مبادرة جمعية فراشات في فرنسا لحماية الأطفال

*توزيع صناديق بريد لكي لا يبقى الأطفال حبيسي الصمت عن العنف والاعتداءات الجنسية

“ساعدوني، أريد أن أضع نهاية لقصتي”، تلك هي العبارة التي انطلقت  منها جمعية ( فراشات  Papillons)، والهادفة إلى مكافحة العنف ضد الأطفال سواء أكان (الجسدي أو المعنوي أو الجنسي)، والقيام بنشر صناديق البريد الخاصة بها في المدارس الابتدائية، والكليات، والمنشآت الرياضية وغيرها، لمساعدة الأطفال على التحرر من صمتهم، والإفصاح عن الإساءات والعنف الذي يتعرضون له، وذلك من خلال رسالة يمكن لأي طالب أو رياضي أن يودعها صندوق البريد الخاص بالشكوى، في ظل تكتم تام، يحكي فيها عن نوع العنف الذي يتعرض له، بما فيه التنمر المدرسي.

بدأت التجربة من مدرسة ابتدائية في “سان كليمان”، وبموافقة من رئيس بلديتها، وكانت أول رسالة أودعت في صندوق البريد، بعد أن قام ممثل عن الجمعية بزيارة صفوف المدرسة وإطلاع الطلاب على الصندوق والغرض منه، هي من الطفلة “ليا” ذات العشرة أعوام، وصفت فيها الاعتداءات الجسدية التي تعرضت لها، فضلاً عن الإهانات والمضايقات الإلكترونية، وبعد هذه الرسالة تفاعلت الجمعية وطمأنت الطفلة، وتمكّنت إثرها من تعميم النظام وتركيب 160 صندوق بريد في فرنسا.

 في لقاء مع مؤسس ورئيس جمعية ( الفراشات ) السيد “لوران بويه”، والذي يعتبر أحد ضحايا زنى المحارم، الذي صدر في فرنسا تقرير عنه مطلع هذا العام هز المجتمع الفرنسي، يقول هذا الرجل البالغ من العمر 47 عاماً أنه تمكّن من استحضار طفولته، في اليوم الذي استطاع فيه أن يروي في كتاب (كل الإخوة يفعلون هكذا…) ما حدث له، واليوم، يساعد الضحايا الآخرين على الجرأة في التحدث علناً مع جمعيته (الفراشات).

الإجراءات المتخذة

يستطرد “لوران بويه” قائلاً إن  “جمعية Les Papillons مهمتها مكافحة العنف ضد الأطفال، ولا سيما من خلال نشر صناديق رسائل Papillons في المدارس الابتدائية، والمدارس المتوسطة، والأندية الرياضية والبنى التحتية الرياضية في المدن، لمساعدة الأطفال على إطلاق حرية تعبيرهم، والحديث عن الإساءة التي يقعون ضحايا لها، ففي كل عام، يقع أكثر من160 ألف طفل ضحايا الاعتداء الجنسي، وتلجأ الغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا إلى الصمت.

ولمكافحة ذلك، تقوم جمعية Les Papillons بتنفيذ إجراءين رئيسيين:

مساعدة الضحايا وعائلاتهم في إعادة البناء من خلال بناء منازل (الفراشات)، حتى يتمكنوا من قضاء الوقت في إعادة البناء.

وكذلك نشر صناديق بريد في المدارس التطوعية، للسماح للأطفال بحرية التعبير بالسرعة التي تناسبهم، وكل يوم، يتم جمع البريد من قبل أحد أعضاء الجمعية، ثم، اعتماداًعلى مدى إلحاحية وخطورة الواقعة، يتم إرسال الرسالة إلى الخلية التابعة لمجلس الإدارة، لجمع المواقف المثيرة للقلق، أو معالجتها مع المجلس المحلي، الجمعيات، الممرضات أو علماء النفس، الأخصائيين الاجتماعيين والفريق التعليمي، وبمجرد تركيب صندوق البريد، يتم بتوعية الأطفال عن أنواع العنف المختلفة، وأهمية عدم البقاء حبيسين الصمت عن العنف.

