كيف تهرب محمود الطفل من الحدث الذي كاد أن يغيّر حياته جذرياً؟

كأغلب العائلات في مدينتي، كانت عائلتنا تجتمع في فصل الشتاء، حيث كانت كل عائلة تجتمع في هذا الموسم السنوي على قطاف الزيتون، وكنا نمكث هذه الفترة في (البرية)، وننام بالغرفة الموجودة هناك، عوضاً عن تعب الذهاب والعودة لمنزلنا بالمدينة يومياً، وكان والدي يُحضر لنا من المدينة مايلزمنا لإعداد الطعام أو المستلزمات الأخرى، ولكن أحياناً يذهب أحدنا نحن الأطفال الثلاثة عوضاً عنه إن شُغل بأمر ما، كنت أنا أصغرهم، أبلغ من العمر عشر سنوات، وفي أحد الأيام ذهبت ومعي (الليستة)، هكذا كنا نطلق على الورقة التي تكتب فيها أمي ماتحتاجه، ذهبت للمدينة واشتريت بدقة كل مادوّنته أمي، ولكن طريق العودة مُتعِبة نوعاً ما، فكانت أرضنا تبعد عن المدينة مايقارب 5كم، والخطة المتبعة في طريق العودة هي بأن أمشي على الطريق الرئيسية، وهنا تكون لديّ فرصة الركوب مع أي آلية ذاهبة بذات الاتجاه، وإن لم يسعفني الحظ، فأكمل طريقي سيراً على الأقدام.

كانت الساعة حوالي السادسة مساءً، وفي فصل الشتاء، هذا يعني أن الظلام سيحل بعد قليل، ورحت أمشي محاولاً أن أسرع قدر الإمكان وأنا أحمل كل مااشتريته، وكنت ألتفت كل لحظة للخلف، لعلِّي أرى أحدهم يتوقف عندي، كنوع من الأمل، وبعد قليل سمعت صوت دراجة تقترب مني، وبمجرد أن التفتُّ للخلف وجدتها قد توقفت بالفعل، دراجة نارية يقودها شاب ثلاثيني، كان سميناً بعض الشيء، متوسط القامة، بلحية خفيفة وشعر أسود يمشطه للخلف، ويرتدي قميصاً وسروالاً بلون أسود، كانت دراجته من نوع “جوك”، فهل من غرابة إن قلت أن لونها كان أسود كذلك؟

ابتسم لي الشاب وقال: (اركب لكي أوصلك بطريقي)، فكان يوم السعد عندي، وكان على الدراجة سلة وهذا جعلني أكثر سعادة، فوضعت بها الألف طن التي أحملها وركبت؛ كان يمشي ببطء، وبعدها طلب مني أن أتمسك جيداً لأنه سوف يزيد من سرعته، فأمسكت بالسلة، ولكنه أصر بأن أمسك به خوفاً علي، فبرأيه من المحتمل أن تقع السلة وأنا معها، وأطعته فعلاً ووضعت يديّ على خاصرته، فعاد وطلب مني أن أمسك به جيداً، ولم أفهم قصده، فأمسك يداي ووضعهما عند بطنه، ولكنه وبعد أقل من دقيقة عاد وطلب مني أن أنزل يدي للأسفل، وهنا شعرت بالغرابة! فعاد وأمسك يداي ووضعهم على عضوه؛ حينها أذكر تماماً كيف وكأني انتقلت لعالم آخر، وأصبحت الرؤية لديّ ضبابية وسوداء ككل مافيه، وشعرت بالخوف الشديد والدوار، لم أكن أفهم تماماً مايحدث أو ماسيحدث، لم أكن أعلم ماعلي فعله، ربما أيضاً لم يكن لدي ماأستطيع فعله؛ وبدأ بضغط يداي على عضوه بعد أن أخرجه، وهنا كنت مُرهبٌ تماماً فلم أستطع أن أنطق بكلمة، ولكن بعد لحظات رأيت أناساً رغم تأخر الوقت مازالوا يقطفون الزيتون، وكانوا للأمام بجانب الطريق، ولا أعلم إلى الآن كيف تكلمت ماتكلمته حينها، وقلت له ( هدول أهلي نزلني عندهم)، فانتفض مباشرة وأبعد يداي، وتوقف قبل أن يصل إليهم؛ فنزلت مسرعاً، ولم أنسَ حمولتي طبعاً، وقبل أن يبتعد، أمسك بيدي وسحبني نحوه وقبلني وذهب، ورحت أنظر ليميني ويساري محاولاً إيهامه بأني سأقطع الطريق باتجاههم، وفاجأني حينها أنه لم يكمل طريقه، بل عاد أدراجه، وهذا يعني أنه تجاوز المكان الذي كان يريد الذهاب إليه، والأمر زاد شعور الخوف عندي.

حملت الأكياس ولأول مرة أكون سعيداً بأني سأسير على قدماي، ولم أكن أهتم للوزن أو المسافة، كنت أريد أن أركض أو أن أبكي، ولكني فشلت، ولكن عودة الرؤية لدي، والدفء لقلبي كان هذا كل ما أحتاجه.

لم أخبر أحد بهذه الحادثة إلى هذه اللحظة التي أكتب بها، ليس لأني أشعر بالخوف من سردها أو أي سبب آخر، بل لأنه لم يكن هناك شيء يستدعيني للتحدث عن عنها.

وما أعلمه جيداً، أنني لم أكن إلا على بعد دقائق لحدوث أمر، ربما كان غيّر حياتي تماماً، ولكن الحظ حالفني حينها ونجوت، ودائماً ما أسأل نفسي حين أتذكر الموقف، ياترى كم طفل لم يسعفه الحظ وراح ضحية لمتحرش؟ كم طفل كَبر وكبرت معه عقدٌ نفسية خلفها موقف كهذا أو أسوء منه؟ كم طفل تغيّرت حياته ومستقبله بسبب متحرش ومغتصب؟

*من القصص الواقعية التي وصلتنا للنشر، قصة تبين التصرف الذكي والسريع من طفل لا يتجاوز عمره عشرة سنوات، أنقذ نفسه من حدث كان من الممكن أن يحوّل حياته إلى مأساة، “محمود عبود” روي لنا تجربته الشخصية مع التحرش، وبانتظار المزيد من مشاركاتنا لتجاربكم، مع الشكر الجزيل لصراحته وجرأته بمشاركة التجربة وثقته بعملنا.