زواج القاصر المعتدى عليها بإذن قضائي جريمة هدفها التغطية على جريمة بغطاء شرعي

هل يمكن الركون إلى قوانين جائرة تبيح اغتصاب الطفلة المجني عليها  للمرة الثانية بغطاء قانوني تحت مسمى “ستر الفضيحة“؟

بعد مماطلة استمرت ثلاثة أشهر، وعلى أثر ضغوط قبلية، وإصرار والد الطفلة المغتصبة “جنات سياغي” على عدم  المساومة على حق ابنته الضحية، ومحكمة صنعاء تلقي القبض على الجاني للمثول أمام  المحاكمة.

بشريط فيديو الأب ينتخي باليمنيين والقبائل لمساندته

قضية الطفلة اليمنية “جنات السياغي” ذات التسع سنوات، والتي تعرضت لاعتداء جنسي من قبل مواطنها “أ.ح.نجاد” في صنعاء، وموقف والدها الشجاع المشرّف إلى جانبها، وإصراره على عدم التستّر على قضيتها، في مجتمع محافظ تحكمه العادات والأعراف القبلية المحافظة، يوصم  بالعار كل من يتعرض لمثل هذه الأعمال العدوانية، هي أحق وأولى أن تصبح ترند عالمي.

طاهر السياغي، والد الطفلة الضحية

هذا الرجل البسيط الواعي لمعنى الكرامة والحق، والذي استطاع أن يوصل للعالم أجمع مظلوميته ومظلومية طفلته التي واجهت وحش مفترس ومجتمع متخاذل، صمد وقاوم كل المحاولات الرامية إلى تمييع قضيته عبر وساطات مشايخ ومحسوبيات، من أجل إقناعه بحلها ودياً، بحيث يتم تزويجها من المغتصب -المجرم- تحت مسمى العيب، والستر وتعويضه بمبلغ مالي معين أو قطعة أرض، مقابل تنازله عن القضية أمام القضاء، لكي يفلت المجرم من العقاب وإغلاق القضية، وبقي مصراً على مطلبه وإلى جانبه وقفت الفئة الأكبر من المواطنين اليمنيين، مطالبين بتطبيق الشرع والقانون بحق هذا الذئب البشري.

منذ بداية الأمر، حين علم بما تعرضت له ابنته حين كانت متواجدة على درج البناء الذي تقطن به من اعتداء عليها، استطاع هذا الأب شرح قضية ابنته، عبر مقطع فيديو سجّله وبثه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، تحدث فيه عن جريمة اغتصاب طفلته والتفاصيل المروعة التي تعرّضت لها على يد الجاني، مطالباً بتطبيق القانون عليه، ومناشداً شرفاء اليمن وكل المواطنين مساندته لتحويل قضيته إلى قضية شرف ورأي عام، مشيراً إلى أن الجاني يستند لقيادات ومشرفين من جماعة الحوثيين – ونشرت وسائل إعلام يمنية أن الجامني هو أحد القيّاديين لدى جماعة الحوثيين- ويمارسون ضغوطاً عليه، محاولين إجباره على تزويجها منه، وبذلك تمكّن من حشد تأييد أعداد كبيرة من اليمنيين، وتنظيم وقفات تضامنية إلى جانبه في ميادين صنعاء، وتوافد القبائل اليمنية لتقديم الدعم له، بالإضافة إلى الحملات الواسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تأييداً لقضيته، معبّرين عن استيائهم الشديد من الحادثة، ومطالبين الجهات المعنية بسرعة إحالة ملف القضية إلى القضاء، لينال الجاني عقابه العادل، مشدّدين على ضرورة تشديد العقوبات على مثل هذه الجرائم البشعة المتكررة باستمرار، مهددة أمن وسلامة المجتمع.

محاولة الجاني الاستفادة من موقعه المتنفذ وشجاعة والد الطفلة

بحسب مصادر حقوقية، يمارس مشرفون من الحوثيين التي ينتمي إليها الجاني ضغوطاً على والد الطفلة، للحيلولة دون إحالته للجهات المعنية ومعاقبته بصورة عاجلة، جرّاء الجريمة التي أثارت غضب المواطنين والرأي العام.

من النادر أن نجد أب في مثل هذه الظروف، ويخرج ليتحدّث علناً، وبرفقته ابنته في جميع اللقاءات التي يجريها عما تعرضت له طفلته، خصوصاً في بلدان غالباً ما يتكتم فيها الناس عن مثل هذه القضايا تحت مسمى “السمعة والشرف”.

