*اغتصبها عندما كان عمرها 12 عاماً، وأنشأت مؤسسة ريبوند لحماية الأطفال
في السادسة والثلاثين من العمر، وعقب مرور عشرين عاماً، خرجت لاعبة التنس الفرنسية “انجيليك كوشي” عن صمتها، وروت إلى مجلة “Franceinfo” تفاصيل ما تعرضت له من اغتصاب، وإهانة وعنف نفسي من قبل مدربها.
تفاصيل دقيقة لا زالت تذكرها “انجيليك”، وتقول: (لقد قتل في داخلي الطفلة التي كنت، فقد كنت في ربيعي الثاني عشر)، حيث بدأ مدربها في اغتصابها وهي بذلك السن، لغاية أن أصبحت في سن الرابعة عشر، وقد بدأ كل شيء في عام 1999م، عندما بدأت التدريب في نادي سارسيل تحت قيادة “أندرو جيديس” الذي تلاعب بها، وتشرح “أنجيليك” قائلة: (لقد تم ذلك خلال شهرين أو ثلاثة أشهر فقط،. فقلت له: “لا، لا ينبغي لك ذلك، فهذا ليس جيداً، لا أريد ذلك”، فقال لي: كما تعلمين، يحدث هذا غالباً في علاقات المدرب/المدربين”).
عامان وهي تحت سطوة مدربها “جيدس” الذي اغتصبها حوالي 400 مرة، كما أوضحت في مايو/ أيار الماضي ل”فرانس إنفو” وتقول: (كان يغتصبني ثلاث مرات في اليوم)، وتم ذلك ضمن سياقات تدريباتها الرياضية في سارسيل، بعدما برزت مهاراتها في اللعبة، وسجلت المرتبة الثانية فيها، وهناك التقت بمدربها والمعتدي عليها، وتعترف هذه الرياضية من منطقة “فال دواز”، لأول مرة بشكل علني، عقب الحكم على المدرب بالسجن 18 عاماً، مع حظره عن التدريب نهائياً، بتهمة اغتصابه واعتداءه الجنسي على ثلاث لاعبات قاصرات، وهن إلى جانب “انجيليك”، كلٍ من “استريد”و”مارغو” و”ماتيلد”.
حينما تغوص “انجيليك”، في سرد تفاصيل حياتها الطفولية، وما تعرضت له، فجأة تبهت نظراتها، ويخفت صوتها، وتنساب كلماتها بكل سلاسة من فمها، تقول: (كان لقائي به بداية لدرب جلجلة طويل، بدأ يزرع بي الثقة بنفسي، وأنني جوهرة، ولاعبة واعدة، ستكون في قائمة أفضل عشرة لاعبين في العالم، وصار يتقرّب من عائلتي)، وتصف طريقته في التحكم بضحيته، وتوافقها مع ما أدلت به “استريد ميزموريان”، الضحية الثانية: (كان يعمل على إغواء الضحية في البدء، ومن ثم عزلها، وتعزيز الشعور بالذنب لديها، لغاية أن يجعل نفسه لا غنى عنه أبداً، ويصبح هو كل شيء بالنسبة للاعبة، لأنه لم يبقَ لها شيئاً آخراً).
التلاعب بالضحايا واستغلال حاجاتهن
تقول “انجيليك” عن مدربها، إنه كان داهية، يسعى لسد الحاجات عند ضحيته، و تروي بعض التفاصيل: (كوني من عشاق مباريات باريس سان جيرمان، دعاني لمرافقته لمشاهدة مباريارتهم في العاصمة، وأنا لا أخرج مع أسرتي في فسحات سوى قليلاً، حيث نقضي العطلة فقط لدى أسرة والدتي في إسبانيا، وقد أثارت هذه الدعوة فضولي لاكتشاف العالم من حولي، ولم يمانع والداي)، وتُضيف أنه في البداية كان يصطحبها إلى مكان إقامتها، والبقاء لغاية أن تخلد للنوم، و (هنا بدأت أشاهده خارج ملاعب التنس، ولدى العودة اقترح أن اتدرب في منطقة “ايفلين” بالقرب من منزله، وبما أن أهلي لم يكونوا في وضع مادي مريح، فكانوا سعداء أن أحداً يصطحبني إلى البطولات، ويدير تدريبي، وبالتالي فقد منحوه مطلق الثقة، وبالنسبة له بدأ يحتل مكانه في حياتي، يقول لي: ” أنا والدك الثاني، أنت مثل أختي”، وفي بعض الأحيان يكون مرشداً لي، وأحياناً مقرباً).
تشرح “انجيليك” كيف صار المدرب، تدريجياً يكتسب ثقة الفتاة الصغيرة حينها، ويجعل سلطته المطمئِنة تؤثر عليها، فتقول: (حتى عندما كان يضمني في البداية، كان يقول لي “أنا ليس لدي أطفال”)، وتصف وضعها بعد الاعتداء عليها: (كان يصيبني الذهول مما أراه، وكأنني كنت مخدّرة، غير قادرة عن الدفاع عن نفسي ولو بالحدود الدنيا، كنت أنفصل عن عقلي عندما يحدث ذلك)، وتُضيف:
(خلال التدريب كان حيناً يستخدم التشجيع، وحيناً آخراً يستخدم الإهانة العلنية، وإحدى المرات عاقبني، بأن تركني وحيدة في موقف للسيارت في أطراف المدينة، وبكيت بشدة، كان الأمر مرعباً)، تحكي وهي لا زالت تعاني من هذه الصدمة بسبب الخوف من التخلي عنها كامرأة، وتفصح عن المزيد من التفاصيل: ( وقد طلب مني الغش في اللعب، وهذا مخالف لقيمي وقيم والدي، وكنتُ خائفة لدرجة أني في بعض الأحيان فعلتُ ذلك، مما ساهم في تنفير زملائي مني وعزلتي، ولم يكن أحداً يوجه له كلام، إما خوفاً منه، وإما لأنه يعتبر لدى الأغلبية أنه السبب في الحصول على نتائج جيدة للنادي)، كما تعترف قائلة: (كنت تحت سيطرته كلياً، فأي أمر يطلبه مني كنت أنفذه)، وتروي بحزن كيف كان موظفي النادي يرون دموعها، وعينيها المصبوغتان باللون الأحمر، عندما كانت تخرج بعد أن يغتصبها، ولم يكن أحداً منهم يكلف خاطره ويسألها لماذا تبكين؟ وتعترض “انجيليك” وبألم: (من الخطأ الكبير عدم حماية الأطفال).
