في اليوم العالمي لمنع الاستغلال الجنسي والإيذاء والعنف ضد الأطفال، جهود متواضعة أمام حجم الخطر الكبير لهذه الظاهرة، سيما وقد استفحلت مع نشره على الانترنت.
ارفعوا الصوت عالياً
تحدثت “فاطمة مادا بيو”، السيدة الأولى لسيراليون إلى الصحفيين أمام قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أعقاب اعتماد الجمعية العامة مشروع القرار،الذي شاركت بلادها في إعداده، وأعلنت بموجبه يوم 18 تشرين الثاني من كل عام يوماً عالمياً لمنع الاستغلال الجنسي والإيذاء والعنف ضد الأطفال والتعافي منه، وتعزيز كرامة وحقوق أولئك الذين يتعرضون منهم لهذه الأشكال من الاستغلال، بما في ذلك الصحة العقلية والبدنية والشفاء، إذ لخصت فيه كل ما يمكن أن يفكر به العاملون في مجال مكافحة الاعتداء الجنسي والجسمي على الأطفال، حين قالت: (لا أدري ما إن كنا سنتمكن من وقف الاغتصاب كلياً في العالم. لكن كلّما علا صوتنا، أعتقد أنه يقلل من عدد الضحايا). وأردفت قولها: (أود أن أقول للعالم: ارفعوا أيديكم عن فتياتنا).
والإحصائيات الأممية المثيرة للقلق، والمشيرة إلى الأعداد الهائلة للأطفال ممن تعرض للاعتداء الجنسي، تفسّر لنا هذا السعي العالمي الحثيث للاعتراف بالمشكلة، وسن التشريعات الهادفة إلى الحد من انتشارها.
بلغة الأرقام
تفصح تلك الإحصائيات عن تعرض ما يقرب من 120 مليون أنثى تحت سن العشرين لأشكال مختلفة من الاتصال الجنسي القسري، وفي حين لا توجد إحصائيات عالمية متاحة للعنف الجنسي ضد الذكور، تشير البيانات الواردة من 24 دولة ذات دخل مرتفع ومتوسط، إلى أن معدل انتشار تلك الممارسات يتراوح بين 8٪ إلى 31٪ بين الفتيات و3٪ إلى 17٪ بين الذكور ممن دون سن 18 عامًاً، كما يعيش طفل واحد من كل 4 أطفال دون سن الخامسة ضحايا عنف الاعتداءات الأسرية ( المحارم ).
يقول أصحاب الاختصاص في علم النفس والاجتماع، إن البالغين الذين مروا بأربع تجارب طفولة سلبية أو أكثر، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والجنسي والعاطفي، هم أكثر عرضة بنسبة 7 مرات للتورط في العنف بين الأشخاص، إما بوصفهم ضحايا أو بوصفهم مرتكبو ذلك النوع من الجرائم، وهم أكثر عرضة لمحاولة الانتحار بنسبة 30 مرة.
مؤتمر بوغوتا أمام خطر المحتوى الرقمي
ثمة أرقام ونسب مهوّلة كانت أمام المؤتمر الوزاري العالمي غير المسبوق، الذي عقد أعماله في العاصمة الكولومبية بوغوتا خلال يومي 7 و8 من الشهر الجاري، أي قبيل بضعة أيام من اليوم العالمي هذا الذي نحتفي به الآن، وقد حضره 130 وزير دولة ناقش موضوع العنف ضد الأطفال، وخاصة العنف الجنسي، وركّز على العنف ضد الأطفال واستغلالهم من خلال شبكة الانترنت، وهذا يُعد في حد ذاته فصلاً مهماً في الاعتراف والتخوّف من هذه المخاطر.
من المقرر أن يوفر هذا المؤتمر، الذي يُعقد بمبادرة من الأمم المتحدة واليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، إطاراً للسنوات العشر المقبلة في مكافحة العنف ضد الأطفال.
ضمن هذا السياق، يبدو أنه وعلى الرغم من الصرخات الصادرة من قلب العديد من الجمعيات، والمؤسسات والمنظمات في جميع أنحاء العالم، والتي تطالب بمكافحة العنف الجنسي وخاصة عبر الإنترنت، من الصعوبة بمكان التصدي لهذه الظاهرة المتسارعة في الوقت الراهن، إذ من الصعب تصديق هذه الأرقام المخيفة: ففي غضون عشر سنوات، زادت المحتويات الإجرامية الخاصة بالأطفال على الإنترنت بنسبة 6000% في جميع أنحاء العالم، وفي العام الماضي، تم اكتشاف أكثر من 100 مليون صورة وفيديو جنسي لأطفال، أي ما يشبه تسونامي من الصور التي لم تتمكّن السلطات والشركات الرقمية العملاقة التي تستضيف المحتوى من احتوائها، أو حذفها.
