التمييز الجنسي حتى في حالات الاعتداء: الحمد الله أنه صبي “ذكر”…

وصلتنا هذه الرسالة من أحد أخصائيي الدعم النفسي في الشمال السوري، ويروي فيها قصة اعتداء على طفل في أحد مخيمات إيواء المهجّرين من ريف مدينة إدلب، وردة فعل الأم القائمة على التمييز الجنسي بين الذكر والأنثى، وفيما يلي نص الرسالة:

في كل قصص التحرش الجنسي  يتم التركيز على الأطفال من الإناث دون الذكور، على  الرغم من انتشار الاعتداء والتحرش الجنسي للذكور بشكل كبير، ومن خلال مشاهداتي، كان هم الأهالي هو سلامة “غشاء البكارة”، ومادون ذلك  أمور ثانوية برأيهم.

في أحد مخيمات الإيواء نزحت عائلة  بعد فقدان الأب بأحد الغارات على ريف إدلب،  ولم  يكن لها أحد سوى الجار( الذي كان الأطفال ينادونه ب”عمي” ).

 في مخيمات الإيواء لاتجتمع الأسر مع بعضها بعض، لأنه يتم فصل الإناث في خيمة كبيرة مع النساء، والذكور في خيمة أخرى مع الأطفال فوق سن ١٢ سنة،  فلم يجد العم “س” سبيلاً لتلبية غرائزه سوى ابن جارهم الطفل –  تسع سنوات – الذي كان يتردد على خيمة الرجال، بطلب من الجارة / والدة الطفل التي كانت ترسله لتلبية بعض المهام، كونها لاتستطيع الذهاب لخيمة الرجال، مُستغلاً غياب المعيل، وثقة الأم  .

كانت الحمامات العامة شاهداً على جريمته، وأحياناً أخرى أشجار الزيتون الممتدة حول المخيم.

 إحدى الفرق الجوّالة التي كانت تقدم أنشطة للأطفال، لاحظت سلوك وتصرفات غريبة على الطفل، ومن خلال الحديث معه، تبيّن تعرضه للاغتصاب، وعند الحديث مع الأم، كان جوابها صادم: (الحمد لله  أنه صبي).

السؤال: يا تُرى ، كم سيؤثر على نفسية الطفل ما مرّ به، وما عايشه من ألم وانتهاك؟

هل ما يهمُنا فقط: العذرية ؟!…

هذا الطفل الذي لم يتلقَ أية مساعدة،  كيف سينعكس ما مرّ به على   شخصيته؟

 وأمّا كيف انتهى الأمر؟

كالعادة، تمت لفلفة القصة، والأم تركت المخيم ورحلت لجهة مجهولة، بسبب المضايقات التي تعرضت لها من قبل  أقرباء المعتدي، لأنه بنظرها: (الحمد لله صبي … وما رح يأثر عليه).

**لا يُمكن الحديث عن التمييز الجنسي فقط لإنصاف الأنثى، وبادّعاء حمايتها من حيث نُدينها، فهذا النمط من التمييز الجنسي، والذي يدفع ثمنه الأطفال “الذكور” أيضاً، فيه الكثير من الظلم، والألم، وتحمّل ما لا تطيقه طفولتهم البريئة، وهاجس الانشغال بالحفاظ على عذرية الأنثى، دون الاهتمام بانتهاك عذرية النفس والروح، وبراءة الطفولة وروحيتها وجوهرها، لدى الطفل سواء كان ذكر أو أنثى، وإثر هذا التمييز تدفع العديد من الأسر بالدفع بأطفالهم الذكور إلى الشارع، وإلى أماكن عمل خطيرة جداً، وحتى تحميلهم مسؤولية الدخل المالي للعائلة، وهذا كله لأنه (الحمد الله صبي)، هذا التمييز الذي يذهب ضحاياه عدد كبير من الأطفال ذكوراً وإناثاً، لا يأحد بإمكانه تصوّر إلى أي مدى مؤذي، وما هي آثاره البعيدة، وبل القريبة في الغالب، على سلوك الأطفال ومستقبل حياتهم بالكامل، فارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء!