قبل أن تواصل الكاتبة “سحر سليمان”، سرد تجاربها ومشاهداتها من بيئتها ومحيطها، وقبل أن تروي لنا قصة تحرش بطالبة في المدرسة من قبل المستخدم، ترسم لنا صورة توضيحة، عن الحالة الاجتماعية في مدينة الرقة، وطبيعة تركيبتها العشائرية، وتقول:
في مجتمعنا العربي والسوري خاصة، وكوني ابنة ذاك البلد، والبقعة الجغرافية فيه التي اسمها “الرقة”، إن كتبت فانا أكتب مارأيت، وسمعت من الحلقة الأقرب جداً للمتحرش به أو المتحرش بهااا
كوني ولدت، وعشت، ودَرَسْت فيها، وعملت في أكبر مجال “التعليم”، لمدة تقارب الواحد وعشرين عاماً في مدارس المدينة والأطراف.
مهنة التعليم، من أكبر المهن التي تجعلني على صلة واطلاع على عدد كبير من الأهالي، حيث هي المهنة التي تتواتر فيها الأجيال، والأهالي، والأحداث.
استطردت في بداية كتابتي، كي أوصل فكرة للقارئ والمُتابع.
للأسف، غالبية المجتمعات التي تعيش في أفق مفتوح، وخلطه سكانية، نتيجة قرابة أو صلة أو جيرة، حيث طبيعة مجتمع الرقة ليس بالمنغلق، ولا البدوي، ولا الجاهل المتخلف، وهذا ليس ححكراً على عشيرة ما، أو عائلة ما.
مجتمع الرقة كمدينة أو ريف، هو مجتمع منفتح، وأحياناً جداً، وهو مختلط من عدة محافظات سورية، وربما دول أخرى نتيجة الزاوج.
طبيعة تكوين هذا المجتمع، نتج عنها معرفة حتمية مابين معظم سكان المدينة، حيث يتم فصفصة أصلك، وفصلك، ونسبك فقط إن قلت اسمك، فسيُعرف من هو والدك، وأقاربك، ومن هم العَمام والأخوال، وهو سؤال لا بدّ من توجيهه للشخص، ليُعرف نسبه، وفخذه وعشيرته.
هذا المجتمع، ربما ساعد ورفع كثير من الناس، وربما كسر وذل وأهان أكثر، حيث الرعب والخوف، السكوت على الفضيحة، كونهم ليس لهم سند واحد، ألا وهو الانتماء العشائري.
ما سأرويه هنا، حصل معي، أنا الشاهدة على حادثة آثرت الصمت على الكلام، لأني غريبة، لا انتماء عشائري لي في هذه المدينة، حيث لا أجداد، ولا عشيرة، وفخذ، وانتماء قبلي، وسوف أُحارب، وأُشتم باقذع العبارات، وقد تصل للتهّجم عليّ، إذ كيف أُشكك بشرف، وأخلاق رجل ابن المنطقة، وعمه فلان أو ابن أخيه فلان، والفلان بالأخص إذا كان من عائلة تكثُر فيها المناصب.
كنت معلمة رياضة، وهذه المهنة تجعلني أتعرف على معظم طلاب المدرسة، وأكون على قرب من نفسياتهم، وتصرفاتهم، ومن خلال مايتنلقلونه عن بعضهم بعض.
في المرحلة الابتدائية والتعليم الإلزامي، ومع نظام إعادة المتسربين إلى مدارسهم، كنت التقي بطالبات أعمارهن تتراوح مابين الثالثة والرابعة عشرة، وبعضهن قد بلغت، وبعضهن أجسامهن ممتلئة.
في درس الرياضة، كان عليّ أن أبقى في الباحة، أوزع الطلاب والألعاب، وأتمشى، وأحياناً أجلس اقرأ.
ذات يوم، وأنا أتمشى حتى باب المدرسة ،وهي في أطراف مدينة الرقة، والمدرسة كبيرة جداً، ومثل كل مدارس سورية، توجد بها غرفة خاصة بالمستخدمين عند الباب.
اقتربت من باب المدرسة، وأنا كعادتي ألبس بنطال جينز وخف رياضي، وصلت الباب وقفلت عائدة، التفتت حيث غرفة المستخدمين، والرجل المستخدم كان يقف وقد ثنى جذعه، ووقفت طالبة أمامه تغسل كاسات الشاي.
ترك الطفلة التي ثنت جذعها على الحنفية الأرضية أمامه، وهو قد أمسك بخصرها يحركه ليتلامس مع عضوه الذكري، أنا جمدت من خِسة الموقف، فعلاً أُخرست كلماتي، الطفلة قد شعرت لكنها خجلى، ربما خائفة، وهو ألصق ذكره بخلفية الطفلة، صرخت باسمها: ماذا تفعلين هنا؟ وزورته، وقلت لها:
اتركي كل شيء واخرجي، وهذا العمل مو مطلوب منك.
ضحك المستخدم بقذارة وتلعثم، أخرجت الطالبة أمامي وزورته، وصرخت بالطلاب ليحضروا، وقلت: اللي يدخل غرفة المستخدمين، اكسروا له رجليه، مفهوم؟
مرت الحادثة، ولأيام متتالية،وأنا إن دخلت المدرسة، بدل السلام كنت أزوره فقط.
ذات نهار في غرفة المعلمين، وأثناء حصة فراغ لي، تكلمت مع نائبة المدير بشكل غير مباشر، وهو إني لا أرتاح لهذا الرجل، أشعر بقذارة نظراته لي وللمعلمات والطالبات ، نظرات كلها شهوة، فنهرتني وقالت( يا سحر شنو تحچين هذا زلمه متدين، وتقي، وأهله مبينين، تراج واهمه، والزلمه حيل محترم، يا محمد ماتعرفينه).
بلعت ماتبقى من كلمات، وحمدت الله أني ماحكيت الأمر للآخرين، وإلا كنت اتبهدلت وانفضحت، وربما هجموا عليّ، واشتكوا وطالبوا بشرفية، كوني أُشهّر به.
للأسف، غالبية قضايا التحرش، يبقى السكوت عنها أمر أهون من الفضيحة، في مجتمع كمجتمعنا، وأول الناس الأقارب والجيران ستكون ردة فعلهم كما يلي: (ياعيبة على الفضيحة، فضحت أهلها وفضحم حالها)، ويتحول المظلوم لظالم ومجرم.
أمر التكتم على التحرش، غالباً مايكون نتيجة الخوف من الفضيحة، والملامة، وبالأخص إن كان المُتحرش به أو بها، لا سند لهم من عشيرة ،وفخذ وقبيلة.
هذا واقعنا المزري، ولا تبرير أن حزبالبعث فعل هذا، ولا الثورة والحرب، والحاجة،
إنّما عدم وجود الأخلاق، والرادع الذي لايمنع رجلاً بالغاً، وربما لديه عائلة، من أن يتحرش بطفل أو طفلة.
**الكاتبة السورية: سحر سليمان.