إهمال وعدالة غائبة…وحاجة ماسة للتغيير
يُعرف القانون عموماً، على أنه نظام من القواعد التي يتم إنشاؤها وتطبيقها من خلال المؤسسات الاجتماعية أو الحكومية لتنظيم السلوك، على الرغم من أن تعريفه الدقيق هو مسألة نقاش طويلة الأمد، تمّ وصفه بشكل مختلف على أنه علم وفن العدالة. *(ويكيبيديا)
دائماً كان القانون موجوداً لزاماً عند جميع الحضارات، وحتى في المراحل الأولى التي عرفناها من الوجود الإنساني، كان هناك قوانين أو تشريعات يتفق على نصّها، أو حتى يتم فرضها سواء من مجموعة أو حتى فرد واحد، والهدف دائماً هو ضبط السلوك البشري، مما يعني أن هذا السلوك البشري غير منضبط، ولايخضع لمعايير ثابتة، ووجود القانون هو مايحدد التوجه والضوابط، وكلّما كانت القوانين خاضعة للتعديل والتطور لما يتماشى مع الحالات والأفعال المستحدّثة، كلّما دلّ ذلك على التقدم الحضاري لأي بلد، فالقوانين مرآة الدول.
والتحرش أو الاعتداء الجنسي بشكل عام، وبالأطفال بشكل خاص، كان من الأفعال الموجودة منذ القِدم، واختلفت عقوبته على حسب الزمان والمكان، ومن هذه العقوبات مثلاً: الخصي، قطع عضو المعتدي، القتل بأساليب مختلفة، الاستعباد، وغيرها من عقوبات صارمة، ومع التقدم الحضري، والتطور القضائي الحاصل سواء على الصعيد الفكري، أو بالأساليب التي يطبق الحكم بها، فقد ألغيت أغلب تلك القوانين القديمة (لوحشيتها)، وتم سن قوانين حديثة تعاقب المعتدي أو المتحرش غالباً، إما بالغرامات المالية أو السجن، أو بالأمرين معاً، وسنتطرق لنصوص هذه القوانين في بعض الدول العربية.
*(نصوص القوانين نقلاً عن صحيفة الحرة)
ومنها:
*العراق: أشارت المادة ( 393) في الفقرة الثانية منها، باعتبارها ظرفاً مشدداً “يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت، كل من واقع أنثى أو ذكراً بغير رضاها أو رضاه، إذا كان من وقع عليه الجرم لم يبلغ سن الثامنة عشرة عاماً كاملة”.
*الأردن: وفقاً للمادة (306)، من قانون العقوبات الأردني، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل من عرض فعلاً منافياً للحياء، أو وجه أي عبارات أو قام بحركات غير أخلاقية على وجه مناف للحياء، بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة، تصريحاً أو تلميحاً بأي وسيلة كانت، متى وقع الاعتداء على شخص لم يكمل الثامنة عشرة من عمره.
*السعودية: نصّ القانون السعودي على معاقبة الضالعين في جريمة التحرش بالأطفال، بالسجن لمدة تصل إلى 5 سنوات، وبغرامة مالية تصل 30 ألف ريال سعودي (حوالى 8000 دولار أميركي).
*لبنان: تناول القانون اللبناني جريمة التحرش بالأطفال كأي جريمة تحرش أخرى، ولكن مع ظرف مشدّد وهو وقوع الفعل على قاصر، إذ نصت المادة ( 509)، وما يليها على عقوبة السجن مع الأشغال الشاقة لفترة لا تقل عن سبع سنوات، ويتم تشديدها إذ كان المجرم موظفاً، أو رجل دين، أو من أصول أو فروع الضحية، لتصل إلى الأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات.
*تونس: ينصّ قانون العقوبات التونسي على عقوبة التحرش بالأطفال، وتبدأ العقوبة من السجن سنتين وصولاً إلى 12 سنة، إذا وقعت من شخص لديه سلطة على الضحية.
*المغرب: ينصّ القانون الجنائي المغربي على معاقبة أفعال التحرش أو محاولة التحرش، في حق كل طفل أو طفلة، بعقوبة السجن لمدة تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وتتضاعف العقوبة في حالة اقتران التحرش بالعنف، فيحكم على الجاني بالسجن من ١٠ سنوات إلى ٢٠ سنة.
