في هذا الجزء، تروي لنا الكاتبة السورية”سحر سليمان”، بعض حالات التحرش والاغتصاب التي حدثت في أحد الأحياء التي عاشت فيها مع عائلتها في سوريا، فتسرد ما يلي:
مرت ليالٍ ثقيلة على الحي كله، معظم البيوت وأصحابها تنتظر أن يُقرع بابها، ويُستدعى أحد أولادهم، كانت ليالي خوف، وقلق، وتوتر، حال الليالي مثل ساعات النهار أيضاً، تمرُّ ثقيلة، ومخيفة، ومليئة بالانتظار.
كنت أراها تلبس العباءة وتمشي، امرأة قوية لا تخشى لومة لائم، ولا نميمة جانبية عنها، لأنها كشفت مستور الحي، وفضحت بعض الأُسر، حين تبين اشتراك أولادهم بهذا الفعل المشين، الذي تصرفه أولادهم، الذين لايملكون أدباً ولا أخلاقاً ولا تربية.
كنت أراها تدخل عيادة الطبيب، ثم الصيدلية، وتحكي دون اعتبار لأحد، ولا تخشى ملامة.
بعد أن تنهي شغلها مابين الصيدلية والطبيب، تخرج قاصدة بيتها، وكل من يلقاها في طريقه يسألها: ماذا استجد بقصة ابنها؟
ابنها كان في المرحلة الإعدادية، شاب طويل، وكأني أرى الموقف للتو، كان يمشي بمحاذاة أمه، ليس مطأطىء الرأس، ولا خجلاً .
لا أعرف كيف بدأت القصة، لكن حضرت حبكتها، وتسارع أحداثها والنهاية .
حين صارح أمه أن بعض الصبية يتحرشون به، ومنهم من أراد اغتصابه ، هل كان للانتقام منه، أم لكِسْرَ عينه، كما يستخدم هذا المصطلح للانتقام من عائلة ما، أو فتاة، بأن يتم اغتصابها لكسر عين أهلها وذلهم.
يبدو أن هناك مشاحنات وملاسنات مابينه وبين بعض الصبية، الذين قرروا التحرش به والتمكن منه ثم اغتصابه، وهناك آثار ظاهرة على جسمة.
فوراً أمه رافقته إلى الطبيب، ووثّقت الحالة، ثم مرت بالصيدلة لتشتري الدواء، وبدأ بعدها الدور الأكبر والأقسى بالفضيحة، حيث فتح محضر الشرطة، وبدأ الشاب بذكر الأسماء،
من ضمن الأسماء كان اسما ابن عمي وابن جيراننا، الذين تم استدعائهما في الليلة نفسها والساعة، ومثل هكذا استدعاء، يُعتبر “توطاية راس” كما يطلقون عليه بالعامية، فأن يُستدعى ابنك لأنه قام بفعل التحرش بطفل أو شاب، فهو أمر مشين ومخجل.
فوراً تمت مرافقة المحامي في شارعنا، والذي رافق الطفلين، كونه جار وقريب، وبصفته القانونية كمحامٍ.
ابن جيراننا وابن عمي تم التحقيق معهما، وتبين أنهما على صلة بالشاب، لكن الأمر يتعلق بشراء بسكليت (دراجة هوائية) وماشابه ذلك، فكان إذاً تعاملهم معه، كونه ابن الحارة وهناك عمليات شراء وبيع للبسكليت (الدراجة)، وكونهم أولاد الحي نفسه فهم يعرفونه جيداً، وهو قد ذكرهما حين تم التحقيق معه.
مَن مِنْ الأولاد تعرف ؟؟
الشب لم يترك اسم طفل وشاب، الإ وذكره، وليلتها تم استدعاء غالبية هؤلاء.
عاد ابن جيراننا وابن عمي، لكن بعض أولاد الحي لم يعودوا، بل ثبُتت إدانتهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل سحبوا بعد ذلك عدة أطفال، وشباب ورجال، ثبتت إدانتهم في عمليات اغتصاب لشاب آخر، يقطن بعيداً، لكنه يعمل في المنطقة.
لا أذكر بعض التفاصيل التي أظهرت ارتكاب بعض شباب ورجال المدينة، جريمة اغتصاب شاب يعمل في الحي.
