هذه قصة صبية تعرضّت للتحرش من أفراد عائلتها، خلال طفولتها، ولم تجد العون والسند، وبسبب هذا الأمر المؤلم، عانت من اضطراب نفسي، ومن ثم بطريقة ما، وجدت مخرجاً وطريق للعلاج النفسي والتعافي، وقد أرسلت لنا هذه القصة، الأخصائية النفسية “صهباء خضر” من واقع عملها، وهي كما يلي على لسان صاحبة التجربة التي ترغب بمشاركتها مع الآخرين بهدف التوعية:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة من سوريا من حلب الشهباء، عمري 33 سنة.
سوف أتحدث عن قصتي، ليس بغرض نشر السلبية، أو لأجل التعاطف، وإنّما نشرتها لهدف نشر الوعي في المجتمع.
هذه الحادثة حدثت لي في الطفولة، عندما كان عمري 10 سنوات، ومازال أثرها في نفسي إلى الآن.
23 سنة وأنا أعاني من مرض نفسي، بسبب هذه الحادثة وبسبب الضغط النفسي الذي تعرضت له في صغري.
إليكم قصتي بالتفصيل:
كنت في عمر العاشرة، حين كانت والدتي سامحها الله تتركني مع إخوتي الصبيان (أعمارهم ١٥ و ١٤ )، في كثير من الأحيان.
في يوم أخذت قلم من غرفة والدتي، ولم أخبرها، وعلم أخي الأصغر فصار يهددني، أما أن يخبر والدتي، أو أنفذ كل مايطلبه مني، فكان يجعلني أفعل كل ما يريد، وعندما كانت تتركنا أمي في البيت لوحدنا، كان يطلب مني أن أستلقي على الأرض، ويضع رجله على بطني، وأشعر بألم شديد، لكني لا أستطيع إبعاده عني، ولا أن أخبر أهلي، لخوفي الشديد منهم ومنه.
وفي مرة من المرات، حاول أخي الكبير التحرش بي، ولكن لم أستطع أن أبعده عني بسبب الخوف، لم تكن عندي جرأة التكلم عن أي شييء، خفت منه، ومن اهلي كثيراً، وتكرر هذا التحرش مرات عديدة، إلى أن رأته أمي يتحرش بي مرة من المرات، فقالت له: لا تقترب من أختك مرة أخرى، فقط دون أن تتحدث معي، أو تقول لي أي شيء آخر، ولم تعلمني أنه يجب علي أن أدافع عن نفسي، وأخبرها إذا تكرر هذا الأمر.
بعد فترة ذهبت لزيارة جدتي، وبقيت عندها، وكان هناك لي خال أيضاً بعمر أخي الكبير، وأيضاً تحرش بي، ولم أكن قادرة الدفاع عن نفسي، أو أن أبعده عني,
لم استطع التحدث بخصوص هذه الحوادث مع أحد، لخوفي الشديد من أهلي، فقد كانو شديدين جداً، وعصبيين جداً، وأنا كنت هادئة جداً ومنطوية.
وبعد حوادث التحرش التي حصلت معي، بدأت معاناتي مع المرض النفسي الذي يدعى “الوسواس القهري”، أو ربما أسماه بعض الأطباء بأسماء أخرى.
هنا بدأ مشوار العذاب، منذ ذلك الوقت، بدأت أتخيل أن أحدا يعذبني عذاباً شديداً، ويهينني، ويذلّني بشكل دائم.
واستمرت معاناتي ثلاث وعشرون سنة
23 سنة وأنا منعزلة عن الواقع، ولا أتحدث، ولا أشارك في الحياة الاجتماعية، وليس لدي أصدقاء، ولم أكمل دراستي لأسباب أخرى.
حتى في أيام العيد، كنت لا ألعب مع أطفال، وأستلقي على الفراش، وأستسلم لهذه الخيالات، وأسترسل بها ولساعات طويلة، وأنا أنتقل بخيالي من عذاب إلى عذاب.
كنت أجلس أتابع التلفاز لساعات طويلة، وأشاهد المسلسلات، وأي مشهد فيه عذاب، أو ذل، أو ضرب أتأثر به جداَ، وأشعر بالألم، كأني أنا التي تضرب وتُهان وتُذل.
حتى إني كنتُ أدخل في حالات اكتئاب حادة، وحاولت الانتحار لمرتين، ولكن الله سلّم، وكانت تراودني كثيراً افكار عن الانتحار، وماشابه.
23 سنة في هذه الحالة من العذاب، وأهلي لم يشعروا بي، ولا يدركون حجم الألم الذي أعيشه.