ما يتعرض له والد الطفلة، يكشف حجم ما يمكن أن يُرتكب من تجاوزات على اهالي الضحية حين يكون الجاني من ذوي النفوذ القوي، إذ يكون جل هدفهم التغطية على الجريمة، مع سعي الكثير من الاطراف المتنفذة لوضع أحكام ظالمة وقاهرة لا تحقق العدالة، بل تشكّل غطاء للجاني، وهدر لحقوق الضحية، ولا زالت القضية أمام المحاكم، ولا زال الأب ينتظر العدالة لقضية ابنته.

أصدر رئيس المحكمة الجزائية الإبتدائية المتخصصة القاضي “يحيى منصور”، أمس الموافق 13 من الشهر الجاري، حكماً قضائياً بمعاقبة الجاني احمد حسين نجاد، والذي ثبت اغتصاب الطفلة جنات، بالسجن 15 سنة، ودفع غرامة قدرها 6 مليون ريال لأسرة الطفلة، وظهر والد الطفلة “طاهر السياغي”، في مقطع مرئي متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، معبراً عن غضبه من حكم الجزائية المتخصصة، الذي قضى فقط بالسجن والغرامة المالية على مختطف ومغتصب ابنته، وأعلن رفضه للحكم، في حين ذكرت مصادر قانونية أن هذا الحكم يعد تلاعباً بقضية الطفلة، لأن مرتكب الجريمة لم يأخذ جزاءه المناسب وفقا للقانون اليمني المعروف، كونه قام باختطاف الطفلة، واغتصابها وتهديد أسرتها، وهذه عدة جرائم لكل جريمة منها حكماً خاصاً وفق القانون، في حين يُعتبر الحكم الصادر بحق الجاني مخفّفاً جداً.

القاضي يحيى منصور وأعضاء المحكمة اليمنية التي حكمت بقضية الطفلة اليمنية “جنات”

العادات والأعراف أقوى من سلطة القانون

الجدير ذكره، ما زال يُنظر في معظم شرقنا العربي إلى جريمة الاغتصاب على أنها جناية وجريمة موجهة ضد “شرف” أسرة الضحية، وليس كنوع من أنواع العنف ضد النساء والفتيات والانتهاك لسلامتهن البدنية، ولهذا السبب يعتبرون زواج الضحية بمغتصبها نوعاً من التعويض عن هذا الاعتداء، ويؤدي إلى سحب محاكمة المغتصب، حتى أنه في القانون يلفون ويتلاعبون بمصطلح “اغتصاب” ويكتفون بالإشارة على أنها “هتك عرض” أو “أعمال مخلة بالآداب أو منافية للحشمة” دون التوضيح الدلالي لهذه العبارات.

لا زالت المادة القانونية التي تسمح بتزويج الفتاة المغتصبة من مغتصبها سارية في العديد من الدول العربية، وحتى الآسيوية والأميركية اللاتينية,، وهذا ما يعتبره الناشطون جريمة، وتشجيعاً من القانون على الاغتصاب، فقبل أن تستوعب الفتاة صدمة اغتصابها تتعرض لصدمة أصعب، وهي إجبارها من قبل أفراد أسرتها وأفراد العشيرة على الزواج من مغتصبها، وإلا سيتم قتلها غسلاً للعار، أي أن القضاء لا زال يتعامل وفقاً للتقاليد والأعراف السائدة مع تلك القضايا، ويعطى الضحية دور المجرم، بينما المجرم الفعلي صار هو الضحية والمتفضّل على المغتصبة بالزواج منها و”سترها”، وبهذا تضطر لتعيش معه تحت تهديد “وصمة العار”، و مأساة اغتصابها يومياً، هذا ناهيك عن تعرضها للضرب، والإهانات والإذلال لأنها وفقاً للتقاليد البائسة باتت: “معيوبة”

تعكس هذه المسألة مدى قوة الأعراف العائلية، والتي لا تزال تحول دون تحقيق العدالة ونيل حق ضحية الاغتصاب، وهذا ما أكدته لنا السيدة “فريال شاهين”، الباحثة والناشطة في قضايا المرأة، مؤكّدة أن التراضي في حالات الاغتصاب خطيئة أسرية لا تُغتفر، داعية إلى ضرورة أن تتمسك الضحية وأهلها بالمطالبة بحقها من المعتدي عليها، لينال وفق القانون عقوبة ما اقترفه.

مضيفة القول: (تُحدث هذه القضايا جدلاً أسرياً وحقوقياً واسعين، لكونها تعكس كون الأعراف العائلية لا تزال أقوى من سلطة القانون والدستور، وتقف حائلاً أمام تحقيق العدالة وأخذ حق ضحية الاغتصاب، التي تكون غالباً مجبرة على القبول بالتصالح تحت ضغوط أسرية لا تستطيع الوقوف أمامها، أو الهروب منها لتطلب من القضاء القصاص من مغتصبها).

