بعد فضيحة الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها الأطفال في بعض الكنائس الألمانية، والتي ظهر بعضها في بدايات عام 2021م، وبسبب طريقة تعاطي الكنيسة مع هذه القضية وعدم الشفافية، أظهر استطلاع رأي قد أعد في مارس/ آذار الماضي من معهد “يوغوف” لقياس مؤشرات الرأي، وشمل الاستطلاع 2067 ألمانيا، أن نسبة عالية من المشاركين بالاستطلاع قد فقدوا ثقتهم بكنيستهم، وقد عبّرت 82 بالمائة من المستطلعة آراؤهم أن الكنيسة فقدت مصداقيتها بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، بينما عارضهم 8 بالمائة. فيما لم يستقر نحو 11 بالمائة على رأي واضح، وعن دوافع التفكير في خروج محتمل من الكنيسة، ذكر 39 بالمائة أن التعامل غير الشفاف مع مزاعم الانتهاكات الجنسية، سيكون سبباً محتملاً لانفصالهم عن الكنيسة، وجاءت ردود الفعل هذه، بعد أن أثير جدل في الرأي العام حول التقرير الخاص بحالات الاعتداء الجنسي داخل الكنيسة، والذي حجبه الكاردينال راينر ماريا فولكي في مدينة كولونيا.
كان رئيس أساقفة ميونيخ “راينهارد ماركس” قد طلب من البابا الإعفاء من مهامه بسبب “الفشل المؤسساتي”، بعدما كُشف عن قرابة أربعة آلاف طفل تم الاعتداء عليهم جنسياً منذ عام 1946م، فقد أظهر تقرير نشر في 2018 بتكليف من مؤتمر الأساقفة الألمان، خلال رئاسة ماركس أن 1670 رجل دين ارتكبوا اعتداء جنسياً ما بحق 3677 قاصراً، غالبيتهم صبيان، بين الأعوام 1946 و2014، لكن معدي التقرير قالوا إنه من شبه المؤكد أن العدد الفعلي للضحايا أعلى بكثير، وانتقد الكاردينال موقف الكنيسة بالتملص من تحمّل المسؤولية عن ما أسماه ب” الإخفاقات الشخصية والفساد الإداري”، بقوله في رسالة موجهة إلى البابا: (بالنسبة لي يتعلق الأمر بشكل أساسي بتقاسم المسؤولية عن كارثة الاعتداءات الجنسية، والتي ارتكبها مسؤولون في الكنيسة في العقود الأخيرة).
وفي عام 2020م، أظهر استطلاع أجرته منظمة منظمة المؤتمر الألماني لرؤساء الرهبان (دي أو كيه)، أن ما لا يقل عن ثلث الرهبان والراهبات في الكنيسة الكاثوليكية، قد طالتهم اتهامات بممارسة انتهاكات جنسية بحق أطفال ومراهقين
ليس في ألمانيا فقط، بل أن الأخبار حول العالم لا تتوقف حول الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها الأطفال في أروقة الكنائس، ففي عام 2019م، فتح الفاتيكان أ تحقيقاً داخليا بحق الكاردينال الأسترالي “جورج بيل”، بعد إدانته بالاعتداء جنسياً على طفلين في جوقة كنيسة، بحسب ما أعلن متحدث باسم الكرسي الرسولي (27 فبراير/ شباط 2019)، و”بيل” الذي كان في السابق أحد أقرب مستشاري البابا فرنسيس، و شغل الكاردينال بيل منصب كبير أساقفة أستراليا ووزير اقتصاد الكرسي الرسولي، وهو ثالث أعلى منصب في دولة الفاتيكان، هو أرفع رجل دين كاثوليكي تتم ادانته بجرائم جنسية ضد أطفال.
كما أعلن الفاتيكان عام 2019م، تجريد كبير أساقفة واشنطن السابق “ثيودور ماكاريك” من وضعه الكنسي، بعدما وجدت لجنة تأديبية أنه مذنب بممارسة الجنس مع بالغين وقصر. وذكر الفاتيكان في بيان له أن مجمع عقيدة الإيمان وجد أنه “مذنب” بـ”ارتكاب خطايا ضد الوصية السادسة مع قصر وبالغين وبإساءة استغلال السلطة”، وكان “ماكاريك” أحد القادة الأكثر نفوذاً في الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية.
كما كشفت سلطات التحقيق في ولاية بنسلفانيا أمس الثلاثاء (14 أغسطس/ آب 2018)، عن تفاصيل مفجعة بشأن حجم جرائم الاعتداء والتحرش الجنسي بالأطفال، والتعتيم على هذه الجرائم في الكنيسة الكاثوليكية بالولايات المتحدة الأمريكية، واتهمت السلطات أكثر من 300 قس كاثوليكي، لم تذكرهم بالاسم، بارتكاب جرائم الاعتداء والتحرش الجنسي بالأطفال، فيما تقدم 95 ألف شخص من ضحايا الانتهاكات الجنسية، بطلب تعويضات لدى حركة كشّافة شباب أمريكا (بوي سكاوتس أوف أميركا)، في فضيحة تجاوزت على ما يبدو حدة فضيحة مشابهة بالكنيسة الكاثوليكية.
كما في بولندا، توجه الآلاف من ضحايا الكنيسة الكاثوليكية إلى القضاء، بهدف محاكمة مسؤولين في الكنيسة عن تعرضهم للاعتداءات الجنسية.
وكان بابا الفاتيكان “فرنسيس الأول”، قد تعهّد خلال القمة الكنسية (24 فبراير/ شباط 2019) أمام ما يقرب من 200 شخص من الأساقفة وغيرهم من كبار الشخصيات في الكنيسة، بأن الكنيسة الكاثوليكية سوف تتوقف عن التستر على جرائم تحرش القساوسة بالأطفال، وشّبه الاعتداءات الجنسية على القاصرين “بأضاحي” الأطفال في “الطقوس الوثنية”.
وقال البابا في كلمته في ختام الاجتماع الذي استمر أربعة أيام: (لا يجب أبدا التستر على أي انتهاك، كما كان معتادا في الماضي، أو تجاهله، حيث أن التستر على الانتهاكات يدعم انتشار الشر ويضيف طبقة أخرى إلى الفضيحة)، كما أكّد وفي كلمته على أنه (إذا كان يجب أن تظهر في الكنيسة حالة واحدة من الانتهاكات -التي تمثل في حد ذاتها بالفعل عملا فظيعاً- فإن هذه القضية ستتم معالجتها بمنتهى الجدية).
وبعد هذه القمة، كانت قد بدأت فعلياً مساعي حقيقية في الكنائس للتحقيق في قضية الاعتداءات الجنسية، وبدأت تظهر التقارير التي أعدتها لجان مستقلة، وأظهرت نتائج صادمة هزت أركان الكنيسة الكاثوليكية.
بعد هذا الاهتمام الواسع من المؤسسات الدينية المسيحية، وعلى أعلى المستويات بهذه القضية، هل يُمكن أن نشهد اهتماماً مماثلاً في المؤسسات الدينية الإسلامية التي ترعى الأطفال، وإن اختلفت سياقاتها عن تلك المؤسسات المسيحية، وهل يُمكن أن نشهد بروز حركة إصلاح ديني في مختلف المؤسسات الدينية التي تمثل كل الاديان والتصدي لهذه الظاهرة علناً؟
المصادر: وكالة رويترز، وكالة الأنباء الفرنسية، موقع دويتشه فيليه الإخباري، وكالات عالمية.