راعني عندما اصطحبت طفلي إلى مدينة الفيحاء الرياضيَة، مشهدٌ عاديٌ جدَاً خطيرٌ جدَاً، مجموعة من الطفلات تتدرَبن على لعبة الجمباز مع مدرَب محترفٍ وأمام الجميع، أعمارهن بين الثلاث سنوات والأربعة عشر عاماً، يتهيأن لدخول مسابقةٍ على مستوى سورية.
مشهد جميل، طفلات ومدرُبٌ، وحركات رائعة، نطٌ، وقفزٌ، وفسخٌ ورقصٌ تعبيري، يمرُ عادياً جدّاً أمام الجميع، لكن بالنسبة لي كمحامية متمرّسة بقضايا حقوق الطفل، لم يكن عاديَاً أبداً.
تفاجأت من اللمس الذي بات طبيعياً، وكذلك الشتائم التي باتت طبيعية (بقرة، طبوشة، كربوجة، طمطومة…الخ)، الفتيات اعتدن على تلك الألفاظ، وكذلك اللمسات حتى باتت عاديّة للجميع إلا لي، فأنا لأوّل مرّة أدخل نادي رياضي، وأوَل مرة أشاهد كيفية التدريب، سألت من معي من السيدات، هل يجدن هذا الأمر طبيعياً؟ أخبرنني أنهن اعتدن هذه المشاهد، لكنهن لا يحبذنها، لكن (الكل هيك وعادي).
أن يصبح انتهاك الحق أمراً عادياً ومألوفاً، فهذا بحدّ ذاته كارثةً أخلاقيَة وقانونيَة، لكن هل يتحدّث عنها القانون؟ وهل سمتها وحدّدتها اتفاقية حقوق الطفل؟
هو ليس استغلالاً جنسياً، وليس اغتصاباً، ولا هتك عرض ولا فعل مناف للحشمة.
إنّه تحرّش رياضي، وضع الأيدي في الأماكن الحسّاسة، والضرب عليها، ولمس أماكن بالجسم لا ضرورة لها، كلّ ذلك هو تحرّش بالجسد، هو اعتداء على الجسد تحت اسم التدريب.
محاباةٌ للمدرِب وملاطفةً للمتدربة، كلّها حريَة شخصيَة، لكن عندما يكون المعتدى عليه طفل، فالأمر ليس حريَة، فللأطفال حقوق، ومبادىء حماية، وهذا ما تلحظه اتفاقية حقوق الطفل، فهي لا تعطي الطفل حقه فقط، بل هي تحميه وترعاه لأنه يحتاج لذلك، لكن كيف حمت الأطفال أثناء اللعب الرياضي؟
اعترفت الدول المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل، ضمن المادة 31 بحق الطفل بمزاولة الألعاب والأنشطة، وتعهّدت في المادة 34 بحمايته من أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، وكذلك الانتهاك (والذي قد يندرج تحته فعل التحرُش)، لكنها لم تحدد الفعل وغايته، فقد يرغب الطفل به، ولا يدرك أنه تحرّش، لكن عندما يكبر سيتذكَر تلك الأفعال جيداً (أو ستتذكر جيداً)، وهذا ما قد يؤثر سلباً على سلوكه وردود أفعاله، ولذلك وضعت الأمم المتحدة إجراءات خاصة باللعب والتدريب، للأندية والمدربين/ات تضبط التعامل مع الأطفال، بتصوري لأن الاتفاقية وكذلك ملحقاتها لم تحدد المعايير والطرق، لذلك كان لا بد من وضع إجراءات دوليّة، لوقاية الأطفال أثناء ممارسة الرياضة، لتصبح الأندية بيئة آمنة للأطفال.
اهتمت هذه الإجراءات بتطوير سياسات الأندية الرياضية، ووضع إجراءات الاستجابة، والمشورة، والدعم، ومحاولة تقليل الأخطار للحد الأدنى، ووضع مباديء سلوكية توجيهية، والرصد والتقييم لكل مرحلة زمنية، والأهم مدونات سلوك تلتزم بها الأندية الرياضية، للتعامل مع الأطفال، وحمايتهم من العنف والاستغلال.
لكن كان من المفترض توضيح التحرّش ضد الأطفال، وفهم العبارة وتعريفها، فالتحرّش هو كل فعل غير مرغوب فيه، يتضمّن إيماءات جنسية.
لكن في مفهوم التحرش ضد الأطفال، يجب أن تُلغى كلمة غير مرغوب فيه، بل النيّة السيئة والفعل السيء، وأي لمسة بنية سيئة، أو غير سيئة، أو مرغوبة، أو غير مرغوبة، قد تؤثّر سلباً على الطفل.
أطفالنا هم مسؤولية تقع على عاتقنا حمايتها، وعلى القانون واجب تفنيد أي ممارسة أو فعل، وتعريفه، وتوضيحه في التعليمات التنفيذية لأي قانون، فالقوانين غفلت ذكر المصطلحات المحدّدة للتحرش ضد الأطفال في أماكن اللعب، أو المدرسة، أو دور العبادة أو العمل…وغيرها، وعلينا نحن المهتمين والنشطاء، القيام بحملات توعوية للمجتمع، ولصنّاع القرار، وللمشرعين/ات، لتجريم كل الأفعال التي تؤدّي إلى إهانة كرامة الطفل.
*ملحق:
1.المادة 31
. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في الراحة ووقت الفراغ، ومزاولة الألعاب وأنشطة الاستجمام، المناسبة لسنه والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية وفى الفنون.
2.تحترم الدول الأطراف، وتعزز حق الطفل في المشاركة الكاملة في الحياة الثقافية والفنية، وتشجع على توفير فرص ملائمة، ومتساوية للنشاط الثقافي، والفني، والاستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ.
المادة 34
تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل، من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي. ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنية، والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع:
(أ) حمل أو إكراه الطفل على تعاطى أي نشاط جنسي غير مشروع.
(ب) الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة، أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة.
(ج) الاستخدام الاستغلالي للأطفال، في العروض والمواد الداعرة.
*إعداد: المحامية رهادة عبدوش، مسؤولة القسم القانوني لمؤسسة نداء.