الهروب من المواجهة

الأسلوب الأكثر رواجاً لمواجهة الانتهاك الجنسي

عندما تضيق الآفاق أمام الناس، في بيئة ضاغطة اجتماعياً واقتصادياً، وتنعدم الخيارات والفرص نحو حياة أفضل، مع جهل كبير، وغياب تام للوعي في محيط تحكمه ثقافة الفضيحة، ويجعل من الأنثى كبش فداء دائم، لا تجد العديد من العائلات، وبوجه خاص “الأمهات” سبيلاً أمام تعرض بناتهن للاعتداءا الجنسي والتحرش، سوى الهروب من المكان، وقد تكرّر هذا السلوك، حتى أصبح “سياسة”.

قصة من الشمال السوري

وردتنا قصة تعرّض طفلة لتحرّش، من الشمال السوري، فكان الحل: الهروب من مكان تعرضها للتحرّش.

وتقول راوية القصة، وهي إحدى العاملات في مجال حماية المرأة:

طفلة في الصف الأول الابتدائي، كانت تلعب بجوار منزلها، حينما اقترب منها رجل كما تقول ( قد بابا) – أي بعمر والدها – وسحبها إلى أسفل دَرَج مجاور ( سلالم البناء)، وبدأ يتحسس أعضاءها التناسلية، شعرت  الطفلة بالخوف، لكنّه أخبرها أنه صديق والدها، وبدأ بتقبليها.

لم تُدرك الطفلة ماذا تفعل، وفجأة سمع صوت أحدهم يدخل للبناء، فمكان منه إلا ترك الطفلة، ولاذ بالفرار.

عادت الطفلة لمنزل أسرتها، وروت ماحدث لها لأمها، وأول ما قامت به الأم هو المبادرة للبحث في ثيابها الداخلية عن أي بقعة دم، للتأكد من عدم حدوث أي اتصال جنسي (إيلاج)، وهمّها الأكبر هو التأكّد من عدم فض غشاء البكارة.

بالطبع، لا يهم الرض النفسي الذي تعرَضت له الطفلة، ولا يهم مدى تأثيره على شخصيتها ومسار حياتها، فالأهم أن تبقى عذراء ريثما يحين وقت زواجها.

طبعاً لم تقوم الأم بإخبارالأب بما حدث، واكتفت بالعزم على ترك المنطقة التي يعيشون فيها.

الهروب فقط هو الحل!

الوحش البشري  بقي طليقاً، يبحث عن ضحايا جدد يخشين الحديث، خوفاً من العار والفضيحة، وكأنّ الهروب حل للمشكلة، ولم تدرك  الأم – كما غالبية الأمهات في مجتمعاتنا – إن الصمت يزيد عدد الضحايا، وربما يتسّبب بما هو أسوأ، وببساطة ممكن تحدث جرائم قتل بسبب هذه المسألة.  

*تعقيب:

إذا أردنا الابتعاد عن التنظير على الناس، وإيجاد حلول حقيقية للحد من الانتهاكات الجنسية بحق الأطفال، علينا طرح التساؤل التالي:

ما الخيارات المُتاحة أمام الأمهات، كالأم المذكورة أعلاه، في بيئة قائمة اجتماعياً على مفاهيم العار والعيب والفضيحة؟

كيف من الممكن للأب أن يتصرف لم عرف بما تعرضت له طفلته؟ هل سيستوعب الأمر؟ ويا تُرى لو كان الأمر كذلك، ألم تكن الأم قد أخبرته؟ وهنا يبرز دور الأسرة والعلاقة بين الوالدين، وبينهما وبين الأبناء، وإلى درجة الأب حاضر في العائلة وفي حياة الأطفال، ويُمكنه حل المشكلات الصعبة بأسلوب واعٍ وعقلاني؟

هل يوجد جهات قانونية – أمنية، رسمية، يُمكن اللجوء إليها في مثل هذه القضايا؟ وغالباً ما يقوم عناصر من هذه الجهات بانتهاك الضحايا الذين اشتكوا من الانتهاك – تكرر هذا الأمر جداً – وتبدأ حلقة مفرغة، يتجنبها الجميع، بالصمت عمّا تعرضوا له، والهروب فقط بعيداً عن المكان الذي تتعرضوا فيه للاعتداء، فانعدام الثقة بالجهات الأمنية وسلطات الأمر الواقع، تدفع الناس إلى تجنب الشكوى.

للحقيقة، الآفاق ضيّقة جداً في بيئة كبيئة الشمال السوري، والحلول معدومة، ويقف العاملون في مجال رعاية الطفل والمرأة، عاجزين أمام أغلب حالات التحرش والاعتداء الجنسي، لأنه لا يوجد أي جهة داعمة، ولا يوجد مكان معزول ومحمي، يحتضن الضحايا، لذلك من حيث ندين تصرف الأم بالهروب، علينا فهّمه وتفهّمه، والاستمرار بمحاولة إيجاد حلول، والاستمرار بالتوعية المجتمعية، لأنها حاجة ملحة لرفع وعي الناس بهذه القضية، وإدراكهم حجم خطورتها.