الرغبة بالانتقام أحد ردود فعل الضحايا

في غياب قوانين مجتمعية ورسمية منصفة لضحايا الاعتداءات الجنسية، وبطبيعة الحال غياب العلاج النفسي اللازم لتخطي آثار ما يتعرض له الأطفال الضحايا، يصبح الانتقام، سواء ذاتي الفعل، أو بيد أشخاص آخرين، هو أكثر ما تريده وتحتاجه الضحية لتجاوز آثار الاعتداء الذي تعرضت له قدر الممكن، وقد يكتفي بعض الضحايا بفضح المتحرش والمعتدي، أو حتى المواجهة وإظهار الاحتقار للجاني واتخاذ موقف أبدي منه، كما فعلت إحدى الضحايا التي تقول أنها شعرت بالرضا عندما واجهت عمها المتحرش بعد أن كبرت واشتد عودها.

تقول السيدة (ح): لم أكن أدرك إن ماهية ما يفعله عمي الثلاثيني آنذاك، إذ كنت لم أتجاوز الرابعة من العمر، فقد كان يداعب المناطق الحساسة من جسدي في كل مرة ينفرد بي، كان ذلك الشعور غريباً في البداية، لكن مع مرور الوقت بدأت أتأقلم معه، وقد استمر الحال لعام كامل أو أكثر، ولحسن الحظ، فقد دخل السجن بتهمة سياسية!

“لقد كان أحد مناضلي اليسار” تقولها السيدة (ح) بسخرية مرة.

خلال غياب العم المتحرش الذي امتد لسنوات طويلة، شبت خلالها الطفلة، وقد أدركت مدى دناءة الفعل المشين الذي اقترفه عمها بحقها، واستمرت تلوك وجعها إلى أن جمعتهما الأيام مجدداً بعد خروج العم من السجن. 

تقول أن العم أراد السلام عليها وتقبيلها، ربما ظناً منه أنها قد نسيت فعلته، كونها كانت في طفولتها المبكرة، إلا أنها دفعته بعيداً عنها، وأخبرته أنها لاتزال تتذكر كل شيء بكل تفاصيله، وأمرته ألا يقترب منها إطلاقاً فانصاع مذلولاً.

تقول الضحية أنها شعرت براحة كبيرة بعد المواجهة، وأنها استطاعت تخطي آثار الاعتداء. 

أما في حالة السيد (ر) فقد كان الأمر مختلفاً، وهنا لا بدّ وأن جنس المعتدى عليه قد لعب دوراً في نوعية الانتقام كون الضحية ذكراً، وما لذلك من تبعات ناتجة عن قناعات أفرزتها طبيعة المجتمع على ما يبدو،  بانتظار شرح من المختصين في موقعنا لحماية الأطفال. 

وبالعودة لحالة السيد “ر” فقد انتظر هو الآخر زمناً محتفظاً بسره، إلى أن حانت لحظة الانتقام بتقديره، فتوجه إلى مزرعة المعتدي حيث تم الاعتداء عليه طفلاً هناك، ولا أحد يعلم ما إذا كان قد ذهب إلى المزرعة وقد حسم أمره بطريقة الانتقام أصلاً، إلا أن المعتدي يومها أعطاه الدافع الأكبر، عندما ذكره بما مضى عارضاً عليه تكرار الأمر، ما دفع بالسيد (ر) للإجهاز عليه على الفور.

في حادثة أخرى، فقد اعتاد أحد الباعة على التحرش بكل طفلة تدخل دكانه، وقد اعتمد طريقة خبيثة لممارسة فعائله تترك ضحاياه غافلات عن ممارساته، إذ كان يطلب من الطفلة أن يرفعها بيديه لتتناول غرضاً ما عن الرفوف، ويقوم خلال ذلك بما يلبي غرائزه الحيوانية.

استمر البائع المتحرش بممارساته لزمن لا أحد يعلمه، إلى أن ضبطه أحد شبان الحي يقوم بذلك، فبادر إلى ضربه بأحد الأوزان الحديدة على الرأس ضربة سببت له شللاً نصفياً، أمضى بقية حياته ملازماً له. 

ولم يتسنَ لنا معرفة تفاصيل عن قرابة المنتقم بالطفلة، أو ما إذا كانت لضربته تلك أي نتائج قانونية عليه.

تعقيب:

من الصعب حصر ردود فعل ضحايا الاعتداء الجنسي، وتصوير مشاعرهم حيال المعتدي، وبلا شك أن الرغبة بالانتقام أحد أهم المشاعر التي تتملك المُعتدى عليه، ووربما تدفعه إلى ارتكاب جريمة، عندما لا يشعر بالإنصاف، ولذلك فإن الحاجة للعلاج النفسي للتخلص من مشاعر الانتقام وتصريفها في الاتجاهات السليمة، يُعتبر أمر ضروري جداً، كما إن تحقيق العدالة وإنصاف الضحية كفيل بإغلاق هذا الباب، ولكن في مجتمعات تغيب عنها العدالة، ويُسكت الجميع بما فيهم الضحايا، تبرز إلى واجهة مشاعر الانتقام، فالعدالة خير انتقام وعلاج للجرح النرجسي الذي يتركه الاعتداء في شخصية المُعتدى عليه، وأينما غابت العدالة، يلجأ الناس إلى أخذ حقوقهم بأيديهم، وتصبح الجريمة دائرة من عدة حلقات، وهذا أخطر ما يُمكن أن يعيشه مجتمع ما، وللأسف، ما زال مجتمعنا يعيش ضمن هذه الدوائر بسبب ثقافة العار المرتبطة بهذه الجريمة، وغياب العدالة التي تنصف الضحايا.

*زيدون الجندي