تقرير زنى المحارم الوخيم

جاءت هذا المبادرة على خلفية التقرير الصادم الصادر في فرنسا حول زنى المحارم، والتي لا زالت تفتك بالمجتمع الفرنسي، وتشير الاحصائيات أن 160000 ألف طفل يتعرضون كل عام لاعتداء جنسي، وفي معظمها تأتي من أحد أفراد العائلة.

هذا التقرير والواقع وصفته “آن كليرك” المندوب العام لجمعية “سفاح القربى” ب (الوخيم  معتبرة)، أنه “انتهاك لخصوصية الطفل لغرض الإشباع الجنسي”، ولحساسية الموضوع ظلت كلمات الضحايا غير مسموعة على الإطلاق في المجتمع لسنوات عديدة، وعلى الرغم من نشر كتاب كاميل كوشنير”العائلة الكبرى”، والكشف عما أطلق عليه ( قضية دوماهيل)، فالوضع لا زال قائماً، ومنتشراً أكثر مما نتخيل.

آنن كليرك: الاعتداء على الأطفال ليش شأناً عائلياً

تشير إحصائيات معهد ابسوس Ipsos لعام 2020م، أنه من بين كل عشرة فرنسيين صرّح فرنسي واحد أنه ضحية زنى المحارم، وهذا يعني 6,7 مليون شخص، والرقم لا زال في تزايد، حيث يرى الخبراء أن التزايد مرتبط بشكل مباشر في إفصاح الضحايا عن حقيقة ما تعرضوا له، وفي جميع هذه الإحصائيات تعتبر نسبة الفتيات اللاتي تعرضن لاعتداء هي الرئيسية، وأغلبها حصل في سن التاسعة من العمر، وأغلب الحالات كانت من قبل الأب، العم أو الجد.

كما أشارت دراسة للمعهد الوطني للدراسات السكانية، صدرت في شهر حزيران من العام الجاري، والمستندة على تحقيق قام به عام 2021م، المعهد الوطني للصحة والبحث الطبي، أن 34,7% من النساء الضحايا، أكّدن أن الاعتداء عليهن في الصغر كان من قبل أحد أفراد العائلة، وأشخاص موثوق بهم.

من جهة أخرى اشارت اللجنة المستقلة حول زنى المحارم والعنف الجنسي على الأطفال في تقريرها لعام م،2022 أن هناك طفل واحد يموت كل خمسة أيام في بيئته العائلية، متأثراً بما وقع عليه من عنف جنسي، وحذّرت اللجنة من الخطر المتزايد على الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أو ممن يعانون من إعاقة عقلية.

 وتقوآن “كليرك”، المندوب العام لجمعية مواجهة سفاح القربى، أن (70% من الشكاوى المقدمة بشأن العنف الجنسي ضد الأطفال، يتم إغلاقها في المحاكم، دون اتخاذ المدعي العام أي إجراء آخر في نهاية التحقيق)، وتضيف، أنه (في أغلب الأحيان تكون الحجة  أن الجريمة “لم يتم توصيفها بشكل كافٍ”)، علاوة على ذلك، فإن صوت الضحايا غالباً ما يكون غير مسموع لدى عائلاتهم، فمن أصل 10 حالات، هناك 9 حالات ، تقف فيها الأسرة إلى جانب المعتدي ضد الضحية بذريعة “تماسك الأسرة”، عندما يكشف الطفل عن تعرضه لاعتداء من أحد الأقارب “سفاح القربى”.

وروى آلاف من مستخدمي الإنترنت، معظمهم من النساء، الاعتداء الجنسي الذي تعرضوا له، وذكروا في بعض الأحيان اسم عمهم، أو أبيهم، أو ابن عمهم أو زوج أمهم، ولا يروي الضحايا الحقائق فحسب، بل يروّون أيضاً الصمت الذي يلوذون به، والعزلة التي يعانون منها داخل أسرهم.

نقلاً عن مواقع وصحف فرنسية:

Franceinfo – liberation – La croix – Independent

*ترجمة وإعداد: دلال ابراهيم