*الإمارات والبحرين
في المقابل، تتميز الإمارات والبحرين بقانون خاص بالطفل، ينصُّ صراحة على فعل التحرش الذي يصل عقوبته إلى السجن ستة أشهر، مع ضمان مقاضاة الجاني في محاكم خاصة، وتأمين رقم ساخن للتبليغ عن حالات التحرش بحق الأطفال.
وأبرز ما جاء ضمن القانونين، هو إمكانية مقاضاة الأهل إذا تبين للقاضي إهمالهم أو تقصيرهم، فضلاً عن إمكانية تعيين إخصائيين لمتابعة الوضع النفسي للضحية.
انفردت البحرين وحدها في نص المادة (66)، من قانون الطفل على تجريم التحرش بالأطفال عبر الإنترنت، إذ نصّت على أنه “يٌعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استدرج الأطفال واستغلهم عبر الشبكة الإلكترونية الإنترنت في أمور منافية للآداب العامة”.
سورية: قانون العقوبات السوري ينص في المادة (489)، المعدل سنة 2013، من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عُوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل، ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة، إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره.
وينصّ القانون في المادة (505)، على أنّه “من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصراً لم يتم الخامسة عشرة من عمره، ذكراً كان أو أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة دون رضاهما، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف”. كمّا جرّم المشرّع السوري الكلام اللفظي الدال على التحرش في المادة (506)، من عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملاً منافياً للحياء، أو وجه إلى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة، عوقب بالحبس التقديري ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد على خمسة وسبعين ليرة سوريّة أو بالعقوبتين معاً.
تكمن المشكلة في بعض الدول العربية، بأن فعل التحرش بالأطفال غير مدرج ضمن قانون خاص، ما يعني أن هذا الجرم يتم إدراجه ضمن قانون العقوبات، ما يؤدّي إلى صعوبة إثبات وقوعه أمام القضاء، إذ يتوجب أن تكون البينة على من ادّعى، أي يكون إثبات وقوع الفعل على عاتق الضحية، فضلاً عن إجراءات وشروط أخرى قد تعيق مجرى العدالة.
*وبعد الاطلاع على هذه القوانين، يظهر جلياً وجود قوانين فضفاضة، وجودها سلبي أكثر من عدمه، وأنها بحاجة لتغيير جذري، لتكون أكثر دقة وحزم ووضوح، فهناك خلل واضح فاضح ببعض التفاصيل، ومنها مثلاً ماجاء بالقانون العراقي، والذي ينصّ على تطبيق الحكم لمن قام بفعل الاعتداء، بحالة عدم رضا الطرف الآخر، إذا لم يتجاوز عمر المعتدى عليه الثامنة عشر!
وكيف يكون للطفل حرية الاختيار بفعلٍ كهذا؟!
أما في القانون السوري، يبدأ الخلل من بداية نصْ المادة إلى نهايته، والذي يُجرّم الجماع بالإكراه والعنف أو تحت التهديد، ولكنه يبيحه ضمناً في العلاقة الزوجية!
التحرش باللمس والمداعبة بالقانون السوري، فهو كذلك لا يُجرّم المعتدي، إن كان بموافقة المعتدى عليه، أي أن موافقة الطفل وهو بسن تحت الخامسة عشر من عمره، يسقط تجريم المعتدي ويحول تصرفه إلى فعل طبيعي!
أما التحرش اللفظي في القانون السوري، العقوبة به أشبه بمكافأة للمعتدي!
لاتقوم الدول إلا بقوانينها، ولايشعر الفرد بالأمان إلا بقانون يحميه، وربما عدم وجود إحصاءات دقيقة عن حالات التحرش في منطقتنا العربية، لايعود فقط للخوف من المجتمع (والفضيحة)، بل برأيي السبب الأساسي بالتكتم، هو عدم وجود قوانين واضحة تشعرنا بالطمأنينة، والقوانين لاتجلب الحقوق فقط، بل تغيّر نظرة وثقافة المجتمع، فإما أن تعزّز الخوف والسلبية كما هو حاصل اليوم، أو أنها تدفع للمواجهة والجرأة بفضح كل معتد فيقتص القانون منه، وينصف ولو بجزء بسيط ضحية تم الاعتداء عليها جسدياً ونفسياً.
*إعداد: محمود عبود.