ازدياد حالات الاعتداء على الأطفال بالتستر على المعتدي وغياب القوانين الرادعة وقلة وعي الأسرة

*قصة من الواقع

دخلت ليلى ذات السبع سنوات من العمر، مرتبكة، وهي تمسك بيد أمها، ولم تتكلم بأي كلمة، بالرغم من معرفتي الجيدة بها، فهي طفلة ذكية، لماحة.

بدأت الأم بالحديث، لكن ليلى بداية لم ترد أن تقوم أمها بإخبار أي شخص بما حدث معها، فأثناء  نزولها  للشارع في الحي الذي تسكنه، يعترضها شاب في  الثالثة والعشرين من العمر، في مدخل العمارة التي تسكن بها.

تقول الطفلة:  (لقد شعرت بالخوف، كان كبير جداً، أمسكني بيدي، وأخبرني أنه من بلدتنا، وهو صديق والدي، و لقد عرف اسم أبي،  لكن عيناه الحمراوتان جلعتني أرغب في الهروب منه،  وتتابع الطفلة:

  (أردت الفرار بسرعة، لكنه سحبني إلى تحت الدرج، وبدأ بخلع ملابسي، وأخذ يقبلني، كانت رائحته كريهة جداً).

حاولت الطفلة الصراخ والهروب، لكنه  كان أقوى منها، والأم في الطابق الثالث في العمارة ذاتها، كانت تنظر لطفلتها  من الشرفة، وتأكّدت من دخولها العمارة، فعادت لتكمل إعداد وجبة الغداء، وتركت باب الشقة مفتوحاً، لتدخل ليلى فوراً، لكن تأخّر ليلى جعلها تنزل بضع خطوات، لتسمع صوت صغيرتها الوحيدة، فما كان منها إلا أن نزلت، واستطاعت إنقاذ طفلتها ليلوذ الجاني بالفرار.

القبض على الجاني والكشف عن المزيد من حالات الاعتداء:

قامت أسرة الطفلة بتقديم شكوى، وبناءً على المواصفات التي أدلت بها كلٍ من الأم والطفلة، تم إلقاء القبض على المعتدي، والذي كان يسكن في نفس المنطقة.

من خلال التحقيق مع الجاني، اعترف بإقدامه الاعتداء جنسياً على خمسة أطفال آخرين، من ذكور وإناث.

تتساءل الأخصائية التربوية:

الغريب، لماذا بقي الجاني طليقاً ليكرر جريمته؟ هذا السؤال البديهي الذي يرواد أي ذهن يعرف القصة.  

هل أسر الضحايا كانو على علم، وسكتوا خوفاً من العار ؟

أم الأطفال أخفوا مأساتهم، ولم يخبروا بها أحد؟

هل شجاعة أم ليلى، وإصرارها على إلقاء القبض على المعتدي، كانت سبباً في إنقاذ أطفال آخرين، سيكونون ضحايا في الظل؟

وكيف ستتعامل السلطات مع هذا الشخص؟

هل ستتم محاكمته، ومعاقبته بعقوبات رادعة؟ أم سيتم التستر على القضية وإطلاق سراحه، كما العادة؟

    تقول الأم:

(لقد عانيت كثيراً حتى استطاعت طفلتي تجاوز الصدمة التي مرت بها، وخلال الأسبوع الأول رفضت الذهاب إلى المدرسة، وأصبحت أكثر تعلقاً بنا – أي بوالديها-، كما أصبح لديها خوف من أي شخص تصادفه، وما أن تغفوا تبدأ بالصراخ).

أرادت أم ليلى أن تشارك تجربتها، وتؤكّد على مسؤولية كل شخص تجاه مكافحة هذه الجريمة بحق الأطفال الأبرياء، فمن سكت عن أول جريمة، هو مذنب، وقد لا يقل ذنبه عن المعتدي، لأنه منحه فرصة البقاء طليقاً، ليستمر في تكرار جريمته.

تُعقّب الأخصائية التربوية على هذه الحالة بقولها:

(أعتقد أن عدد الحالات التي اعتدى عليها هذا المجرم، هي أكثر مما ذكره باعترافه، لكن كل الحالات التي لم يتم فيها اتصال جنسي كامل لم يعترف بها، أي أنه بخصوص التحرش واللمسات غير المرغوب فيها، لم يعتبر نفسه مذنباً، وفي حالة ليلى، لولا أن الأم شخصيتها قوية، ونحن دعمناها، كان حق الطفلة  قد ضاع، ولاستمر المجرم بتكرار جريمته هذه).

أما بخصوص تعامل سلطات الأمر الواقع مع هذه القضية، فيبدو أن الأم قد عانت أيضاً ليتم قبول الشكوى، ويبدو أنه القائمين على هذه القضايا، لا يعتبرون ما قام به المعتدي يُشكّل حالة جرمية وانتهاك، لأنه حسب رواية الأخصائية كانوا يقولون للأم خلال التحقيق وبتكرار:

(إن الجاني بعده لم يفعل شيء)، بمعنى ما، أن محاولته الاعتداء على الطفلة لا تُعتبر جرم، وكأنه كان يجب أن يتم الاعتداء بشكل كامل ليُعتبر مذنب!

تعقيب:

ضمن واقع معيشي مؤلم، وقاسٍ لدرجة يصعب وصفها، وفي ظل فوضى كبيرة، وغياب القوانين الرادعة والسلطة الفعلية التي تُشرف على تنفيذها بصرامة، وقلة الوعي المجتمعي، وبوجه خاص وعي الأسرة والوالدين، وإدراكهم لخطورة قضية حساسة جداً مثل قضية الاعتداء الجنسي على الأطفال، تتضافر مجموعة كبيرة من العوامل لتجعل هذه الظاهرة أكثر انتشاراً، ولتجعل المجرم يفلت من العقاب، وفي ظل هكذا واقع تزداد مسؤوليتنا جميعاً، كأفراد وكمؤسسات، ويكبر حجم المهام الملقية على عاتقنا، وعاتق كل مؤسسات الرعاية الأسرية وحماية الطفل، والعاملين في مجالات الدعم التربوي والنفسي والاجتماعي وقطاعات التعليم، والمسؤولية الأكبر أيضاً تقع على السلطات القانونية والقضائية، وإذا لم تتضافر جهود كل هذه الجهات، فإن مجتمعاتنا ستشهد الأسوأ مما نرصده حالياً من واقع مأساوي، يُلقي بتبعاته على الأطفال ويحمّلهم أحمال ثقيلة، ويُلاحظ من خلال حديث الأخصائية عن الطفلة ليلى، شيء من هذه الأحمال، فالطفلة لا تريد أن يعلم أحد بما حدث معها، وتشعر بالخجل من تعرضها لهذا الانتهاك، بدون أي ذنب لها فيه، وعانت من صدمة قاسية أثّرت على سلوكها مع عائلتها، وخروجها للشارع أو المدرسة، وفقدت ثقتها بالعالم، وتتكرر لديها الكوابيس الليلية، فالطفلة بحاجة إلى علاج نفسي ودعم من أسرتها، للتخلص من الآثار التي ترتب على الحدث الصادم الذي تعرضت له.

*إعداد: القسم التربوي في مؤسسة نداء.