إحساس الطفل بعدم الارتياح ووجوب تصديقه…

وردتنا هذه القصة إلى بريد المؤسسة، وترويها سيدة من ذاكرة طفولتها، وتقول:

كان أحد جيراننا قاضٍ، وعندما كنا أطفال صغار، كنا نلعب بالدمى التي نصنعها من اللاشيء، من تدوير بقايا الملابس وأغطية العلب والعيدان، ومن ألعابنا أيضاً الكلال و الحجر، والطميمة.

كانت الحارة ملعبنا، إضافة إلى أسطح المنازل وباحات البيوت.

لعبة الطميمة كانت تتم غالباً في البيوت، لأن أسطح المنازل واسعة ومكشوفى وغير صالحة لهذه اللعبة، وفي الحارة لم يكن من المستطاع أن نبتعد سوى أمتار قليلة، أما البيوت فهي المكان الأنسب لهذه اللعبة، والمفروض أن تكون آمنة، وفيها أماكن متعددة للتخفي من مثل: (خزانة، تحت التخت/ السرير ،خزن المطبخ، وراء الكنبات…الخ).

جارنا القاضي العظيم، عندما كنا نجتمع لنلعب في دارهم، كان يحاول معنا دائماً أن نختبىء بقربه، وخاصة إذا كان متمدّد على الكنباية، ويُغطى نفسه ببطانية، أو على التخت/ السرير، عندما يصدف أن يدخل أحدنا غرف النوم، وكان هذا الأمر ضمنياً وبدون الحديث عنه بيننا، موضع عدم ارتياح بالنسبة لنا، بالرغم من كوننا أطفال وطفلات صغار السن.

وكنا نلعب صبيان وبنات، ولكنه -أي القاضي-  كان يحاول مع البنات دائماً، و معظمنا كنا لا نرتاح له عندما يسألنا هذا الشيء، لأنه كنا نشعر بخطأ ما وراء إلحاحه الدائم هذا، وفي إحدى المرات عندما طلب مني الاختباء بجانبه، قلت له: لست أبي لأنام بجانبك.

ولاحقاً كلّما كنا في دارهم – أي دار القاضي – وأرادت المجموعة أن صار كل تلعب الطميمة، كنت أستبدل اللعبة بلعبة أخرى (كلال، او ضامة)، وأطلب من المجموعة الذهاب لبيتنا لنلعب الطميمة.

لقد حمانا إحساسنا بعدم الراحة من التعرض للأذى، لذلك على الاهل تصديق إحساس الطفل بالغلط، وعليهم ألا يستخفوا به.

*هالا.

تعقيب:

هذه القصة البسيطة، تُبين لنا أنه لا سقف لتوقعات الأذية وإمكانية الاعتداء على أي طفل من قبل أي شخص، فدرجة تعليم الشخص، ومكانته الاجتماعية، أبداً لن تقف حائل بينه وبين رغباته إذا غاب الرادع الأخلاقي، وتغلّبت الرغبة عليه، فهذا الرجل “قاضي”، وهو من يُحاكم الناس ويحكم عليهم، وحتى لو لم نسلم بإحساس الأطفال تجاهه أو لم نصدقهم، فإن مجرد طلبه من أي طفلة صغيرة الاختباء تحت الغطاء الذي يتغطى به وهو في سريره أو على الكنبا، فهذا سلوك يجب ألا يقوم به إنسان سوي، ويدفع للشك، كما أن إحساس الأطفال العالي بالخطر، وعدم الراحة، وعدم تقبل سلوك استشعروا أنه خاطىء، أو أقله “غير مريح”، يوضح أيضاً، أن أحاسيس الطفل ممكن أن تحميه، ومن الواجب أخذها على محمل الجد، وعدم الاستهانة بها.