لاتزال قضايا التحرش والاعتداء الجنسي، تشغل الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي، فما يلبث أن ينتشر خبر لقضية ما، إلا ويتبعه خبر لقضية أشد سوءاً وضبابية، ولكن الجديد في الأمر هو ازدياد حالة التحرش والاعتداء على (علم النفس والطب النفسي).
أصدرت محكمة جنايات القاهرة، الثلاثاء الموافق لـ 10/11/2021م، حكماً بالسجن 25 عاماً، على مصري (انتحل) صفة طبيب نفسي، بعد إدانته بـ”هتك عرض 6 قاصرات” (بمساعدة) زوجته، في قضية أثارت الرأي العام في مصر قبل عدة أشهر، تحديداً في نيسان من هذا العام.
بحسب ماجاء في الصحف والمواقع الإلكترونية: (أوضحت النيابة العامة في بيانها، أنها أقامت الدليل على المتهم وعلى زوجته من خلال شهادة 12 شاهداً، وكذلك من خلال ما أقر به المتهم أثناء التحقيقات، وكذلك تطابق أوصاف مسكن المتهم مع ما أدلى به أحد الشهود والمجني عليهن في التحقيقات، فضلاً عن عثور النيابة العامة على أقراص مدمجة، تحتوي على مقاطع جنسية ارتكبها المتهم مع ضحاياه، وكذلك عثور النيابة العامة على تسجيلات صوتية ومرئية، وصور، ومحادثات في حاسوب وهاتفي المتهمَين.
ووفقاً لما جاء بصحيفة “المصري اليوم”: (تعود تفاصيل القصة، حيت أوهم الطبيب “مايكل” الفتيات الـست بقيامه بتطبيق طريقة حديثة للعلاج النفسي، تساهم في القضاء على معاناة المرضى من الاكتئاب، وتتمثل في العلاج بالأحضان والحقن الشرجية، وذلك بمساعدة زوجته، حيث تم استدراجهم لعيادته والقيام بهتك عرضهن).
عقب ذلك، قدمت الفتيات بلاغًا ضد الطبيب، واتهمن إيّاه بالتحرش بهن، بمساعدة زوجته التي تسهل له إتمام جرائمه، وتم تداول القضية أمام محكمة الجنايات، حتى فصلت في الواقعة بمعاقبة الطبيب مايكل فهمي بالسجن (وبراءة زوجته)!.
ونشرت صحيفة “الوطن”: (بيّنت التحقيقات اشتراك الزوجة مع الطبيب، بطريقة الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جرائم أسندت إليه بتواجدها معه، خلال لقائه ببعض المجني عليهن وذويهن، لبث الطمأنينة في نفوسهم تجاه المتهم وأساليب علاجه، فمكنته بذلك من الانفراد بهن وارتكاب جرائمه).
هذا الخبر لم يقتصر بشناعته على الفعل الوحشي بالاعتداء، ولكن أيضاً بالضبابية والتداخل في الحكم بهذه القضية؛ ففي بيان للنيابة العامة جاء فيه: (أنه قد ثبت من إفادة نقابة الأطباء وإدارة العلاج الحر، من عدم تسجيل المتهم “مايكل فهمي” بأي درجة علمية أو منشأة طبية خاصة، وعدم الاستدلال على عيادة مصرَّح له بها)!. والسؤال هنا هل تم سحب ترخيصه من قبل نقابة الأطباء بعد إدانته؟ أم أنه فعلاً لا وجود لأي تسجيل يخص المتهم، سواء كان علمي أو ترخيص لمزاولة المهنة؟! وبكلتا الحالتين تتحمل نقابة الاطباء المسؤولية في هذه النقطة، وكما يتوجب العمل والتدقيق بشكل أكبر لعدم تكرار مثل هذا الأمر، وهل يعقل أن يكون انتحال مهنة الطبيب بمثل هذه البساطة؟ وليس أي طبيب، بل طبيب نفسي، وهي الأكثر تعقيداً والأقل انتشاراً؛ فكيف تم ذلك؟!
والنقطة المبهمة الأخرى كانت، بما صدر من تصريحات متناقضة عن النيابة العامة، والتي كانت بكافة صياغاتها تدين الزوجة بشكل واضح وصريح، واشتراكها بفعل الجريمة، بالتخطيط والمساعدة، وضبط محتوى يدينها على هاتفها، ولكن الصادم بعد هذا كله، هو بيان ذات النيابة بتبرئة المتهمة، والاكتفاء بإدانة زوجها؟!
اللافت في شخصية “مايكل فهمي”، ليس فقط نشاطه ك”طبيب نفسي”، بل أيضاً نشاطه في الكنيسة، وتقديم نفسه على أنه خادم أمين للكنيسة ومبادىء السيد المسيح، من خلال نشاطات عدة يقوم بها، وبثقة كاملة من الكنيسة، كتأسيس كورال، وتقديم دورات توعية جنسية .. وغيرها، ولا غرابة أبداً في هذه الخلطة العجيبة لنشاطات الرجل، فهذه الأساليب والأماكن أيضاً تتيح له الاختلاط الواسع بالناس، وتوسيع دائرة الحصول على ضحايا جدد، وفعليا بعض القاصرات تم استقطابهن من خلال أنشطة الكنيسة، ومنها توزيع استبيان (اختبار) يحلل الشخصية، والراغب بمعرفة نتيجة تحليل شخصيته بعد أن ينتهِ من الاختبار، عليه الاتصال على رقم تلفون حدده “مايكل وزوجته”، فمن استغلال الطب والعلاج النفسي إلى استغلال الدين، دائماً يجد المجرمون الساحات اللازمة لتحركهم، ويستطيعون تغطية أنشطتهم القذرة، بقناع يجذب الآخرين ويقنعهم.
حين أجد خبر كهذا جاء فيه أن المجرم لم يكتفِ فقط بالاعتداء الجنسي على قاصرات، بل احتفظ بمقاطع فيديو لفعلته!
بعد كل هذا، أليس من حقي أن أسأل نفسي: مانوع (البشر) الذين نحيا معهم على هذا الكوكب؟! ومانوع هذا القضاء كذلك؟
*إعداد: محمود عبود.