دور المجتمع في مواجهة التحرش والاستغلال الجنسي للأطفال

*قصة من الواقع

لا يُمكن التعويل فقط على دور الدولة ومؤسساتها، وإهمال دور المجتمع، ومستوى وعيه ودرجة تحمّل أفراده للمسؤولية، للتصدي لمختلف الظواهر السلبية، وخاصة تلك التي تهدد القيم والأخلاق، وتُلحق الضرر بالفئات الأضعف اجتماعياً، كالأطفال مثلاً، فالتكافل الاجتماعي ليس مجرد شعار يتداوله الناس من منطلق ديني أو اجتماعي، بل هو تجسيد حقيقي لدور فاعل لما بات يُسمى ب”المجتمع المدني”، ويبرز هذا الدور وأهميته، في فترات الكوارث والحروب، وفي المناطق البعيدة عن المراكز السكانية الكبرى، والتي تتراخى فيها مسؤولية الدولة، أو تغيب بشكل كلي أحياناً.

في بلد مثل سوريا، يبدو “التكافل الاجتماعي” حاجة ملحة، بل الأكثر ضرورة وحيوية، وخاصة في مواجهة ما يتعرض له الأطفال من إساءات متعددة، في أماكن مزقتها الحرب، وتحكمها سلطات أمر واقع متعددة، يسودها الفساد الإداري والمالي، والاهتمام بالناس وأمنها الاجتماعي هو آخر اهتماماتها.

*قصة من الواقع

في إحدى مناطق ريف محافظة حمص، تجمّع عدد من الشباب من أبناء الحي نفسه، والأحياء المجاورة، ونذروا أنفسهم لرصد ومتابعة ما يجري في الشارع، والزوايا المعتّمة من ساحات منطقتهم، والتصدي لأي ظاهرة سلبية، كبيع المخدرات والحشيش، والاعتداء الجنسي على الأطفال، والإدمان على مواد ضارة ومؤذية كبعض أنواع أدوية السُعال، أو المواد التي تُستخدم لأغراض الطلاء والتنظيف وغيرها ( التنر، الغراء… وغيرها).

استدراج طفل لممارسة اللواط مقابل 100 ليرة سورية!  

يقول أحد هؤلاء الشباب – جميعهم في أعمار صغيرة نسبيا ودون العشرين عاماً-:

بينما كنتُ أجلسُ بالقرب من باب بيتنا، جاء أحد الشباب وطلب مني أن أذهب معه إلى مكان على عجل إلى محل لتصليح الدراجات لنارية، في الحي المجازر لحيينا، ، يعمل فيه شاب بعمر ال17 سنة، وعندما وصلنا وجدنا باب المحل مفتوح، ودخلت وناديت على الشاب فلم يرد، فصعدت إلى سقيفة المحل، فوجدت الشاب يُمارس اللواط مع طفل لا يتجاوز عمره ال12 عاماً، فتلبك كلاهما،  وبدأ الشاب يترجى ألا أفضح أمره.

ويوضح الشاب:  

الطفل من الحي نفسه الذي نسكن فيه، وهو من أسرة فقيرة جداً، وتهمل أطفالها بشكل لافت، والأطفال محرومين كل شيء، وعندما تكلمت مع الطفل والذي كان خائفاً جداً، أقرّ بأنه قبل القيام بهذا الفعل مع الشاب ذاك، مقابل مئة ليرة سورية، وأقسم أنها المرة الأولى.

ويُضيف الشاب:

هدّأت من روع الطفل، ووعدته ألا أخبر أحد عن هذه الواقعة، بشرط ألا يُعاود هذا الفعل، وأن يخبرني إذا ما طلب منه أي شخص القيام بهذا الفعل، وأن يقصدني إذا ما احتاج لأي شيء، مع وعد بمساعدته، والبحث عن طريقة لمساعدة عائلته، أما الشاب الذي استغل الطفل، فكنتُ أكثر حزماً معه، ولأنه لا ينفع معه أسلوب الإرشاد والتوجيه، فهدّدته بفضيحة أمره، وبالتعامل معه بطريقة أخرى، إذا ما عاود هذا الفعل مع أي طفل آخر، علماً أنه في البداية حاول التملّص وأبدى انزعاجه مني بالصراخ والقول ( أنت شو دخلك؟ ما حدا خصه فيني)، لكن تعاملي معه الصارم والحازم، وتهديده بالفضيحة، جعله يتراجع، وسأبقى أنا وأصدقائي نراقبه دائماً لنضمن عدم تكرار هذا الفعل، مع محاولتنا مساعدة الطفل وعائلته.

 *هذه القصة توضح مدى الانهيار الاجتماعي الذي بات سمة أساسية من سمات غالبية السورية، وكيف يؤثّر الحرمان والفقر الشديد، مع جهل الأسرة وعدم رعايتها لأبنائها، وغياب أي دور لمؤسسات الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني، في سير الأطفال بدروب خاطئة، وكارثية، قد تُغير من مصائرهم كلياً، وتدخلهم في بحر من الضياع، ولكن لو قام كل إنسان بدور إيجابي في محيطه، ولم يقل ( ما خصني أنا… )، وتكاتف الناس فيما بينهم، وساعدوا بعضهم بعض، وانتبهوا على أطفال بعضهم بعض، وكافحوا انتشار الظواهر السيئة كالإدمان على المواد الكيميائية، والمخدرات والحشيش، والاستغلال الجنسي للأطفال، فلا شك أن الوضع العام سيختلف، ففي بيئة يغيب فيها دور الدولة الفاعل، وتغيب أية أدوار حقيقية إيجابية لمؤسساتها، يفقد القانون أهميته، ويفقد ثقة الناس به، ويبقى دور المجتمع المحلي ووعيه بهذه القضايا وخظورتها، ومبادراته لوضع حد لها هو الأجدى، والأكثر إيجابية.

*اللافت أيضاً في القصة المذكورة، هو أن الجاني والضحية من القُصّر، فالمعتدي الذي يستغل الطفل هو شاب لا يتجاوز ال17 عاماً من عمره، وهذا أيضاً يُبين مدى الحاجة الكبيرة للتوعية والتثقيف، ونشر المعرفة والتربية الجنسية السليمة، وعدم إهمال الفئات الشابة، وإيجاد طرق وأساليب لمساعدتهم على تصريف طاقاتهم، فمن أكبر المشكلات الاجتماعية أن يكون الجلّاد والضحية من الأطفال، وكلاهما بحاجة للرعاية والمساعدة.

*إعداد: فريق التحرير في مؤسسة نداء.