فرص الجاني في الإفلات من القصاص واسعة

أصبح من يعرف بـ”الذئب البشري”، الذي يفكر في الإقدام على خطوة انتهاك براءة طفلة، يُدرك جيداً أنه أمام ثلاثة احتمالات، الأول أنه قد يفلت من العقوبة الجنائية، أو من ورطة الزواج إذا التزمت الضحية وأسرتها الصمت، وهذه الفئة موجودة بكثرة، أمام رهبة المجتمع والخوف من الفضيحة والعار الذي تدّعي أسرة الفتاة أنه سيطاردها طوال حياتها، لذلك تصمت إلى الأبد.

والاحتمال الثاني أن تكون هناك مصالحة عرفية بين أسرتي الجاني والضحية، تنتهي بعقد زواج يتفق عليه جميع الأطراف، ويقتنع به القاضي، ولا يصدر حكما طالما تنازلت عائلة المجني عليها عن مقاضاة المتهم، وهنا يفلت من العقوبة مستفيداً من ثقافة الأعراف التي يقدّسها المجتمع، ويفضلها على اللجوء إلى القضاء في الكثير من الجرائم، علماً أن هذا الزواج، وفق “شاهين” يظل حلاً مؤقتاً للشاب الذي قد يتنصل من الفتاة في أقرب فرصة، وإذا عاش معها يعاملها بطريقة وحشية لإجبارها على الطلاق، مستطردة القول:

(ضحية الاغتصاب يصعب، بل يستحيل أن توافق على الزواج من المجرم الذي انتهك جسدها، إلا تحت ضغوط لا تستطع مواجهتها، أي أن زواجها تم بالإكراه، وهذا اعتداء جسدي جديد بغطاء شرعي، ويتعارض مع المبادئ الإنسانية والقوانين؛ فالزواج من المغتصب اغتصاب مزدوج للضحية).

لا شك أن معالجة المشكلة بتزويج المغتصبة من المعتدي عليها تقود إلى إباحة جريمة الاغتصاب، وقد يشجع ذلك المزيد من الذئاب البشرية على ارتكاب الأفعال نفسها بحق الفتيات، وبدلاً من محاكمتهم جنائياً ليكونوا عبرة لغيرهم، تتم مكافأتهم على الخطف والاغتصاب بالزواج من الضحية.

الاحتمال الثالث، وهو الأضعف في ظل هيمنة ثقافة الصمت والعادات والتقاليد على عقليات الكثير من الأسر، أن تتم محاكمة المتهم بالاغتصاب بنصوص القانون، لكن ذلك يتطلّب شجاعة من الفتاة في مواجهة المجتمع، ودعماً غير محدود من أسرتها، وجرأة في مواجهة التهديدات التي قد تتعرض لها وعائلتها على يد المتهم وأسرته.

مبرِّرات القضاء وعذر أقبح من ذنب

في دراسة أجراها حقوقيون وخبراء قانون، رصدوا فيها مبرِّرات القضاة في السماح بتزويج الفتاة القاصر من مغتصبها، وذكروا أن من ضمن المبررات المعتمدة أن القضاة يمنحون الإذن بتزويج الطفلة القاصر، خوفاً عليها من الوقوع في علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة لزواج.

وجاء في الدراسة:

(يُلاحظ أن عدداً من الطلبات المقدمة الى المحاكم للحصول على إذن بتزويج الطفلات، تعتمد على مبررات من قبيل الخوف عليهن من العنت، أو الوقوع في المعصية أو الفساد)، كما توصلت الدراسة التي تم تقديمها بمناسبة الحملة العالمية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي في الثاني عشر من الشهر الجاري، إلى أن عدداً من المقرّرات القضائية التي تستجيب للطلب، تعتمد على نفس هذا المبرر، حيث يتم تبرير شرط المصلحة في الخوف من دخول الطفلة في علاقة جنسية خارج إطار مؤسسة الزواج، وتعتمد لذلك عدة مبرِّرات من قبيل (الاتقاء مما يخشى معه العنت، أو ما تتطلبه المحافظة على العفة، والشرف، والحماية والإحصان من الوقوع في الفساد).

وهل هناك أقبح من هكذا عذر؟؟!!!!

مصادر عرض قصة الطفلة اليمنية:

https://www.almajhar.net/cat/news/news20782.html

  • موقع صحافة نت الإلكتروني:

https://sahaafa.net/show203240489.html

*إعداد: دلال ابراهيم