كيف كانت أول تجربة تحرش اختبار لعائلتي ومحيطي؟

تعرضت لأول تجربة تحرش في سن ما بين الثامنة والتاسعة من عمري، حيث كانت تلك السنوات هي الفترة الذهبية لحياتي، والتي انتهت وتغيّرت جذرياً بعد وفاة والدي وأنا بعمر ال12 سنة تقريباً.

ما زلت أذكر ما حدث، وكأنه حصل للتو، وكان المتحرش من محيطنا العائلي، وهو صهر ( نسيب) أحد أقاربنا المقربين، وكانت زوجته أحد المقربات جدا من أمي – رحمها الله – وتزورنا باستمرار، وكانت أمي تعتمد عليه في تصليح كل ما يحتاجه بيتنا من أمور كهربائية، ونجارة غيرها من تصليحات، كونه يعمل بهذه الحرف إلى جانب عمله الأساسي ك” بلّاط”، وهذا يعني أن وجوده ضمن عائلتنا غير مستغرب، بحيث كان مصدر ثقة لأطفال العائلة.

في أحد الأيام بينما كانت الأهل جميعا مشغولين بترميم المطبخ مع مجموعة من العمال، دخل والدي وألقى في حوش الدار عدة أكياس ذات أحجام كبيرة من الزيتون الأخضر والأسود، والذي يحتاج إلى إعدادات كثيرة قبل تخزينه كمونة للعائلة، وكانت قريبتنا – زوجة المتحرش – موجودة في بيتنا، وبالطبع هي أول من يساعد أمي في هكذا مهام، ولا أذكر ما هو بالضبط الغرض الذي أرسلوني لأجلبه من بيتها، ولكنه كان يتعلق بترتيب وإعداد هذه الكميات الضخمة من الزيتون، وذهبت إلى بيتها الذي يبعد عن بيتنا حوالي أقل من 2كم، وعندما وصلت وقرعت الجرس، فتح الباب زوج قريبتنا – المتحرش – وأخبرته بما أرسلوني من أجله، وأذكر أنه دخل المطبخ وبحث قليلاً، ومن ثم خرج، وقال تعالي معي وأعتقد هذا الغرض بالغرفة، وأشار إلى إحدى الغرفتين اللتان تتوسطان المنزل في نهاية ممر ضيق، دخل الغرفة قبلي، وما إن دخلت عتبة الغرفة حتى أزاحني قليلاً عن الباب وأقفله، وفوراً مع قفل باب الغرفة شعرتُ بالخوف، ومن ثم حملني وجلس بوسط الغرفة وهو يحضنني، وحاول تقبيلي من فمي وتملصت بوجهي عنه ولم أفسح له المجال لتقبيلي، وباللحظة ذاتها حاول يمد إحدى يديه لنزع ملابسي، تملصت منه، ودفعته عني، وبدأت أصرخ بصوت رهيب، فارتبك جداً، وفوراً سارع لفتح باب الغرفة، وقال: اذهبي … اذهبي، وبسرعة البرق لا أعرف كيف وجدت نفسي خارج ذلك البيت، وأركض، وصوته يتردد وهو يقف على باب البيت محذراً: لا تخبري أحداً بما فعلت… لا تخبري أحد ( لا تجيبي سيرة لحدا شو عملت)…

لا يُمكن أن أصف كم كانت المسافة طويلة وقصيرة بالوقت نفسه، من ذلك البيت إلى بيت عائلتنا، كنت أركض بالشوارع بكل ما أوتيت من قوة، وكأنه يجري خلفي، وحافية تماماً لأنه تركت حذائي في ذلك البيت، غير آبهة بوخزات الحصى في المداخل الفرعية، وحرارة زفت الشارع المؤدي لمدخل بيتنا الذي وصلته لاهثة، أنفاسي مقطوعة، ومرعوبة تماماً، ودقات قلبي تسابق الأنفاس التي أتنفسها بصعوبة، ما إن لمحتني أمي وقبل أن أصلها، ركضت باتجاهي ومتساءلة بلهفة: ماذا حصل لكِ؟ لماذا تركضين حافية؟ وحاولت تهدئتي لأنني ما أن وصلتها حتى انفجرت بالبكاء… احتضنتني أمي بقوة، ومن ثم غسلت لي وجهي وقدمي، وسقتني الماء بكفي يديها، وبدأت أهدأ… وبكل جرأة وهدوء تام رويت للجميع ما حدث حرفياً – لا أعرف ولا أدرك لهذه اللحظة كيف كنت بتلك الجرأة والعفوية -.

