انتشرت بكثافة ممارسة “الباشا بازي (اللعب مع الأولاد) في أفغانستان منذ بداية الاحتلال الأمريكي. وما بين قصور القوانين وانعدام الأمن يقع الأطفال بين سندان القوات الأمنية وحركة طالبان.
تمتد جذور ظاهرة باشابازي المنتشرة حالياً بكثافة في أفغانستان إلى قرون عديدة مضت، وتنتشر أيضاً في منطقة آسيا الوسطى.
شعبياً يعني هذا المصطلح ” اللعب مع الصغار”، وهو يشير إلى شبان صغار ( فتية ) يعملون كخدم أو راقصين بأزياء نسائية، وغالباً ما يرغمون على إقامة علاقات جنسية مع سيدهم أو ضيوفه، وقد صورهم في لوحته الرسام الروسي “فاسيلي فيرتشاتشاغيون” عام 1867م.
فيما يشكل هذا التقليد الاستغلالي للأطفال بالنسبة للمراقبين، أحد أقسى انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد المحافظ للغاية، ولكنها أيضًا مصدر للصراع وانعدام الأمن.
شهد تقليد “باشا بازي”، الذي حظرته حركة طالبان عندما كانت في السلطة (1996-2001م)، انتعاشاً قوياً في السنوات الأخيرة، ويُعتقد الآن أن هذه الممارسة منتشرة على نطاق واسع في مناطق البشتون الريفية في جنوب وشرق البلاد، وكذلك في المناطق الطاجيكية في الشمال.
من هم الباشابازي والباشاباز؟
هم أمراء الحرب وقادة وضباط الشرطة والسياسيون… وأي رجل ثري أو صاحب نفوذ يرغب الاحتفاظ بـ “الباشا”- الولد الفتى – في منزله كرمز لسلطته ونفوذه.
أما الباشاباز(بحذف الياء)، فهم فتية صغار تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، يرتدون ملابس نسائية مع وضع الماكياج وأحياناً شعر مصبوغ، ويتم استخدامهم كراقصين ولألعاب جنسية خلال أمسيات الرجال، وهذه الممارسة مقبولة على نطاق واسع، ففي المجتمع الأفغاني المحافظ والذي يفصل بين الجنسين، لا ترتبط الباشا بازي بالمثلية الجنسية، التي يحظرها الإسلام، أو حتى بالولع الجنسي بالأطفال “البيدوفيليا”، بل إن امتلاك الأولاد الصغار هو في بعض الدوائر وسيلة لتأكيد السلطة، كما هو الحال في التباهي بالزوجة الجميلة.
غالباً ما ينحدر هؤلاء الفتية من بيئات فقيرة، أو يأتون من مناطق محفوفة بالمخاطر، يتم اختطافهم لجمالهم أو صغر سنهم، أو بيعهم من قبل أهاليهم ليصبحوا عبيداً جنسيين، محرومون من أي دعم أو قانون يحميهم، وإن تمكّنوا من الفرار من قبضة سيدهم فهم مجبرين على العيش بقية حياتهم مختفين مختبئين، أو الاتجاه نحو الدعارة لكسب العيش.
في أغلب الأحيان كانت تستقطب “طالبان” هؤلاء الفتية لتجنيدهم في تنفيذ عمليات هجومية ضد مراكزالأمن والشرطة الأفغانية، والقانون الأفغاني لا يتناول تلك الظاهرة على وجه التحديد، ولكن النصوص القانونية، والاتفاقيات الدولية المعمول بها في افغانستان كافية لقمع هذه الظاهرة، ولكن ليس هذا هو الحال بسبب قصور العدالة، ففي الخطاب السائد يعتبرونها مجرد إساءة معاملة الأطفال، وبالتالي فقد ازدهرت هذه الممارسة بسبب غياب سيادة القانون، والفساد، وصعوبة الوصول إلى العدالة، والأمية، والفقر، وانعدام الأمن، ووجود الجماعات المسلحة، حسبما أشارت اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان (AIHRC) في تقرير لها عام 2014م، وشدّدت على أن القانون الأفغاني يعاقب الاغتصاب والمثلية الجنسية، لكنه لا يحتوي على أي حكم محدد بشأن “باشا بازي”، ومن ثم هناك “فراغ وغموض” في النظام، فيما يخص هذا الموضوع.
لا مشاكل مع المثلية الجنسية
تشير السيدة اليستير “غريتارسون” الناطق الرسمي باسم منظمة اليونيسف، وغيرها من عمال الإغاثة لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أن الضحايا يترددون عموماً بشدة في الإبلاغ عن حالات العنف، خوفاً من الوصمة وجرائم الشرف والانتقام، وفي بعض الحالات، يُتهم الأولاد – وليس الجناة – بالمثلية الجنسية أو جرائم أخرى، ويؤكّد عامل إغاثة أفغاني من مقاطعة ننكرهار الشرقية: “لن يقول الصبي أبداً: هذا الشخص مارس الجنس معي”.
يؤدي وجود هذه الممارسة داخل الشرطة الأفغانية إلى تفاقم حالة انعدام الأمن في الأقاليم غير المستقرة، مثل “أوروزجان” في جنوب البلاد.
