خلال حملة (مناهضة الاستغلال الجنسي للأطفال والناشئين في الأندية الرياضية)، والتي نظمتها مؤسسة نداء ما بين 16 آب/ اغسطس و16 أيلول/سبتمبر الجاري 2023م، وردت إلى بريد المؤسسة وحساباتها على مواقع التواصل، العديد من القصص والتجارب التي عاشها بعض الأشخاص مع أولادهم، أو تعرضوا هم لها بشكل شخصي خلال طفولتهم في عالم الرياضة، وستُنشر بعض هذه التجارب بعد موافقة أصحابها، ومنها هذه القصة التي رواها للمؤسسة أحد الأطباء السوريين، المهاجرين منذ حوالي ست سنوات، ويعيش في بلد غربي مع أسرته، والتي تضم عدد من الأطفال والذين تعرضوا لموقف مزعج خلال تعلّمهم السباحة في أحد المسابح الشهيرة.
*صدمة الأطفال أمام عُري البالغين من الغرباء:
يقول الطبيب “س”:
(من خمس سنوات عندما وصلنا إلى هذه البلد، كنت أصطحب أولادي إلى المسبح، وكنت قد سجلتهم في دروس تعلّم السباحة، وبعد الدرس، رافقت الأولاد إلى الحمامات لتبديل ملابسهم، وإذا برجال بالغين بأعمار ما بين الخمسين والستين، بكامل عريّهم يتمشّون في ممرات الحمامات، ويتنقلون بحرية كاملة ما بين الحمامات والممرات وأماكن تبديل الملابس، وبدون أن يستروا الأماكن الحساسة بأجسادهم، وتلقائياً وبشكل عفوي أنا أخبرتهم: “ما هذا؟ وهذا أمر غير مقبول ومعيب؟”، وذهبت إلى الاستقبال وأنا بحالة انفعالية، وشرحت لهم الأمر وقدمت اعتراضي عليه واستهجاني له، وحتى ارتفع صوتي قليلاً، وإذا بموظفي الاستقبال يستغربون من ردة فعلي، ويقولون أن هذا أمر عادي، وحتى إنهم كانوا سيطلبون الشرطة لي، لأنه كنت منفعل جداً، ومصدوم وارتفع صوتي خلال الحديث معهم.
ويُضيف الرجل: (طبعاً أولادي كانوا مصدومين جداً، وأرعبهم المشهد جداً، ولم أعرف كيف أتصرف، سوى إخفاء عيون أولادي بعيداً عن هذا المنظر)، ويوضح:
(لاحقاً ولأن الأولاد مسجلين بهذا المسبح، وهم بحاجة لتعلم السباحة، لم أقاطع المكان، ولكن أصبحت اصطحبهم إلى حمامات خاصة بالمعاقين، بحيث يدخل الحمام شخص واحد فقط، وهي حمامات منفصلة عن تلك المخصصة للبالغين، وأخبرني أولادي لاحقاً، بأن أقرانهم في المدرسة يعتبرون أيضاً أن التعرّي أمام الآخرين من الأقران، هو أمر عادي، ويتعرّون فعلياً أمام بعضهم بعض خلال دروس السباحة، وحتى أن الأولاد يتعبون حتى يجدون مكاناً منعزلاً من أجل تبديل ملابسهم، ويحفظ لهم خصوصيتهم).
حول طبيعة المكان، والمسبح الذي يقصدونه، يقول الطبيب “س”: (للعلم، المسبح جداً راقي، والشركة التي تديره تُعتبر شركة كبيرة جداً، ومشهورة وسمعتها طيبة)، ويؤكّد:
(أي ما معناه أن الأمر هذا ليس كونه أنه مسبح معزول، أو موجود بمنطقة نائية، وغير معروف، بل هو مكان معروف وشهير جداً، ويُدار من قِبل جهة معروفة جداً، ولذلك كان استهجاني للأمر مُضاعف).