والدي وأمي – رحمهما الله -، قريبتنا زوجة المتحرش، وأخواتي الأكبر سناً، الجميع كان موجود، ويحيطون بأكوام الزيتون الأخضر والأسود، وقد ترك الجميع ما كان يقوم به من عمل، واستمعوا لما قلته باهتمام واستنكار، وتعاطف كبير معي.

بالطبع استنفرت العائلة بشكل كلي، واتجه والدي فوراً إلى بيت قريبتنا، وركض الجميع وراءه خوفاً من حدوث مصيبة، ولكن لم يجدوا الشخص المتحرش، وقد اختفى من المكان.

قاطعت قريبتنا زوجها لشهور، ومن ثم عادت بالتراضي بعد إعلان توبته، وبقي أقاربنا أهل زوجته على مقاطعته سنوات طويلة، حتى تناسى الجميع الأمر، قاطعت عائلتنا زوجها، ولم يدخل بيتنا بعدها، ولا مرّ أو عبر من حارتنا حتى مجرد عبور، لكن طوال تلك الفترة لم يستطع والدي حتى وفاته مواجهته، وكان دائم البحث عنه، وهو يهرب منه، والجميع وبخوه، وهذا كان كل عقابه!

ماتت القصة في ذاكرة الجميع، إلا ذاكرتي، ولهذه اللحظة، ما زلت أسمع دقات قلبي السريعة، والذي كاد أن يخرج من صدري، وأنا أركض في الشارع كمن أصابه مس من الجنون، وبقيت سنوات أكره مجرد العبور من تلك الحارة التي يسكنها، وانقطعت أخباره عني تماماً، رغم استمرار زوجته بزيارتنا، وكانت تتفادى ذكره أمامي، حتى بعد كبرت وتزوجت، وكانت أول من يحضر للقائي في كل إجازة أذهبها لزيارة أهلي، وبعد الثورة السورية بسنة تقريباً، سمعت من الأهل أن زوجته انفصلت عنه، وطلبت الطلاق وتطلقت فعلاً، لأنها كشفت علاقته بإحدى النساء، والتي تزوجها بعد طلاقه، وهجره كافة أولاده.

ما زلت لليوم أفكّر بالجرأة التي دفعتني للحديث علناً عما جرى، متجاوزة الخجل والخوف، وحالة اللوم التي كان من الممكن أن تقع علي، أو مسألة الفضيحة، والشعور بالعار الذي لم أشعر به لحظة واحدة، وكنت بكامل اندفاعي لرواية ما جرى، وكنت من الوعي والقوة لأدرك أن العار والفضيحة والخجل يجب أن يكون لهذا الإنسان وليس لي، ولم أشعر لحظة بالضعف، وكان موقف عائلتي مما جرى هو أول اختبار لهم مع سلوك ما وتصرف ما، تصرفته حيال موقف أتعرض له، وكان ذلك مصدر قوة وثقة كبيرة بهم وبنفسي، ما زالت لليوم هي أحد أحجار الأساس التي صاغت شخصيتي.

ربما يتساءل القارىء: هل كان يجب أن أبوح لأهلي بما جرى؟ ما الجدوى؟ هل كان تصرفي صحيحاً؟

لا يهم ماذا يفكر الآخرون بما نحن عليه، فما زلت واثقة أني فعلت الصواب. فما هو رأيكم؟ اترك رأيك بتعليق تحت الموضوع.

*خولة حسن الحديد