الشاب بالمظهر العام لم يكن سوياً، وقد توالت عمليات اغتصابه ولم يفضح سرّه، لم يقل لأحد، لا أعلم إذا كان الأمر تم برضاته أم عنوة عنه، وبعدها شعر بتحقيق رغباته الجنسية فتابع معهم.
الحادثة الأولى مع ابن الجيران، هي من فضحت مرتكبيّ الحادثة الثانية ،حيث اعترف بعضهم بأنهم لم يتحرشوا أو يغتصبوا ابن جيراننا، لكنهم قانوا بالفعل نفسه مع فلان، ووقتها تم استدعاء الشاب مع والده، الذي صُدم لسماعه تفاصيل اغتصاب ابنه، ولمرات عدة، وابنه لم يتكلم.
أذكر وقتها، حين كنت أتردد لشراءحاجة منهم، كيف كانت نظرات الأب الصارم لابنه ، ومراقبته له، ونهره علناً.
في أنظمة التحقيق في سورية، وغالبية الدول، هناك التعذيب القاسي لاستنتطاق المتهم.
في البداية ظن البعض أن من تم توقيفهم بتهمة التحرش والاغتصاب، قد يكونوا لشدة تعذيبهم قد اعترفوا بجرائم شنيعة، فقط ليتوقف المحققين معهم عن ضربهم، ولكن ما قاله كل واحد منهم لمحاميه، كان يُثبت إدانتهم
*في مرحلة الطفولة، تَكثر حالات الاغتصاب والتحرش، سواء من أطفال في عمرهم، أو أكبر أو أصغر، فالتحرش في مرحلة الطفولة فعل غير واعٍ، مسحوب بتقليد أعمى لما يراه الطفل، من عملية الجماع ليلاً بين أمه وأبيه، غالبية الأسر كانت ترقد العائلة كاملة في نفس المكان، بعض الأطفال يخاف تلك الوضعية والأصوات، بعضهم يراقب المنظر فيطبقه على من جانبه، وأحياناً الأخوات والأخوة، أما تحرش المراهقة فهم أمر يتم بمعرفة، ووعي، ويكون مقصوداً.
عملية توعية الطفل، تبدو بالنسبة لي من أصعب أنواع التوعية، وبهذا الأمر دوماً أُجد فيه صعوب، حين أُريد أن أشرح لابني ذي التسع سنوات عن عملية التحرش به، وكيف يصد ويفضح من يحاول لمسه بنية التحرش.
لا أريد أن أخيفه، ولا أزرع به عقدة حول جسده، ومن الآخرين ورغباته ، لكن أحاول أن أقرأ كثيراً، أُحاور من هم أولياء لأطفال قد كبروا الآن، وكيف تصرفوا مع أولادهم.
الأمر الثاني، والذي لا يقل خطورة، هو كيف أتعامل مع ابنتي المراهقة، في حال تعرضت للتحرش، سواء من شاب او زميله لها، ولاقى ذلك التحرش مكاناً في رغبات ابنتي، وحقق لها بعض رغباتها التي بدات تنمو في سن المراهقة، عل التقارب والصراحة والمكاشفة تفي، هل عليّ أن لا أتوقف عن التذكير، والمراقبة، والنصح؟ ما السبيل الأسلم للتعامل مع الأبناء الأصغر سناً والمراهقين أيضاً؟
**كثيرة هي العِبر والنقاط المهمة في رواية الأحداث بهذه القصص، وأهمها نظرة المجتمع ورؤية الناس للمتحرش، ومن ثم للمتحرش به، لدرجة أن يُصبح التهديد بالتحرش والاغتصاب هو أداة عقاب اجتماعي لإذلال الآخر، وهذا مؤسف جداً وهو أحد الأمور الشائعة بمجتمعنا، كما حدث خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ استخدم الاغتصاب كأداة لإذلال للناس، وأيضاً تساؤلات السيدة “سحر” المهمة، حول كيفية الشرح للأطفال والمراهقين حول هذه الأمور، وكيف يتصرف الأهل في حال تعرض أحد أبنائهم للتحرش، وهذه التساؤلات وغيرها، ستحاول مؤسسة “نداء” الإجابة عليها من خلال حملات التوعية التي ستطلقها، وما ستتضمنه من مقالات، وبحوث، ووأفلام، وغيرها من ورش عمل وندوات.