مخاوف على الأطفال من تبعات هذا القانون…
كان موضوع تحديد السن القانونية لإقامة علاقة جنسية بالتراضي في فرنسا، موضع جدل كبير على الساحة الفرنسية، على عكس نظيراتها الأوروبيات، التي حسمت الموضوع قانونياً. ولذلك جاءت موافقة نواب البرلمان الفرنسي ” الجمعية العمومية “، على مشروع قانون يضع الحد الأدنى لسن ” الرضائية الجنسية “، أي الموافقة على ممارسة الجنس بعمر 15 عاماً لمواءمة القوانين الفرنسية ذات الصلة مع معظم الدول الغربية الأخرى، مستبعد الطرح المقدم لتحديد 13 عاماً السن المسموح فيه إقامة علاقة جنسية، وعدم اعتبارها اعتداء جنسي. وحسب زعمهم يعزز هذا المشروع، ويدعم بقوة التشريعات السابقة.
ويُعتبر هذا التشريع أن أي علاقة جنسية يقوم بها راشد مع من يقل عن هذا السن ” جريمة جنسية”، يعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، مع دفع غرامة وقدرها 7500 يورو( المادة 227-25 )، وترى وزيرة المساواة بين الرجل والمرأة “مارلان شيابا”، وقد دُعي مشروع القرار هذا باسمها.
إن هذا القرار الذي حصل على موافقة مجلس الشيوخ استناداً لأولوية ” حماية القصّر” من الجرائم الجنسية، سيأتي ضمن مشروع قانون ضد االعنف الجنسي والتمييز على أساس الجنس، سيُعرض على مجلس الوزراء نهاية شهر آذار المقبل، ومن وجهة نظرها يطرح هذا التشريع الجديد حق ل”حظر جديد”، وهو أن إقامة علاقة جنسية مع قاصر لا تحتاج فيها المحكمة إلى البحث في فرضية موافقة القاصر، وبالمقابل ووفق هذا القانون، لا يستطيع القاضي إدانة المتهمين بالاغتصاب، وإنّما بالاستغلال الجنسي له، في حال ثبت بالإكراه، وفي تلك الحال فإن أقصى عقوبة هي المنصوص عنها آنفاً.
وقد اعتبر كثيرون أن مشروع هذا القرار لا يحقق الغرض، حيث يجيز ممارسة الجنس مع الأطفال، ولا يقع على مرتكب الفعل أي جرم، في حال عدم تقدم الطفل بشكوى الاغتصاب.
ويعتبرون أن سن الخامسة عشر غير كافية، لعدم اكتمال نمو المراهقين بعد جسدياً، وكونهم أطفالاً غير ناضجين، عاطفياً وذهنياً أيضاً، وطالب بعضهم بتشديد العقوبة لتصل إلى 20 عاماً، دون الحاجة إلى إثبات أنها حدثت بالعنف، أو الإكراه، أو التهديد، أو المفاجأة، وحتى ولو كانت بالتراضي، وبرأيهم أن مشروع هذا القانون لا يوفر حماية كافية للأطفال من ” المتحرشين الجنسيين “، ولن يضطر هؤلاء الأطفال بعد الآن إلى تبرير عدم الموافقة عند ممارسة الجنس مع شخص بالغ، هذا ناهيك عن الأثر النفسي الذي يخلّفه هذا الفعل على الطفل أو القاصر.
بينما بررت السيناتور” أنيك بيلون”، أن مشروع القانون هذا يهدف إلى وضع حد للعمر المسموح لممارسة الجنس بالتراضي، كي لا يضطر الأطفال لتبرير تعرضهم للتحرش أو الاغتصاب.
اعتبر محامون متخصصون بالقانون الجنائي، على غرار “سيسيل ناز- تيولي”، والمعارضون لهذا المشروع، أن القضاة سيؤدّون عملهم بشكل سيء حال خروج هذا القانون إلى النور والعمل به.
يُذكّر أن القانون الفرنسي لا يجرّم حالياً إقامة علاقة جنسية مع طفل سنه أقل من 15 عاماً، إلّا إذا ثبت أن العلاقة كانت بالإكراه، ولا يفرّق القانون الفرنسي بين عقوبة الاستغلال الجنسي لقاصر أو غير قاصر، ولكن العقوبات في جريمة الاغتصاب أقسى بكثير.
وكانت محكمة فرنسية، قد أسقطت في شهر تشرين الأول الماضي تهمة الاغتصاب عن رجل مارس الجنس مع طفلة عمرها 11 عاماً، لأن الضحية لم تثبت أنه ” أجبرها أو هددها أو عنفها أو فاجأها “، وفي قضية ثانية كانت الفتاة أيضاً في عمر 11 عاماً، لكن النيابة العامة حوّلت الدعوى المرفوعة بتهمة الاغتصاب إلى تهمة ” الاعتداء الجنسي “، لأن المحققين اعتبروا أن العلاقة تمت بالموافقة.
فضيحة السيناتور “أوليفيه دوهانيل”
وأثارت قضية الباحث في العلوم السياسية “أوليفييه دوهاميل”، الذي اتهمته ابنة زوجته “كامي كوشنير”، الزوجة السابقة لوزير الخارجية الفرنسية السابق “برنار كوشنير”، باغتصاب شقيقها التوأم، حين كان مراهقاً بعمر 14عاماً ضجّة إعلامية كبيرة، حيث كشفت “كاميل” بأن والدتها وشخصيات مقرّبة من العائلة، كانت على علم بهذه القضية، ولكّنها أصّرت على إخفائها لحماية زوجها، ولاذت بالصمت، وعلى إثرها أعلن “دوهاميل”، استقالته من جميع مناصبه التي يشغلها، والجدير ذكره، أنه استفاد من موضوع تقادم الوقائع التي مرّ عليها أكثر من ثلاثين عاماً للإفلات من القضاء.
