كثيرة هي الأمثلة عن أطفال تعرضوا للتحرش والاعتداء الجنسي، لترافقهم آثار تلك الجريمة ربما لبقية حياتهم، ولا أعلم نسبة الأشخاص الذين يستطيعون تجاوز ما حدث لهم بمساعدة ما، أو بقدرات ذاتية، فيتابعوا حياتهم بشكل طبيعي.
إلا أنني أجزم أن أولئك الذين كانوا ضحية لشائعات، أو افتراءات من أقرانهم، تحولت مع مرور الوقت إلى حقائق لا تقبل الشك في نظر محيطهم كاملاً؛ بدءاً بالمقربين منهم.
ومما سمعته عن حالات مشابهة، حادثة جرت قبل عقود من الزمن.
يقال وقتها أن مراهقاً ادّعى مفاخراً ذات مرة أنه تمكن من بنت جيرانه الصغيرة، والتي كانت تعتبر في مقاييس تلك الأيام صبية، إذ كانت قد بلغت الثانية عشر من عمرها، وعندما تسرّب الحديث وشاع بين الناس، هاج رجال أسرتها، فحبسوها وتشددوا في حراستها، وبدأوا بمحاولات التحقق من حديث الصبي الذي توارى عن الأنظار، وعندما لم يجدوا طريقة للتحقق من الشائعة في غياب الصبي وأمام إنكار الفتاة، بدأ رأي قتلها يُتداول بين أهلها، لكن رجلاً من قرية مجاورة سمع بالحادثة فقرر استغلال الظروف وطلبها للزواج؛ رغم أنه في مثل سن والدها، فوافق الأهل على الفور على صفقة الزواج المجاني، وانتقلت إلى بيته خادمة؛ مدينة له ببقاءها على قيد الحياة، ولم تشفع لها السنوات الطويلة عند أهلها، إذ استمروا بمقاطعتها.
يُذكر أن أحدهم نقل عنها في أيامها الأخيرة، قبل سنوات قليلة وقد بلغت من العمر عتياً، حسرتها وبكاءها الشديدين، مقسِمة كل حين أن ما من شيءٍ مما تم تداوله بين الناس عن تلك الحادثة يحمل ذرة من الحقيقة، ورغم ذلك فهي لم تجد أياً ممن تبقى من أخوتها، أو أخواتها قرب فراش موتها.
في المجتمعات التي تحكمها الأعراف والتقاليد، وجلّها ظالمة بحق المرأة والطفل، كما في مجتمعاتنا، تلعب الشائعات دوراً كبيراً في تغيير مصائر الأشخاص، فأي كلام يُطلق حتى من قِبل شخص مجهول، ويمس قضايا الجسد، وما يُسمى ب”العَرْض والشرف”، من السهل جدا أن يتحول إلى حقيقة في نظر الناس، حقيقة زائفة يدفع ثمنها ضحايا كثُر، وغالبيتهم من النساء والأطفال، وكثّر أولئك الذين غيّروا مصائر ضحاياهم بسبب كذبة فارغة، قيلت بدواعي التفاخر والغرور، والاستعراض.
*زيدون الجندي