لماذا يرتكب الجناة هذا الجرم بحق الأطفال، وكيف فسّر العلماء والاختصاصيين جريمة الاعتداء الجنسي على الطفل؟
تقول السيدة “منال الشيخ”، ماجستير في الإرشاد النفسي، وأخصائية في الاضطرابات التالية للصدمة: (تسعى بعض النظريات إلى الكشف عن عامل وحيد مسؤول عن هذه الظاهرة، فبحسب فرويد يوجد لدى بعض الراشدين ميول مخفية لإدراك الأطفال كمواضيع للاثارة الجنسية، وإن نظام القيم الاجتماعية يفرض على مثل هذه الميول الحظر التام، مما يؤدّي إلى كبت معظم هذه الميول).
في حين تفسّر نظريات أخرى هذه الجريمة، وفقاً لمعايير أخرى، ترتبط بالبيئة المحيطة، وأسلوب التربية، وأنماط اكتساب السلوك، ولا تغفل بعض النظريات حتى العامل البيولوجي أو الفيزيولوجي، وكل ذلك يندرج تحت محاولة تفسير الميل الجنسي نحو الأطفال، أو ما يُسمى ب”اشتهاء الأطفال” أو “البيدوفيليا”، ولكنه لا يُفسّر حدوث الاعتداء على الطفل.
تقول الدكتورة في علم الاجتماع في جامعة دمشق، “رجاء مريم”: (إن الفاعل هو مريض نفسياً “سيكوباتي”، بمعنى لديه اضطراب الشخصية المُضادة للمجتمع، لأن في ذلك خرق لكل القيم، والقوانين الاجتماعية، والمعايير النفسية.
كثيرة هي النظريات النفسية، والاجتماعية والطبية حتى التي تحاول تفسير أسباب ودوافع الجناة، لكن الاكتفاء بالقول إن الجاني” مريض أو مضطرب نفسياً”، فيه الكثير من التبرير غير المعقول لارتكابه جريمته، فالميل الجنسي للأطفال من الممكن أن يوجد عند عدد من الناس، دون أن يتحولوا إلى جناة ومعتدين على الأطفال، إذا يسعى بعضهم إلى العلاج وتعديل هذا الميل، في حين يتعايش بعضهم مع هذا الميل مدى الحياة دون أن يعتدي على أي طفل، ويتجنب اختلائه بالأطفال لألا تغلبه شهواته، فمن المهم التأكّيد أن ليس كل “بيدوفيلي” مجرم وجاني، ويؤكّد عدد من الباحثين والمتخصصين على عدة عوامل وراء وجود هذا الميل أولاً، ومن ثم أسباب دفعه بصاحبه لارتكاب جريمة الاعتداء على الطفل، وهذا منوط بعوامل متعددة منها التربية، وطبيعة الشخصية، وما تعرضت له خلال مراحل نموها، وغياب الوازع الأخلاقي، والأهم أيضاً مسألة الإفلات من العقاب، بسبب التكتم والتستّر، أو تراخي القوانين وتطبيقها بصرامة، مما يشجع الجناة على الاستمرار بتكرار جريمتهم هذه.
خطوات لمساعدة الطفل ضحية الاعتداء الجنسي على تجاوز محنته
عن كيفية مساعدة الطفل اجتماعياً وأسرياً، تقول الدكتورة “رجاء”: (لا بدّ أن يكون الأهل قادرين على مواجهة الأزمة، ومساعدة طفلهم على تخطي التجربة المريرة التي يمر بها، بتقديم العناية الطبية، والنفسية، والاجتماعية اللازمة للطفل الضحية، لضمان عدم وقوعه في مشكلة الخوف الدائم من العالم الخارجي، ومساعدته على تخطي أمور كثيرة كالخجل والشعور بالذنب ولوم الذات، والخوف من الوصمة والشعور بالعار.
أما الأخصائية “منال”، فتقول: ( إن دور الأسرة هو أولاً التأكّد من أن الشخص الذي قام بالاستغلال لن يكون في وضع يمكنه الوصول للطفل مجدداً، مع توافر شخص يثق به الطفل، ويتواصل معه، و يساعده على تخطي محنته، والتأكيد على تشكيل فكرة لديه بأنه ليس مذنباً، ولا يتحمل مسؤولية ما حدث، وكتمانه الأمر لا يعني إشراكه في الفعل، والتأكيد له بأن الانفعالات المؤلمة طبيعية، وسوف تزول، وأنه يوجد أشخاص تعرّضوا مثله إلى هذه الأمور.
تقع أعباء عديدة على الدولة، والمجتمع فهما الشركاء الأساسين، تذكر منها الدكتورة “رجاء”: (يجب تزويد الأطفال بالمعلومات والمهارات اللازمة، ليتمكّنوا من اللجوء إلى شخص ما، أو جهة معينة، عند تعرضهم لمثل هذه الجرائم، وتوفير كل أشكال الوقاية والعلاج، ومن المهم إقرار المجتمع بوجود مثل هذه الجرائم).
برأي الأخصائية “منال الشيخ”: (نحتاج الى برامج توعية جنسية على مستوى أطفال المدارس، والمهتمين بالطفل، وينبغي أن يصبح الطفل قادراً على أن يميز بين اللمس الجنسي وغيره من أنواع اللمس العادي البريء، وأن يعلم أن جسده ملكا له وحده) .
هذه الجريمة تزداد انتشاراً، وبدأت تتحول إلى ظاهرة في مجتمعنا، بسبب الكتمان، وعدم وجود حملات توعية قانونية، وإعلامية، وتربوية، وعدم توافر جهات مختصة في متابعة أحوال الضحايا، ومساعدتهم.
*يُمكن للمهتمين قراءة المزيد حول أسباب الاعتداء الجنسي على الأطفال، وكيفية مساعدة الطفل الضحية، وأسرته، من خلال العودة إلى عدد من المقالات والبحوث والدراسات المنشورة في هذا الموقع، كما يُمكن لكل من يحتاج المساعدة والاستفسار حول المزيد، مراسلتنا وطلب المساعدة، عبر العناوين وقنوات التواصل المذكورة في هذا الموقع أيضاً.
#اليوم_العالمي_منع_الاستغلال_الجنسي_للأطفال
*إعداد: المحامية رهادة عبدوش، مسؤول الشؤون القانونية في مؤسسة نداء.