كانت “انجيليك”، وعلى صِغر سنها، تعلم أن ما يحدث ليس طبيعياً، أما عن سبب صبرها والتزامها الصمت، فتقول: (كنت أعتقد، ربما في حال تكلمت، فلن أتدرب معه، وسأصبح لا شيء)، والشيء الأهم الذي منعها من كشف معاناتها، هو كما تقول: (لأنني سمعت إحدى المرات والدي يتوعد قائلاً: لو أحد أذى إحدى ابنتي، لن انتظر العدالة، سوف أضع رصاصة فوراً في رأسه، لم أكن أتحمل فكرة أن يذهب والدي إلى السجن).
عن جلسات المحاكمة عقب تقديمها شكوى، إلى جانب ثلاثة ضحايا أخريات، تقول: (بقيت أحكي لمدة سبع ساعات متواصلة، حتى قالوا عني مصابة بإسهال لفظي، و كنت أتذكر كل التفاصيل بحذافيرها)، ولكن الأقسى بالنسبة لها، كان ردود فعل أهلها التي لم تكن تتوقعها: (أول رد فعل لوالدتي كان بقولها “أتمنى أن لا يكون قد لمس أختك”، وأنا من جانبي أتمنى ذلك، ولكن أتمنى لو أثرت اهتمامها، وحتى أختي ووالدي لم يهتما للأمر).
كما تتذكّر “إنجيليك” شهادة أخرى، نتيجة التحقيق ضد “جيديس”، فتقول: (ذهبت سيدة واحدة فقط لرؤية رئيس النادي، قائلة إنه تصرف بشكل غير لائق تجاه الشباب بالعنف اللفظي والجسدي، وسلوك غامض مع بعض اللاعبين. فأجاب الرئيس: “نعم، لكنه يجلب لنا الألقاب”).
مؤسسة ريبوند لحماية الأطفال
لا زالت “انجيليك”، تبحث عن التوازن في حياتها، والذي لم تتمكن من إيجاده حتى الآن، وعانت خلال سنوات من اضطرابات نفسية وجسدية عديدة، وحتى يزيد مدربها من عذابها ومعاناتها النفسية، أخبرها مرة أنه مصاب بالإيدز، وعن ذلك تقول: ( بقيت حتى الثامنة عشر من عمري أعيش الرعب، طوال خمس سنوات كنتُ خائفة من العدوى و أنني قد حملت الفيروس، حتى قررت إجراء الفحص الطبي، حتى أني فكرت في قتل نفسي عدة مرات، وكتبتُ كل تلك الأفكار المظلمة في دفتر صغير يحمل توقيعات لاعبي سان جرمان )، ولكن الجانب الإيجابي في قصتها، أن ذلك دفعها إلى جانب الضحيات الثلاث “مارغو” و”استريد” و”ماتيلد”، لإنشاء مؤسسة Rebond “ريبوند”، لمساعدة الأطفال على النمو، والتفتّح وسط مناخ مريح، وتقول عن ذلك: (وضعت هدفي أن أحميهم، لأن لا أحد قدم لي الحماية، فعندما كنت طفلة وبحاجة للحماية لم يحمني أحد )، ومنذ عام 2021 م، تنظم المؤسسة مع الاتحاد الفرنسي للتنس، حملات تدخل، وتوعية، و أنشطة وقائية لدى الأندية، فضلاً عن إعادة تأهيل ومساعدة الضحايا.
عام 2021م، حٌكم على المدرب “اندرو جيدس”،بالسجن لمدة ثمانية عشر عاماً، بتهمة الاغتصاب والاعتداء الجنسي على أربع فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين 12 و17 عاماً، وحُظر من التدريب بشكل نهائي، وقدمت “انجليك” شهادتها منذ أيام مضت مع بداية شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، إلى لجنة تحقيق برلمانية، تم إطلاقها هذا الصيف، لتسليط الضوء على العديد من الفضائح الجنسية داخل اتحادات رياضية مختلفة في فرنسا، مما أعاد قصتها إلى الواجهة، ويجب أن تقدم اللجنة تقريرها للجهات المعنية، بحلول ديسمبر/كانون الأول 2023م، بعد الاستماع إلى ضحايا آخرين، مثل “سارة أبيتبول” وغيرها.
*المصادر:
-منقول بتصرف عن مجلة Franceinfo.
-الموقع الإلكتروني لصحيفة الليراسيون، 6 -90-2023م: https://www.leparisien.fr/sports/tennis
-الموثع الإلكتروني لصحيفة الليبراسيون، 22-1-2020م: https://www.leparisien.fr/hauts-de-seine
*ترجمة وإعداد: دلال ابراهيم