سن الرضا الجنسي في الدول الأوربية
يشعر بعض المعنيين في أوروبا بالقلق، من أن ممارسة الجنس في عمر صغير قد يؤدي إلى زيادة أخرى في معدلات الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، وحالات الحمل غير المرغوب فيها لدى المراهقات، وتعني الموافقة أو ( التراضي ) بين الطرفين، حسبما هو منصوص عليه في القانون الفرنسي على أنه غياب :
-العنف.
-الإكراه: أي اللجوء إلى الضغط الجسدي أو المعنوي، وإساءة استخدام الموقع أو المنصب.
-التهديد: اللجوء إلى التهديد بالقيام بأعمال انتقامية، في حال رفض الضحية.
-المفاجأة: اللجوء إلى حيلة لمفاجئة الضحية، أو الإساءة له في حال فقدانه الوعي، أوثمالة، وما إلى ذلك.
ويُعاقب جنائياً، القيام بالاعتداء الجنسي على شخص دون سن الخامسة عشر، لأنّه يُعتبر في هذا السن صغيراً بما فيه الكفاية، بحيث لا يمكنه الموافقة بحرية، على ممارسة الجنس مع شخص آخر.
ما لا يسمح به التشريع الحالي، هو تصنيف أي فعل جنسي يُرتكب مع شخص دون 15 عاماً، على أنه تم ارتكابه بالضرورة بالعنف، أو الإكراه، أو التهديد، أو المفاجأة والتي تقع بالضرورة ضمن نطاق الاعتداء الجنسي. ومع ذلك تنص المادة (1-22-222)، على أن “السلطة القانونية أو الفعلية”،التي يُمارسها البالغ على هذه الضحية، و”فارق السن” بين الاثنين، يُشكلان إكراهاً أخلاقياً، دون تحديد ماهو مقدار هذا الفارق، أي أن القانون الحالي لا يُمانع في اعتبار أن أي فعل جنسي مع قاصر بعمر 11 عاماً، يُمكن أن يكون قد ارتُكِب دون اللجوء إلى العنف، أو الإكراه، أو التهدديد أو المفاجأة .
وما يُعرف بأنه (السن الرشدي)، والمحدد بسن 15عاماً، لا يُعتبر مصطلحاً قانونياً، وبموجب قانون العقوبات تم تعريفه ” في فراغ “، على أنه السن الذي يُمكن أن يمارس فيه الشخص البالغ أفعالاً جنسية دون مخالفة مع قاصر، ويزداد هذا العمر إلى 18 عاماً في حال كان الشخص الراشد في موقع سلطوي تجاه القاصر، وعلى العكس من ذلك، لا يمنع سن الرشد قاصرين من إقامة علاقة جنسية بينهما، في حال تمت برضاهما .
من جهة أخرى تختلف سن المسؤولية الجنائية، أي” جنس دون موافقة “، أو العمر الذي يعتبر فيه القاصر قادراً على ارتكاب جريمة، ويخضعون لقانون جنائي خاص بهم بين الدول الأوروبية.
تم بحث سن المسؤولية الجنائية، والعواقب المرتبطة بها في تسع دول أوروبية: ( ألمانيا، انكلترا، بلجيكا، إسبانيا، وفرنسا، ايطاليا، هولندا، البرتغال، وسويسرا )، ليتبين لنا ما يلي:
-سن المسؤولية الجنائية مفهوم مطلق في بعض البلدان، ونسبي في بلدان أخرى.
–نادراً ما يخضع القصّر المسؤولين جنائياً، لعقوبات جزائية.
تنتمي انكلترا وويلز، وإسبانيا وهولندا، والبرتغال وسويسرا إلى المجموعة الأولى، بينما تنتمي ألمانيا، وبلجيكا، وايطاليا إلى المجموعة الثانية.
في المجموعة الأولى لا يمكن اعتبار القاصر الذي لم يبلغ سن المسؤولية الجنائية، مسؤولاً جنائياً بأي حال من الأحوال، ويتراوح سن المسؤولية الجنائية في تلك البلدان، بين اثنا عشر عاماً وستة عشر عاماً، فيما تم مؤخراً في انكلترا وويلز إلغاء افتراض عدم المسؤولية، الذي كان موجوداً لصالح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 14 عاماً. ومن الجدير بالذكر، إنن معظم تلك الدول تبحث في تخفيض سن القاصروالمسؤولية الجنسية.
وعلى النقيض من ذلك، لا يمنع سن الرشد الجنسي، القاصرين من إقامة علاقات جنسية بينهما في حال التراضي المتبادل، وتُعرّف العلاقة الجنسية التي يقوم بها البالغ مع الطفل بمصطلح ” البيدوفيليا “، وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا المصطلح لم يتم ذكره في قانون الجزاء، حيث لا يُمكن محاكمة أحد وتجريمه بسبب البيدوفيليا، وإنّما بسبب الاعتداء الجنسي على قاصر، نظراً لاعتبار البيدوفيليا مجرد مشكلة نفسية لا أكثر، والتي تعني الانجذاب نحو الأطفال، وبالتالي فهي تصنف ضمن الاضطرابات العقلية، والتي يُمكن أن تظهر بعدة أوجه، دون أن يؤدي بالضرورة إلى الفعل. وصورة الوحش البشري الذي يهاجم الأطفال في الشارع، هي صورة غير واقعية، نظراً لأن معظم الأفعال تحدث داخل الأسرة، أو حاشية قريبة من الأسرة.
*إعداد: دلال ابراهيم.