قصص وتجارب من الواقع ج3…ترويها “سحر سليمان”

تستكمل الكاتبة السورية “سحر سليمان” في هذا الجزء، القصة التي بدأت بروايتها في الجزء الثاني، وتسرد على لسان الراوية صاحبة التجرية مع مداخلات من الكاتبة وحواراتها معها، ما يلي:

كنت في العاشرة من عمري وأكثر قليلاً، شعري يصل أسفل ظهري.

صبية صغيرة، بجسدٍ ملتف، والصدر بدأ يتكوّر، جميلة الملامح أشبه أبي، الذي كان يرسل لنا مصروفاً قليلاً من فترة لأخرى.

واظب ابن خالي على التحرش بي، من خلال الملامسة الدائمة، ولا أنكر ربما كنت أميل له، فكنت أغض النظر عن تحرشاته بي، كان في عمر الخامسة عشر، يعمل أحياناً ويجلس عاطلاً أحياناً أخرى.

ربما كانت قد بدأت ملامح البلوغ عليّ، و دخلت سن المراهقة، وربما جلّ معرفتي بالحياة هي  شغل البيت وشهوة الرجل.

حيث مافعله زوج أمي بي، تركني أشرد وأشرد، أحاول رغم صُغر سني وجهلي وأُميّتي، أن أجد مايشرح لي تلك الحالات، والتي كانت أمي تعززها، حين أسترق السمع لأصواتهما وآهاتهما، وكيف تخرج وقد طارت شبقاً ونهماً.

كنتُ أنتظر عودة ابن خالي، لأعرض عليه خدماتي، إن كان جائعاً أو محتاجاً لشيء، وقد أيضاً يتيم الأب، وأمه قد تزوجت، ويعيش مع جدتي.

ابن خالي رغم صِغر سنه، كان لايفرق عن زوج أمي، لكنّه كان قليلاً مايتحرش بي.

جاء لزيارة جدتي ابن عم لها، من أول ساعة في تلك الزيارة، بدأ يرمي طُعم التحرش بي، حيث أعطاني نقوداً لأشتري لي ولأخوتي الحلوى، ثم عرض علي الذهاب لمحل صديق له ليشتري لنا الثياب.

كنا في منزل جدتي، نجتمع أولاد الخالات والأخوال، وكنت ربما الطفلة الوحيدة المتحولة  لصبية، بشعر طويل جميل، وملامح أحلى، ومغرية بصدرها ووركها.

حين رافقت أنا وبنت خالي الثاني ابن عم جدتنا، أيضاً في الطريق أصرّ أن أجلس جانبه في السيارة من الأمام، بحجة أن بقية الأولاد وجدتي في الخلف ولا يتسع المكان للجميع.

يومها، يده ما تركت صدري والحلمة، وأنا منتشية بمنظر الثياب الجديدة، وقبول رجل بي مقابل الثياب، إذا هي عملية تبادلية أمنحه من جسدي فيمنحني ما أحتاج.

بعد زوج أمي، وابن خالي، وقريب جدتي، ربما بات الأمر مختلفاً، وتحوّل من القرف، والخوف، والاستهجان، إلى أمر اعتيادي حسب معرفتي، فطالما تكرر الأمر، ومن عدة رجال إذاً هو أمر عادي.

تكرّرت أفعال التحرش من ابن عم جدتي، وكل مرة بقطعة ثياب حلو، و تحوّل الأمر إلى تكتم، وبات لي شخصان، شاب أحبه، ويُرضي ما أعرفه عن بساطة الجنس، ورجل أرضيه بالقليل، فيهديني الكثير.

زوجة ابن عم جدتي سيدة قوية، لاحظت تكرار زيارات زوجها لبيت جدتي، وتعرفني حيث رأتني كثيراً، إذاً عليها مهاجمة الأمر، وبتُّ أُشكّل تعباً وخطراً على بيت جدتي، وأخواتي الصغار، وربما قريباتي.