للمصادفة إن أحد أعضاء مؤسسة نداء، يقيم في البلد الذي تعرض فيه الطبيب وأولاده لهذا الموقف، وبعد الاستفسار عن القوانين التي تحكم وجود الناس في حمامات السباحة، وغيرها من أندية رياضية، وبعد إرسال نسخ عن تلك القوانين ومراجعتها، تبين أنه في البلد الذي حدث فيه هذا الموقف، يُمنع قانونياً اختلاط الأطفال والبالغين في المسابح، إلا إذا كانوا برفقة ذويهم في حمام سباحة عائلي، إضافة إلى أن إدارة حمام السباحة، ملزمة قانونياً بالفصل بين البالغين والأطفال ما دون ال18 عاماً في أماكن تبديل الملابس وفي الحمامات أيضاً، وهذا يعني أن إدارة المسبح كانت تنتهك القوانين الرسمية، واستجابتها لشكوى الأب كانت مخالفة للقانون.
يبدو لنا في تحليل هذه الحادثة، أن موظفو الاستقبال الذين تقدم لهم الطبيب بالشكوى، قد استشعروا الخطأ الذي يرتكبونه، وتجنباً لوصول الأمر للشرطة، وظهورهم بمظهر المخالف والمنتهك للقانون، ولاستشعارهم أن الرجل غريب، تعاملوا مع الأمر على أنه أمراً عادياً، وأوهموا المشتكي بذلك، وحتى هددوه بطلب الشرطة له، ليتم إغلاق الموضوع برمته.
*اختلاف ثقافات أم تجاوز للقوانين؟
يتعرض الكثير من المهاجرين الجدد إلى بلدان الغرب، للعديد من المواقف المؤذية، وقد يكون أحياناً جهلهم بقوانين البلد الذي وصلوا إليه حديثاً، مصدراً لتنمّر واستقواء الآخرين عليهم، ولانتهاك حقوقهم.
في حين قد يُفسّر بعض الناس أن الموقف المذكور سابقاً، قد يندرج في إطار ما يُسمى ب” الفوارق الثقافية” أو “اختلاف الثقافات”، ولكن على ما يبدو أن عبارات من هذا النمط، أصبحت تُلقى جُزافاً لتبرير أخطاء وانتهاكات يتعرض لها المهاجر، ويتم إسكاته وقمعه من خلالها، وبل حتى وصمه أحياناً بكونه أقل انفتاحاً من الآخرين، وأنه يُعقّد الأمور….الخ، إلا أن هذا غير صحيح في الموقف الذي مر به الطبيب وأولاده، كما أنه غير صحيح في كثير من المواقف الشبيهة، فلو كان التعرّي أمام الآخرين وخاصة الأطفال، في المسابح الخاصة، والعامة وعلى الشواطىء، لما خُصِّصت شواطىء للعُراة في بعض البلدان، وحتى هذه، فمن المعروف أنه ممنوع دخول الأطفال إليها، ولكن الجهل بقوانين البلد يتم استثماره من قبل بعضهم، لتبرير بعض الانتهاكات والتجاوزات، وخلافاً للحديث عن تجاوز القانون، يحدثّك بعضهم عن اختلاف الثقافات! رغم أن بعض الانتهاكات لا تختلف عليها أي ثقافة، فالعُري الكامل، وأمام الأطفال على وجه التحديد، غير مقبول في أي ثقافة، وحتى عُري الوالدين أمام أطفالهم، والذي يتحفّظ عليه ولا يقرّ بالقبول به، العديد من التربويين والمتخصّصين النفسيّين.
*تعقيب:
تُشير القصة المذكورة سابقاً، إلى ضرورة المعرفة الواسعة في البلد الذي نعيش فيه، وضرورة وبل إلزامية معرفة كل مهاجر إلى بلد أجنبي، بقوانين ذلك البلد، وخاصة ما يرتبط منها بالأطفال والعائلة، وما يخص كل تفاصيل حياة الأطفال في المدارس، والأندية الرياضية، والأماكن العامة، وذلك أولاً، لمعرفة ما يترتب على المهاجر من واجبات وما له من حقوق، وثانياً، لئلا تضيع الحدود بين انتهاك القانون وبين الفروقات والاختلافات الثقافية، ويبقى الأطفال وحدهم ضحايا سوء الفهم، وهذا الخلط غير المقبول بين المفاهيم، وحماية الأطفال هي مسؤولية الأسرة بالدرجة الأولى، وأي انتهاك، أو خطأ أو تجاوز بحقهم، قد يعرضهم لصدمات نفسية ومواقف سيئة، يجب أن يخضع للمُحاسبة، وهذه مسؤولية الدولة رسمياً، مع المسؤولية الأخلاقية والمعنوية لعموم أفراد المجتمع.
*إعداد: خولة حسن الحديد.