في الاحصائيات أيضاً، إن واحد من كل 20 رجلاً اعترف بممارسة سلوك جنسي عبر الإنترنت تجاه الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً.
جرائم الانترنت عابرة للحدود
من هنا جاءت الحاجة إلى الالتزام العالمي الذي تطمح إليه “مي كوهياما”، التي حضرت من فرنسا مؤتمر بوغوتا، بصفتها عضو في المجلس العالمي للناجين، وقد أصرت على الدور الحاسم للسلطات الكبرى قائلة: (إن أصحاب هذه الأرقام الكبيرة يتمتعون بقوة هائلة، لذلك نحن نحاول بجهودنا المتواضعة الحصول على تشريعات أوروبية)، وأردفت قولها: (نعلم أن أوروبا تستضيف 60% من المحتوى الإجرامي للأطفال، إنها معركة صعبة للغاية).
في الوقت الذي ترى فيه “كوهياما”، أن مؤتمر بوغوتا يمثل معلماً حاسماً، وصرّحت في هذا الصدد: (نأمل أن تلتزم الحكومات المجتمعة في بوغوتا بتنظيم دولي وعالمي أفضل للإنترنت، لأن جرائم هذه الشبكة تعتبر جرائم بلا حدود).
لا شك أن الحاجة إلى تنظيم المحتويات الرقمية باتت تعد أكثر أهمية، نظراً لأن الضحايا، الذين يتم بث حالات اغتصابهم على الإنترنت، يتعرضون لعقوبة مزدوجة، وهو ما وضحته مي كوهياما: (هناك جانبان، إذ يعاني ضحايا الاغتصاب الذين يتم بث حالات اغتصابهم عبر الإنترنت ليس فقط من صدمة الاغتصاب، ولكن أيضاً مشاركة صور الاغتصاب هذه وإتاحتها أمام الجميع، وهي الصور الأكثر حميمية).
صعوبة القضاء على المحتويات الرقمية ضد الأطفال
يبدو عمل أجهزة التحقيق أمام تلك الملايين من الصور، أشبه بمن يفرّغ المحيط من الماء بملعقة صغيرة، وقد أعربت “فيرونيك بيتشو”، المسؤولة رئيسة المركز الاستراتيجي في OFMIN (مكتب القاصرين)، عن أسفها لنقص الموارد في مواجهة تدفق المحتوى: (على أي حال، مهما كان عدد المحققين المتخصصين، لا يمكننا التصدي لهذا التسونامي من المحتوى الرقمي المريع، والطريقة الوحيدة لمواجهة هذا الواقع هو العمل على سن تشريعات تضع هؤلاء الأطفال في مأمن، والقبض على كل هؤلاء المجرمين بحقهم، أي أن يكون لدينا أقل عدد من الضحايا، وأقل عدد من المجرمين الذين يستغلونهم)، ولهذا السبب، تقول “فيرونيك بيشو”: (يجب أن يفضي مؤتمر بوغوتا هذا إلى تنظيم حملات وقائية واسعة النطاق على المستوى العالمي، وخاصة بين الأسر، إذ أشار المؤتمرون أن غالبية المحتوى الرقمي الإجرامي الحالي للأطفال عبر الإنترنت يتكون في الواقع من صور يتشاركها الأطفال أنفسهم، وأولياء أمورهم على شبكات التواصل الاجتماعي).
اروي ما حدث بداية الحل
ولكن الأهم من هذا وذاك، هو تشجيع الضحايا على التحدث عن مأساتهم، وعدم الخجل منها أو التستر عليها، وهذا ما أكّدته السيدة “مادا بيو”: (الناس لا يريدون الحديث عن الاغتصاب، وهي قضية خطيرة جداً. لذا، إذا كان لديكم يوم مثل هذا، وكان هناك الكثير من الأشخاص المستعدين للإدلاء بشهاداتهم، فأعتقد أنه ينبغي السماح لهم بذلك، لماذا نحتفل بحرية التعبير إذا لم يُسمح لي بأن أروي ما حدث لي؟ )
*المصادر:
-منظمة الصحة العالمية، الموقع الإلكتروني:
-Un news
-مؤسسة “معاً من أجل الفتاة”:
https://www.togetherforgirls.org/en
-منظمة حركة الشجاعة في أوربا:
https://www.bravemovement.org/team/mie-kohiyama
-الموقع الإلكتروني الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة:
https://news.un.org/ar/story/2022/11/1115227
-وكالات إخبارية عالمية.
-Franceinfo
*إعداد: دلال ابراهيم.
*اليوم العالمي لمنع الاستغلال الجنسي للأطفال، 2024م.