كان لجدتي ابن خالة، رجل بسيط، شبه مُختل عقلياً، لايعمل، لكنه يعيش على رزق ورثه له أبوه، تم تزويجي له.

رجل يخرج نهاراً، ثم يعود ليلاً، يبحث عن جسد، وجنس، ورائحة أنثى، وكنتُ أبكي، أندب حظ، وأتساء: هل الحياة استلقاء وجنس؟

هل كل رجال الكون ،هم زوج أمي وابن خالي وقريبي؟

 وبتُّ ألعن نفسي، بل وأكرهها، وكثيراً ما كنت أفكر كيف أُنهي حياتي.

ماعاد يحق لي التذمر ولا الشكوى، وباتت كل معاناتي ومرارات حياتي لامبرر لها، سوى إني صبية تكذب، ولايرضيها شيء في الحياة.

بات المساء كابوساً ورعباً، حين يفتح زوجي الباب، ويدخل لايسأل عني، ولا يهتم لشيء في البيت، وإنّما يبحث فقط عن لحم امرأة، ورائحة جسدها، والفراش …

عرفت إني حامل في أول شهر، لم أُخبر أحد، كنت أفكر بطريقة تُخلصني من الطفل، كي أتخلص من زوجي، وأهلي، وأقاربي، وأهرب خارج بلدي، ألتحق بأمي التي سافرت حين التحق زوجها بعمل في فرنسا، ولحقته هي وبعض أخوتي، وربما ألحق بأبي الذي سافر أيضاً إلى إسبانية مع عائلته، فالمهم أن أهرب من زوجي وأقاربي، ولا أعود فريسة للانقاض عليها من أي رجل.

بعض أقاربي من طرفيّ أمي وأبي، بتُّ أسهل لهم بعد الزواج، وبالأخص من رجل شبه مجنون، وكنتُ أتحاشى قدومهم إلينا، أو الذهاب إليهم، خصوصاً بعد تحولي لامرأة بالغة، ملفته ومغرية، ورغم ميولي لبعض الرجال، لكن ما كان يمنعني هو إني متزوجة، وهذا حرام .

كثر الرجال حولي، وأعرف مطمعهم وغايتهم، لم يعودوا يتحرشوا لمساً، فقد كبرت عن تلك الطفلة، باتوا يقولونها علناً، حتى جاء اليوم الذي التقيت به بالرجل الايطالي الذي كان يبحث عن والدي، ووصل بيتي ، ربما لحظتها شعرت أن القدر بات يتصالح معي، وأنني سوف أغادر بلدي دون عودة.

حكيت قصتي للرجل، الذي يعرف والدي وكيف إنني حامل، ورأى زوجي المختل، وكيف إنني من الصعب أن أحصل على الطلاق، والذئاب كثر حولي، حيث لاخيار، الإ الهرب، أو تحولي لبائعة متعة لرجال غالبيتهم أقاربي.

وعدني أنه سيؤمن لي فيزا بواسطة عقد عمل، وبنفسه سيأتي ويأخذني، لكن عليّ بالكتمان.

مرت الأيام ثقيلة، قاسية، وأنا المحاطة برياح شهوة البعض، وقسوة الحياة، ووحدتي، وهذا الجنين في بطني،  وجدتي ماعادت تهتم بما أقول، فمن وجهة نظرها إني تزوجت، وبات لي زوج وحياة، ولا احد يقترب مني، ولا تعلم جدتي شيئاً عما فعله ابن ابنها، ولا قريبها، ولا رجال كثر في الحي، جعلوني جسد ينفث رائحة رغبة وشهوة، فهمت وعرفت، وأيقنت أن الحياة هي أن أكون متعة لرجل فقط، حتى وإن مر جانبي رجل او تعرفت إلى رجل، ولم يلمسني، كنت أظن أني ماعدت مرغوبة، أو هذا الرجل لم يحبني لأنه لم يلمسني.

