Young boy huddled and alone on a city street in Rome. Related:

كيف تؤثّر تجارب الطفولة والمراهقة على الميول الجنسية؟

*قصة من الواقع

كل شيء بدأ بمزحة.. .هذا ما قال كمال، وكمال ليس اسمه الحقيقي، بل هو اسم اختاره بنفسه، لحساب ماسنجر ليحدثني عبره.

قال أنه يثق كل الثقة بمؤسسة نداء وبفريقها، وبي شخصياً، إلا أنه اختار التخفي ليتحدث عن تجربته بإسهاب ودون حرج، إلّا أن كل ذلك لم يكن كافياً بالنسبة له ليتحدث باستفاضة وأريحية على ما يبدو، فقد كان يتردد كثيراً عن الإجابات الوافية على أسئلتي.

يقول كمال، أنه كان وحيداً لأبويه مقابل ثلاث شقيقات يكبرنَه جميعاً، وقد كنَ يشاركنه ألعابهن الطفولية الأنثوية، أضف إليهن عماته وخالاته اللائي يعاملنه بدلال مفرط، لقد كان تسليتهن حرفياً، مما جعله ميالاً مع تقدمه بالنمو إلى تقليد البنات في طريقة كلامه، وبعض تصرفاته. 

ذلك الأمر الذي لم يكن ليعجب والده بالطبع، فصار يعامله بقسوة تصل إلى العنف في كثير من الأحيان؛ جعله عرضة للسخرية بين زملائه في المدرسة. 

اتخذ الأب قراره بإرغامه على العمل في عمر الرابعة عشرة “ليقوى عوده ويستعيد ذكورته” حسب اعتقاده، وقد اختار له العمل في منشأة لصناعة مفروشات الموبيليا يملكها صديقه.

ما لم يعرفه الأب، أن رب العمل لم يكن يملك كثيراً من الوقت ليهتم بابنه، وأنه أصبح محط تندّر لدى زملائه في العمل، والذين يكبره أصغرهم بثلاثة أعوام على الأقل.

ذلك التندر والسخرية، أخذا طابع المزاح الجنسي من قبل زملائه، وأمام خشيته من قسوة الأب، وتهيبه الشكوى لرب العمل، ازدّادت جرأة بعضهم في المزاح  الذي لم يعد يقتصر على اللفظ، بل تحول للمس صدره والمناطق الحساسة من جسده، وسؤاله بسخرية متى ستبدو عليه مظاهر الأنوثة كاملة. 

كان يخزن ويغضب منهم في كثير من الأحيان، لكنّه يجد نفسه عاجزاً عن لجمهم، فلا يزدّادون إلا وقاحةً، حتى وصل الأمر بأحدهم؛ وقد كان مراهقاً يكبره قليلاً؛ أن تبعه إلى المطبخ حيث كان يعدّ الشاي، فاحتضنه من الخلف، وبدأ يقوم بحركات جنسية معه عنوة، وعندما التفت إليه ودفعه عنه، فوجئ ببقية الزملاء واقفين بباب المطبخ، وقد فارتفعت أصواتهم ضحكاً وتصفيراً.

يقول كمال أن تلك الحادثة حطمته تماماً، وغيرت حياته إلى الأسوأ، وجعلته مستسلماً أمام تصرفات زملائه.

توقّف كمال عن الحديث لبضعة أيام، ثم عاد ليطلب مني حذف الدردشة بيننا، وإثبات ذلك بلقطة لشاشة جهازي قبل متابعة الحديث، ففعلت على الفور.

بعد يوم من ذلك، فوجئت أنه قام بحظري أو إغلاق حسابه.

كنت قد عرضت عليه المساعدة خلال حديثنا، إلا أنه أكّد لي أن تجاوز الأمر، وأن رغبته في عرض حالته كانت فقط للفائدة والعبرة، وبالرغّم من إخفاء “كمال” لهويته الحقيقية، إلا أن تخميني الشخصي جعلني أعتقد أنه اليوم يزيد عمره عن الثلاثين عاماً، ومتزوج ولديه أسرة، وقد كان لما قبل الزواج مستمر بحياته مزدوج المشاعر الجنسية، وليس له أي تجربة جنسية مع أي أنثى، رغم تحرّك غريزته باتجاه الجنس الآخر، ولم يشرح أي تفاصيل عن حاله بعد الزواج.

*تعقيب:

تدلّ تجربة “كمال” على أهمية التربية البيئة الأسرية في تحديد الميول الجنسية للإنسان، كما تؤكّد أن التجارب الجنسية المُبكرة تٌساهم إلى حد كبير في تغيير تلك الميول، حتى لو كانت في إطار التحرش والاعتداء الجنسي الذي لم يصل إلى درجة الممارسة الجنسية الكاملة، ولكن هذا لا يعني أن كل من تعرّض للتحرش والاعتداء الجنسي بأي شكل من أشكاله، من الحتمي أن تتغير ميوله الجنسية، بالرغم من الإحصائيات التي تُشير إليها بعض البحوث، وتربط بين الميول الجنسية وتعرض الشخص للاعتداء والتحرش خلال مراحل طفولته وبداية بلوغه، فلا بدّ أن نتعامل مع هذه الحالات بكثير من الحذر، فبعض هذه التجارب قد تخلق ردة فعل عكسية لدى بعضهم، وترجع عوامل الاستجابة لتغيير الميول التي تتسبب لاضطرابات في الهوية الجنسية إلى التربية والمُحيط، وسمات الشخصية، وأسلوب استجابتها للمثيرات البيئية لاحقاً، فكل تجربة شخصية هي مثل بصمة إصبع صاحبها، لا تتكرر، ولا يُمكن تعميمها، ولكن الثابت في مثل هذه التجارب، هو حجم الآلام النفسية التي يُكابدها أصحاب هذه التجارب، ومدى تأثيرها على حياتهم الجنسية مستقبلاً، وطريقة تعاملهم مع ذواتهم، وشعورهم بها.  

*زيدون الجندي، عضو مؤسسة نداء، محرر في الفريق الإعلامي للمؤسسة.