في تقرير نشر نهاية عام 2015م، حذّر الكونجرس الأمريكي من أن “السلوك الجنسي المفترس للجنود وضباط الشرطة الأفغان، من المرجح أن يقوض الدعم الأمريكي والأفغاني لهذه القوات، ويعرض للخطرعشرات المليارات التي استثمرتها واشنطن لدعم القوات الأفغانية، والتي يدعمها ويدربها حلف شمال الأطلسي”
الضحايا يتحدّثون
يروي الفتى “غول” وعمره 15 عاماً، وهو أحد الناجين هرباً من مركز الشرطة، حيث يتم الاحتفاظ بهم قائلاً: (كانوا الأسياد في المركز يتباهون مَن غلامه أجمل من غلام الآخر، أو مَن رقصه أفضل).
بينما يروي باشا آخر ، وهو فتى يبلغ من العمر 17 عاماً، من قرية فقيرة في منطقة سانجين بمقاطعة هلمند الجنوبية لشبكة “إيرين”: (يعرف والداي ما أفعله، ولكنهما لا يفعلان شيئاً، لأن الرجال الذين لديهم “باشا” يتمتعون بقدر كبير من السلطة – فهم لايخشون أحداً، كما إن مجالسة الأطفال شائعة جداً في الجنوب، لدرجة أنه لا توجد مشاكل مرتبطة بهذه الممارسة).
فتى آخر يعترف قائلاً: (كنت عاطلاً عن العمل، وعرضوا علي أشياء لم تكن لدي)، مؤكّداً أنه من الضروري أن يكون الباشابازي الذي لديه باشا قادراً على توفير كل ما هو ضروري ليعيش حياة جيدة – على سبيل المثال، المال، والسيارة، والملابس الجميلة وأشياء أخرى من هذا القبيل. ويقول: (الآن لدي كل ما أحتاجه، في حين أن منزلي في القرية لم يكن فيه أي شيء).
صدمة نفسية والانخراط في دورة العنف
يقول المشرف السابق لإقليم “قندوز الشمالي”: (إن بعض الفتيان يمارسون الجنس مع رجل واحد، بينما يمارس آخرون مع شركاء متعددين، الأمر يعتمد على الصبي، يمكنه أن يقيم علاقات مع مجموعة من عشرة أو خمسة عشر رجلاً… لكن الصبي لا يقول نعم للجميع).
يوضح “توماس روتيج” من شبكة المحللين في افغانستان: ( إن أعداداً كبيرة من الفتية قد تم اختطافهم، ويجري التعامل معهم كبضاعة، وفي حال حاولوا الهرب، يدركون أن أهاليهم سيواجهون خطر الموت)، موضحاً: (في معظم الحالات، يبدو أن الأولاد يُجبرون على أن يصبحوا “أولاداً راقصين”، وربما لا يدركون ما ينطوي عليه ذلك)،
يُتاح لهؤلاء الفتيان المال، والملابس، والقرب من السلطة الحصول على مكانة بين أقرانهم، لكن حالات الاغتصاب والعنف التي يتعرضون لها، توصمهم أيضاً في المجتمع. إن التعرف عليهم ومعرفتهم يشجع على استغلالهم، خاصة من قبل أفراد قوات الأمن الأفغانية المتمركزين في المناطق الريفية.
وفقاً لما يعترف به “سوبرانج”، من لجنة حقوق الانسان الأفغانية المستقلة، فإن غالبية الرجال الذين لديهم فتية هم متزوجون، ويمكنهم قضاء يوماً مع الفتى والعودة إلى المنزل في المساء، وليس غريباً أن يقوم هؤلاء الرجال بتزويج بناتهم لهؤلاء “الأولاد” السابقين، ومواصلة علاقتهم بسرية تامة.
أشارت اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان في تقريرها إلى أن الضحايا، الذين يتعرضن للاغتصاب بانتظام، غالباً ما يعانون من صدمة نفسية خطيرة، ويظهرون علامات التوتر وفقدان الثقة بالنفس، اليأس والرغبة في الانتقام، ولذلك فالكثير منهم عندما يتجاوزون 18 من العمر ينخرطون في هذه الدائرة من العنف، لا سيما في ظل غياب الخدمات الكافية لرعاية هؤلاء الأطفال الذين واجهوا أسوأ الانتهاكات، و(من الصعب معرفة ما يحدث لهم بالضبط بعد ذلك)، كما يقول ويأسف “شارو لاتا هوغ”، الباحث في معهد تشاتام هاوس البريطاني.
سوف نستعرض لاحقاً تقرير وكالة الأنباء الفرنسية، والذي عرضت فيه تواطؤ رجال الشرطة والأمن الأفغانية، ودورهم الكبير في استمرارية هذه الظاهرة واستغلالهم لها، وكذللك خطورة الحديث عنها.
المصادر:
اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الانسان.
وكالة ايرين الإخبارية.
منظمة اليونيسف.
مجلة Le temps السويسرية.
وكالة سيما الآسيوية.
*إعداد: دلال ابراهيم.