأطفال كتحقيق لهذا الميل وإشباع الرغبة الكامنة خلفه، وكنا قد أوضحنا في مقالات سابقة هذا الأمر، فليس كل من يحمل هذا الميل، هو شخص معتدي، فكثير من الأشخاص يعيشون ويموتون مع هذا الميل، دون أن يتسببوا بأذية لأي طفل.
الأمر الآخر الذي توجهنا إليه القصة المذكورة أعلاه، هو ضرورة وجود متخصصين بهذا النوع من الاضطرابات الجنسية والنفسية، وضرورة التوجّه إليهم من قبل من يشعرون بهذا الميل في أنفسهم، وللأسف، لا يوجد في مجتمعنا عدد كبير من هؤلاء المتخصصين، ولا يتوفر الوعي الكافي لدى جمع الناس ليقصدوا هؤلاء المتخصصين إن وجدوا، وغالباً لا يثق الناس بالأطباء والمتخصصين، ويخشون من تسرّب المعلومات وافتضاح أمرهم، ولذلك نحتاج إلى المزيد من التوعية بهذه القضية، والمزيد من المتخصصين الذين يتولون أمر علاجها.
*زيدون الجندي، عضو مؤسسة نداء/ الفريق الإعلامي.