الجزء الثاني من القصة
رحلتي مع العلاج
في عام 2017م، كان عمري 27 سنة، دخلت الى عالم السوشال ميديا، ومن خلال الفيسبوك تعرفت على مستشارة تربوية رائعة جداً اسمها “أسماء الجراد”، تحدثت معها، وأخبرتها بقصتي، وماذا حصل معي في الماضي، والالم والعذاب الذي أعيش به.
عندما أخبرتها، لم أكن أدرك إن الذي أعيشه، هو مرض نفسي، أستطيع أن أتعالج منه، وبدأت بعدها رحلتي مع العلاج، وصارت المستشارة “أسماء” تخبرني عن برامج وكتب علمية، ومقالات عن تطوير الذات والشخصية.
بفضل الله وكرمه، بدأت أفكر، وأعي الحالة التي أمر بها، وبدات تظهر ملامح لشخصيتي، وبدأت نظرتي للحياة تتغير، ويوم بعد يوم بدات أحب الحياة، وأرى أمل في أن أتخلص من هذا العذاب الذي أحيا به، ولكن آثار المرض مازالت موجودة عندي، فنصحتني المستشارة أن أراجع طبيب نفسي مختص، لأن العلاج السلوكي المعرفي وحده، لا يكفي، ولابدّ أن يرافقه دواء.
وفعلا ذهبت إلى طبيب نفسي، فوصف لي الدواء، وقال لي: مع جلسات العلاج السلوكي، تحتاجين إلى دواء.
بدأت رحلة العلاج بالأدوية، التي لم تنتهِ إلى هذه اللحظة، ولم تنته التخبطات التي تعصف بي كل فترة وفترة، ففي بعض الأحيان أشعر أني بخير، وسوف أتجاوز المرض، وفي بعض الأحيان أشعر بالكأبة والإحباط.
ولكن مع جلسات العلاج السلوكي، والبرامج والكتب التي أقراها، بدأت حياتي بالتغيُّر بشكل كبير، حتى الأفكار الانتحارية لم تعد تراودني مطلقاً، وصرت أتقبل الحياة كما هي، بحلوها وبمرّها.
وأنا أتعالج إلى الآن، ومع ذلك أهلي لم يدركوا حجم المعاناة التي أعانيها، بسبب قلة وعيهم وجهلهم، وإلى الآن لا يعتقدون، ولا يعترفون بوجود هذا المرض.
لذا أرجو من جميع الأهل أن يكونو حريصين جداً على أولادهم، وأن يعطوهم من وقتهم، ويحدثونهم، ويهتمون بهم، ويكونو قادرين على حمايتهم من التعرض لمثل هذه الأشياء، وإن تعرضوا لها، فسارعوا في علاجهم.
وأتمنى منكم نشر هذه القصة على أكبر نطاق، لنشر الوعي.
وأخيراً، أرجوا منكم الدعاء لي بظهر الغيب، أن يمن الله علي بالشفاء التام والتعافي من هذا المرض، أنه ولي ذلك، والقادر عليه.
أشكر الله رب العالمين أنه منَّ عليّ بالتداوي، وأرشدني إلى الطريق الصحيح، وأرسل لي من يساعدني في هذا الطريق الصعب.
وأشكر وأدعو لكل من ساندني، وكان لي عون على تخطي أيامي الصعبة،
وأخص بالشكر، الأستاذة “أسماء الجراد”، أشكرها جزيل الشكر، فقد كان لها دور كبير في علاجي، والأستاذة صهباء الخضر، والأستاذة رحاب.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (من فرّج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة).
ودمتم بخير …أم التقى.
*تعقيب: نعود للمربع الأول: الأسرة.. الأسرة… قم الأسرة، كل معاناة هذه الشابة سببها إهمال الأسرة، وخاصة الأم، والتي لم تأخذ الأمر على محمل الجد، وتجاوزت سلوم الأخ مع أخته، وتركت الطفلة لمخاوفها، وقلة إدراكها، كما أنه من الواضح أن العلاقة بين الأهل والأبناء، غير سليمة، كما بينهم بعضهم بعض، فالطفلة ترتعب من جرد دخولها غرفة والدتها وأخذها قلمها، وهذا الرعب يدفع أخوها لابتزازها بأسوأ الأساليب، ووصف الشابة لخوفها من والدها ورعبها من صوته، وتكرار التحرش بها من الخال، كل هذه الأجواء تبين وضع الأسرة المرتبك وغير الطبيعي، فنتج عنها أطفال متحرشين وطفلة متحرّشٌ بها، لذلك ينبغي التركيز وتكرار هذا الأمر مليون مرة: كل شيء يبدأ من الأسرة.