ثمة إجماع أن الحلقة الأضعف في كل الكوارث التي تحدث، سواء أكانت من أفعال بشرية أو طبيعية، هم الأطفال، وأي حديث عن إعادة إعمار لبلد منكوب، لا يمكن أن يؤتى ثماره المرجوة للأطفال، إذا لم نكفل لهم الحماية أولاً، وقبل أي شيء، ولا سيما في المرحلة التي تعقب حدوث الكارثة مباشرة، حيث يتعرض الأطفال خلالها إلى مخاطر الانفصال عن ذويهم أو فقدانهم، الأمر الذي يعرضهم إلى جرائم الاتجار بهم، أو الاختطاف، أو الاعتداء عليهم جنسياً، ولا سيما خلال فترة الإغاثة والمعافاة، ومما لا شك فيه أن احتمالات تعرض الأطفال الذين أصابتهم الكارثه للاستغلال الجنسى والانتهاكات الجنسة، تتضائل فى المجتمعات التى تتمتع بوعى، و إدراك تام لمفهوم حماية الأطفال.
عوامل الخطر على الأطفال بعد الكارثة ودور المنظمات وفرق التطوع
يكمن الخطر الأكبر على الأطفال، في استغلالهم لمدى طويل خلال فترة المعافاة من الكارثة، وفيما بعد خلال مرحلة الإعمار، حيث يتم استغلال وضعهم المادي، في حال لم يتوفر لهم خطط معدّة ومدروسة بعناية، وسبل معيشة لائقة، وإلا فإن البديل هو ضياعهم في ايدي تجار الأطفال. ولا بد من الإشارة أن ارتفاع الوعى العام، أدّى إلى زيادة العمل التطوعى، وبشكل خاص وقت الكوارث الطبيعيه، والتى ينظر لها على أنها أقل خطوره من الكوارث الناتجة عن الصراعات الأهليه.
رغم الفائدة الضخمة، والفرص العديده، التى من الممكن أن تترتب على ذلك الدعم والعمل التطوعي، بيد أنه ربما يكون سلاح ذو حدين بالنسبة للمجتمعات المنكوب، في ظل عدم وجود نظام عمل لمراقبة ومتابعة تدفق فرق العمل التطوعى من الخارج، الأمر الذي يمكن أن يؤدى إلى زيادة خطر الاستغلال والعنف الجنسى على الأطفال من قبل الكبار، الذين يأتون إلى تلك البيئه الهشة، فيسيؤون استغلال الظروف، وهو أمر يصعب تصديقه عن أفراد من المفترض أنهم يعملون من أجل غرض إنسانى فى مناطق تضررت ودمرتها الكوارث.
إن ما ما يدعو إلى الأسف أن تلك الانتهاكات الجنسية، من قِبل فرق العمل الإنسانى المنتشرة لمساعدة ضحايا الظروف الطارئه، قد أصبحت ظاهرة متكررة، ففي جزيرة هاييتي، وفي أعقاب الزلزال المدمر الذي تعرضت له، وتفشي ظاهرة الاتجار بالأطفال إثره، عرضت منظمة الانتربول الدولية خدماتها في سبيل العثور على هؤلاء الأطفال، لما شكلت من خطورة لفداحتها، وإلقاء القبض على الأفراد أو المنظمات المتهمة بالاتجار بهم، بينما في الكونغو الديمقراطية، التي شهدت حرباً داخلية، خلفت كوارث وضحايا بشرية، استدعى تدخلاً أممياً، ويروي السكان حينها كيف كان يتم مقايضة الغذاء من قبل موظفي العمل الدولي، بفتيات صغيرات السن لا يزيد أعمارهن عن 13 إلى 16 عام.
كما وتم الإبلاغ عن العشرات من الاستراليين، المصابين بما يُعرف”البيدوفيليا”، أثنـاء محاولتـهم الدخول إلى أندونسيا و تايلانـد، بعد كارثة التسونامي.
ليس من باب المبالغة القول، إن الكثير من المنظمات غير الحكومية، تستخدم الغذاء كأطعم لاصطياد الضحايا من الأطفال أو النساء، وهذا ما نقله الأطفال اللاجئون في عدة تقارير أممية صادرة عن مؤسسات دولية، بحيث بات هذا أسلوباً للبقاء بالنسبة للكثيرين، وسبباً لعدم الإبلاغ عن الاعتداء.
لقد تأكّد وجود صلة مباشرة بين الفقر والاستغلال الجنسي، أثناء الظروف الطارئة أو الأزمات، حيث يضطرالأطفال أو الكبار للإذعان من أجل الاستمرار في الحياة، وتلبية ضروريات المعيشة، عقب انهيار البيئة الأساسية، من تعليم، وعناية صحية، وفرص عمل، وأراضي زراعية ووسائل معيشية….ناهيك عن أن هؤلاء الكبار ربما يستغلون علاقاتهم مع المنظمات، لكى يضفوا نوعاً من المصداقية إلى المبررات التى يسوقونها لتواجدهم مع الأطفال. تشير تقارير صادرة حديثاً أن المستغِلين هم أساساً رجال، إما في مواقع سلطة، أو ممن لديهم مال أو ذوي نفوذ، بما يشمل القائمين على مخيمات اللجوء، العمال المؤقتين، المدرسين وقوات الأمن، والتجار والعاملين في الإغاثة الدولية، وقوات حفظ النظام.
