قصص وتجارب من الواقع ج1…ترويها “سحر سليمان”

كنت حتى فترة قريبة جداً، إن شعرت باحد ما يحاول ملامسة جسدي بنية التحرش أكتفي بالابتعاد عنه وتوجية نظرة ازدراء لوجهه، نظرة يشوّبها الاحتقار والاشمئزاز.

كنت حين أسمع عن قصة لتحرش رجل بطفلة، وكيف تلك الطفلة ضربته، أو فضحته أغبطها لقوة شخصيتها ، تبين لي أن أمر الإعلان عن تحرش ما، وفضح المتحرش تحتاج لقوة شخصية.

غالبيتنا يداري تحرش الآخرين، لأنهم خائفون أو يخجلون، وهذا بحد ذاته خلل نفسي وضعف شخصية لامبرر له، حين يكون المتحرش غريباً، أي لامشاكل بين عائلتين ، إذاً مايمنع المتحرش به من فضح المتحرش، سوى هشاشة الشخصية وضعفها.

تمر في ذاكرتي قصص عديدة من الطفولة والشباب، لمن حاول التحرش بي، ووقتها لامبرر لسكوتي سوى الضعف والخوف، ولم أجد تبرير لماذا الخوف وقتها، والتزمت الصمت.

إحدى محاولات التحرش، كنت في عمر ال ١١ عام، وقد بدت ملامح جسمي النحيل بالتكون، وكنت أخجل جداً، مثلي مثل أي طفلة تلاحظ تكوّر صدرها، وتغيّر ملامح جسدها.

أرسلتني أمي إلى اللحّام لأحضر لحمة، وكان رجلاً من عائلة تعرفهم أمي منذ زمن بعيد ، خرج أخوه ووقف بجانبي، وبدأ يسألني عن أخوتي ودراستي، ومد يده إلى صدري يلامسه، بحجة كنزتي حلوة والرسوم عليها جميلة، وحاول عصر الثدي الذي بدأ بالظهور،

كل ما أذكره أني دفعت يده عني، وعدت أُكوّر ذراعيّ حول جسدي، وربما ولا أُبالغ من يومها ولديّ عقدة من الصدر النافر، ونظرات الآخرين لأي سيدة ومنطقة صدرها فقط.

وقتها أخبرت امي إن ذاك الرجل لايستحي، لم أخبرها بالتفاصيل، وكلّما أرسلتني إلى المحل، اكتفي بزوره وعدم تركه يقترب مني.

هذه الحادثة قفزت أمام عيني، حين كلمتني جارة لي عن كيفية تحرش ابن عم زوجها بابنتها.

قالت جاء ابن عم زوجي إلينا، ليعيش معنا فترة إلى أن يجد سكناً، ذات يوم ذهب زوجي وبقية أولادي إلى مدارسهم ،وابنتي الكبيرة في عمر ال١٢ عام، كانت تشكي من صداع فتركتها معي في البيت.

قالت: ابن عم زوجي كان يرقد في غرفة أولادي الذكور، وحين يخرج إلى الحمام يمر من أمام غرفة بناتي، وقتها كنت أنا في المطبخ، أُجهّز الفطور، جاءت ابنتي تبكي، وقالت :

عمو دخل الغرفة وصار يمسح على بطني، ثم على فخذي، صحوت على يده تمسد بشهوة على مؤخرتي، ثم بطني وفخذيّ، ثم أراد إدخال يده في سروالي، ففتحت عيني، نظرت إليه فخرج مسرعاً من الغرفة.

قالت جارتي: حين جاءت بنتي إليّ في المطبخ كانت ترتجف وخائفة، هدّأت روعها وتمالكت نفسي، ولم أُظهر لابن عم زوجي شيئاً، ووضعت له الفطور في الصالة، وانتظرت حتى عاد والدها من العمل، فحكيت له،  قال مبرراً:

ممكن يكون بنتك حلمانه، أو دخل بنية يغطيها أو أو..الخ..

قالت: حين شعرت أن زوجي لن يفاتح ابن عمه، اتصلت بأخوتي وجاؤوا إلينا، وتركت بنتي تحكي لهم، وحين دخل المتحرش الصالة، نفى وأنكر، وقال: هذه حجج من أختهم أي زوجة ابن عمه كي تخرجه من دارها، طلبوا منه مواجهة الطفلة بنت أختهم، لكنه زبد ورعد كيف يتركون طفلة تشهد عليه، وخرج غاضباً، وحين عاد، واجهه والد الطفلة، فأنكر، ورفض مواجهة الطفلة، ثم برر:

نعم أنا دخلت الغرفة، كنت ذاهباً إلى الحمام، ومررت أمام غرفة البنات، رأيت بنتك بدون غطاء وأردت تغطيتها، وغطيتها، وهنا قرر والد الطفلة إخراج ابن عمه من البيت.

طبعا بدأت الإشاعات والروايات، والمشاكل مابين عائلة الطفلة، وعائلة الرجل حيث صلة القرابة.

القصص التي أرعبتني، وتركتني لأيام أفكر وأسترجع تفاصيلها، تركتني في رعب مستمر حول طفليّ، وكيف أجد الطرق الأمثل التي تناسب عقل الطفل لأشرحها، والصعوبة الأكبر أن طفليّ ولدا هنا – في فرنسا -حيث القوانين الصارمة والعدالة و و والخ،  لكنها لاتحمي طفلك، ولا ترد له حقه في حال تعرض للتحرش.

كيف أشرح وأعلم وأحمي طفليّ، وأقويهما، في حال تعرضا للتحرش، رغم مايعلمونهم إياه في مدارسهم؟

كيف أعزز الثقة والأمان في نفسية وشخصية طفلي كي يخبراني حال تحرش بهما أحد، وأن لاااا يخافا رغم التهديد والوعيد؟

هذه من أكثر الأسئلة التي دائماً اقرأ مايناسبها، كي أمنح لأطفالي قوة مكتسبة إضافية.

**نحن في مؤسسة “نداء” سنحاول الإجابة على الأسئلة التي ختمت بها “سحر”، من خلال نشر الموضوعات المرتبطة بهذا الموضوع مباشرة، وبشكل علمي ومنهجي، ومن خلال عمليات التوعية والتثقيف التي ستقوم بها المؤسسة عبر حملاتها المستمرة التي ستنطلق قريباً.

**سحر سليمان: أديبة سورية من مدينة الرقة، مقيمة في فرنسا، صدر لها مجموعتان قصصيتان مطبوعتان هما ( حرق الليل، الهجرة من القدر)، ومجموعة أخرى منشورة إلكترونياً (طويت الرواية جانباً)، ومجموعة شعرية (تبعثرات، كما لها عدد من المقالات في الصحافة العربية، وقيد النشر مجموعة قصصية، وأخرى شعرية نُشر بعضها في بعض المواقع الإلكترونية.