هذه القناعات تبدّدت كلّها، حين جاء الرجل الايطالي إليّ منقذاً وعده لي، وخرجت  معه إلى غير رجعة، بعد أن عزمت على إنهاء حياتي مع أهلي، وأقاربي، وجيراني.

وصلت معه مدينة صغيرة في ايطاليا، كان يعاملني بكل إنسانية وأدب واحترام، وفعلاً بدأت دوامي في مشفى، بعقد عاملة في مغسلة ثياب، وأعطاني غرفة في سكنه، كان يهتم بي، ويحضر ما أحتاجه، و نخرج أحياناً نمشي، إذا الحياة فيها وجوه أخرى، غير اللمس والتحرش، والاغتصاب والجنس.

بدأت بطتي تكبر والطفل يتحرك، قال لي هذا الطفل يجب أن يكون له أب، سكتت وقلت له لم أفكر بهذا الأمر الجدي من قبل، قال سوف أتزوجك، ويكون الطفل على اسمي، وهذا ماحصل فعلاً، لكن الطفل كان مريض بنقص الأكسجه، وهو كما ترينه الآن عمره تقريباً خمس وعشرون عاماً، لكن عقله لطفل لم يكمل الخمسة أعوام.

**كانت أمها تأتيها زيارات، وأراها عندها، بعد كريم الطفل الأول، رُزقت بطفلة وطفل من الزوج الايطالي، وهي الآن جدة، لكن لا يمر لقاء لي معها، إلا وتتذكر، وتذكر أحد ممن تحرشوا بها.

ذات يوم اتصلت بي طالبة أن نلتقي، التقينا، بكت وقالت: والدي مريض ..مريض جداً، واتصلوا بي أولاده كي أذهب إليه، فقد طلبني.

زوجها الأول تزوج بأخرى، وأنجبت له العديد من الأولاد، ولا يعلم أن له طفل من زوجته الأولى، وقالت لي: إن  زوجي الايطالي قال لي أنه عليّ أن آخذ كريم وأذهب به، واُعلن من هو والده، وأنا خائفة جداً من أن أقع ثانية في مشاكل وقلاقل، فانصحيني.

قلت لها: كما قال زوجك، عليكِ أن ترافقي كريم، ليتعرّف عليه والده، ويراه قبل الموت، وأيضا أخوته يتعرفون عليه.

بكت يومها بحرقة موجعة، من صعوبة القرار الذي عليها اتخاذه، وقالت:

هذه هي المرة الأولى التي أعود فيها لبلدي، منذ خرجت، فأمي تواصلت معها بعد أكثر من خمس سنوات، والتقيت بها وبأخوتي، أما أبي فقد التقيت به مع أخوتي  قبل أمي، وقد حكيت كلما مرّ معي من أفعال المتحرشين، التي أدّت في نهاية المطاف لتكون حياتي هنا.

*هذه حياة سيدة، ولدت في أسرة مفككة، في مجتمع عربي تقليدي، وماحكته  ربما قد مر مع فتيات كثر لم يفصحن عنه.

**تبين هذه القصة المؤلمة، حجم التأثيرات التي قد لا تخطر ببال أحد، للتحرش المتكرر على شخصية المتحرّش به، وحجم ما تحدّثه في شخصيته من تحولات، تبدأ بالرفض والشعور بالألم الهائل، ومن ثن التقبل التدريجي لهذا الأمر، ومن ثم الشعور بالذنب والإثم، والتفكير بالانتحار، وتكوّن مفاهيم خاطئة عن العلاقة مع العالم والآخر، وانعكاس هذا كله على مسيرة حياة الشخص والتي تأخذ مسارات مختلفة ومتعددة، والأهم: حجم التأثير السلبي للتفكك الأسري، وغياب رعاية الأبناء من قبل الأهل، أو تخليهم عنهم في ظل عدم وجود مؤسسات رعاية حقيقية تحتضنهم وتحميهم، وهذه واحدة من أكبر المآسي التي يعيشها الأطفال في عدد من المجتمعات. العربية.