يشدّد تقرير العنف الموجه ضد النوع بين النساء اللاجئات والأطفال humilationsdties إلى ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة، لضمان عدم تعرض الأطفال الذين يعيشون على طول طريق الحافلات، التي تنقل المعدات والمواد إلى المناطق أو مخيمات المنكوبين، لأي نوع من أنواع الاستغلال، أو الانتهاكات الجنسية من جانب المشاركين في تلك العمليات، في مقابل منحهم ما ينقصهم من مواد يحتاجونها.
إجراءات ضرورية لحماية الأطفال
لا بدّ للأشخاص الذين يتعاملون مع الأطفال خلال فترة الكوارث، تعريف الأهل إلى كيفية الإبلاغ عن حدوث الاعتداء، وفق ما أوصت به منظمة PSEA وهي منظمة تعنى بالحماية من الاعتداء والانتهاك الجنسي من قبل الموظفين، حيث يفتقر الكثيرون إلى المعرفة، والخلط الواضح في إجراءات الإبلاغ، وتوصي المنظمة المذكورة بضرورة:
-توفير دوائر قانونية فعّالة، تقوم بالإبلاغ عن حالات الانتهاك، حيث تكون الدوائر الحكومية غير متاحة، أو الشرطة غير موجودة، مما يسفر عن فقدان الثقة في الاستجابة لأي مزاعم في الانتهاك
-يجب أن يكون هناك ميثاق عمل أخلاقى ملزم للعاملين بالمساعدات الإنسانيه، و ينص على أن الاستغلال الجنسى والإساءات الجنسيه لضحايا الكوارث، يُعتبر تصرفاً غير أخلاقي، و مبرراً لإنهاء العقد فوراً
-من الناحيه النطبيقيه، فإن المنظمات و الجمعيات الأهليه لا تملك التأثير أو السيطره الكافية على شروط التوظيف، و سلوكيات العاملين القادمين من المنظمات الأخرى، ولكن بمقدورهم أن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية أن يَظًلوا يقظين لأي إاتهاكات، و أن يقوموا بالتبليغ عن شكوكهم فى حينها، لتجنب وقوعها.
من الإجراءات المناسبه التى يُنصح باتخاذها، تشمل بأن يكون لدى المنظمات/ الوكالات العاملة على الأرض، سياسة تنص على حماية الأطفال، مع وجود نظام واضح للتبليغ عن حوادث العنف و الاستغلال الجنسى، و الاحتفاظ بسجلات لها، و أن تقوم المنظمه/ الوكاله بإعلام جميع موظفيها بتلك السياسة، و تدريبهم عليها، و التأكّد من استيعابهم لها، كما يجب على المذكورين أن يكون لديهم مستندات مرجعيه لجميع المتطوعين و الموظفين، و ألا يسمح لمن لا تتوفر له تلك المستندات، بالعمل مع الأطفال بدون رقابه.
تجدر الإشارة هنا، إلى إن أسلوب إدارة وتوزيع المعونات، يمكن أن يعرض الطفل إلى الاستغلال والإيذاء الجنسي، فإن تم العمل من خلال منظور هيكلي أوسع، نجد أن تلك العوامل يؤثر بعضها ببعض بصور شتى، لكي تصبح أما مصدراً للحماية، أو مصدراً لزيادة تعرض وضعف الأطفال، وطبعاً لدينا الظروف الشخصية للطفل أو مجموعة الأطفال، والتي يمكن أن تعزّز الحماية أو الخطر، فالأطفال الذين لا ينعمون برعاية أبوية أو كانوا فاقدين لأبويهم، هم الأكثر تعرضاً للخطر من غيرهم، وفي الحالة تلك، يجب أن يشكّل المدرّسون ورؤوساء وأعضاء المجتمع المحيط، مورداً لتلك الحماية.
وأخيراً، يبقى الطفل كائن اجتماعي، يملك قوة التأثير الفعال، وبالتالي فالأطفال الذين تلقوا تدريباً على مهارات حماية النفس، أو ممن لديهم مستويات عالية من الثقة بالنفس، أو ممن لديهم قابلية للتعبير عن مشاعرهم وشرح أمنياتهم، ولديهم مجموعة مهارات تكسبهم القدرة على التحمل، والتعامل مع تلك الظروف الاستثنائية، تكون احتمالات تعرضهن للمخاطر والاستغلال أقل بكثير، لذا يجب الاستباق، وتوفير التدريب على تلك المجموعة من المهارات، في مراحل ما قبل الأزمة، ثم يعاد البناء عليها، وتقويتها، خلال مجهودات الإغاثة وإعادة البناء.
إعداد: دلال ابراهيم.