في الاستجابة للكارثة والتعامل مع الأطفال

*على هامش كارثة الزلزال

وسط ظروف الكوارث الطبيعية والحروب، يُعتبر الأطفال أكثر فئات المجتمع تأثراً بها، كونهم الفئة الأضعف جسدياً، وفكرياً، ونفسياً، فهم الأكثر هشاشة في الاستجابة للكارثة، والأقل استيعاباً وقدرة على تفسير ما حدث، ويُمكن لآثار هذه الظروف أن تترك ندوباً مستدامة على بعض الأطفال،  إلا إذا وجدوا اليد العطوفة التي تمتد لهم، والعقول المستنيرة التي تساعدهم على التجاوز والتعافي، فلا يكفي التعاطف والتعاطي الانفعالي مع الطفل، بل لا بدّ من التوجه إليه بكثير من المحبة المغلّفة بالعقلانية والاتزان ومنحه فرص لفهم واستبعاب ما حدث، ومساعدته على تجاوز آثاره السلبية.

ردود فعل الأطفال الأولية على الكارثة

يشعر الأطفال إثر الصدمات الناجمة عن الكوارث بالتهديد المستمر، وعدم الأمان، كما قد يشعرون بالغضب واليأس، وفقدان الثقة تجاه أنفسهم وتجاه الراشدين، الذين من المفترض أن يحموهم من الأذى، وقد لا يبدي الاطفال والمراهقون الاستجابة نفسها للأحداث الصادمة، ويتوقف ذلك على عدد وشدة الأحداث السلبية السابقة، إضافة إلى انعدام الدعم الأسري والاجتماعي، والذي يؤثر بشكل كبير على تجاوز المحنة من عدمه، ومن الضروري التمييز بين رد الفعل الأولي للطفل والذي يعقب حدوث الكارثة، وبين اضطرابات ما بعد الصدمة والتي تحتاج إلى تشخيص دقيق وعلاج طويل الأمد نسبياً، والحديث هنا عن ردود الفعل الأولية، والتي تحتاج إسعاف نفسي أولي، وليس عن اضطرابات ما بعد الصدمة.

الأطفال بعد كارثة الزلزال

 الحاجة ملحة لتنظيم نشاطات للأطفال بعد التعرض الكارثة الأخيرة، التي طالت عدد من المناطق السورية، وعلى وجه الخصوص في الشمال السوري، كون غالبية هؤلاء الأطفال مروا سابقاً بتجارب صادمة وقاسية خلال تعرض بيئاتهم للقصف والحصار، ومنهم من عاش مع ذويه تجربة التهجير القسري أيضاً، وفقدان بيوتهم وبيئاتهم الأصلية، وفقد عدد من أحبائهم من أقارب وأصدقاء، لذلك تبدو الحاجة ماسة للتعامل بوعي كبير مع هؤلاء الأطفال، والعمل على تنظيم فعاليات داعمة، تساهم بشكل كبير في التخفيف من وقع ما حدث، وتمنحهم فرصة للتعبير عن الحدث من وجهة نظرهم وكما عاشوه، والتكلم عنه، والتعبير عن مشاعرهم بشكل حر، بعيداً عن التقييم، أو الحكم، أو الرفض.

نشاطات تتناسب مع واقع الحدث ومعالجة آثاره

لا بد من تنظيم نشاطات تعتمد على اللعب فقط، مع الكثير جداً من التعاطف، والحديث عن المشاعر، والابتعاد قدر الإمكان عن التعليم الأكاديمي، والمواعظ والنصائح، وخصوصاً في المرحلة التالية للكارثة.

يُمكن لعدد من النشاطات أن تفيد في مساعدة الطفل على تجاوز المحنة، من مثل تلك التي تعتمد على الرسم الموجّه، والتركيز على الوضع الآمن، والمكان الآمن، بالإضافة للأنشطة الحركية التي يكون الهدف منها اللعب والضحك، والمتعة والترفيه، وتفريغ الشحنات الانفعالية، والتي لا تحتاج إلى أدوات مكلفة، أو تحتاج وسائل متوفرة بالبيئة المحيطة وبسيطة وسهلة المنال، وذلك لصرف الأطفال عن الحدث الصادم، وجو الضغط والتوتر الناجم عنه.

كما أن قراءة قصص قصيرة عل الأطفال، والسماح لهم بالتعبير بشكل حر قد يكون مفيد جداً، مثل:  كان هناك طفل يتحدث مع نفسه: أنا خائف … أنا خائف …. مم تظنه كان خائفاً ؟؟

أو أن يقوم الأطفال بتمثيل أدوار بسيطة، هدفها التعبير عن مشاعرهم والتحدث عنها، ويتم التفريغ الانفعالي من قبلهم من خلال توجيهات بسيطة، وإدارة المشرف لعملية التمثيل هذه، على طريقة العلاج بالبسيكودراما، ولكن بشكل أبسط وأقل تعقيد، وبمشاركة جماعية لمجموعات صغيرة من الأطفا، وعلى طريقة العلاج والإرشاد النفسي الجماعي.

الحاجة الماسة إلى التعديل المعرفي

انتشرت العيد من المقولات على مواقع التواصل، وفي الواقع بين بعض الناس، في تفسيرهم لأسباب حدوث الزلزال، وكثر من أصحاب الرؤية الدينية، فسروا الأمر كونه غضب من الله، وعقاب للناس على سوء أفعالهم، وترددت بين بعض الأطفال – حسب عدد من الأهالي – أسئلة كثيرة بهذا الصدد: لماذا الله غاضب مننا أو علينا؟ ولما مات صديقي وأنا لم أمت؟ ومن المذنب في الأمر؟

إضافة إلى انتشار الشائعات وبتواتر كبير، حول تكرار حدوث الزلزال والهزات الارتدادية، وخاصة أنه في الأيام الأولى تكرر الأمر فعلياً ضمن الشروط الطبيعية المعروفة لحدوث الزلازل، وما يتبعها من هزات ارتدادية، وكان من السهل ضمن تلك الظروف التلاعب بمشاعر الناس وأفكارهم، البالغين منهم والأطفال.

خلال سياق العمل مع الأطفال، من واجب المعلمين والأخصائيين التربويين والنفسيين والاجتماعيين، القيام بتعديل معارف الطفل التي سمعها، وترسّخت في ذهنه من الشارع، ومن بعض البالغين، والتوضيح للأطفال أن الزلازل تحدث في كل مكان، وهذا من سنن الطبيعة، وليس له علاقة بمحبة وكره الله لنا، أو رضاه أو غضبه علينا، وأن الأطفال الذين ماتوا قد رحلوا إلى عالم أفضل لأنه الله يحبهم، وهو يحبهم أيضاً لأنه حماهم وتركهم ليواصلوا رسالة الحياة، وتقريب هذه الأمور إلى ذهن الطفل من خلال القصص والعِبر، وغيرها من وسائل تربوية وفكرية، إضافة للشرح المفصّل والبسيط عن الهزات الارتدادية ولماذا تحدث، وكيف تحدث، في محاولة للتقليل من خوف الطفل، وفزعه، وتفكيره الدائم بما حدث وما سيحدث.

كما الأطفال يحتاجون للتعديل المعرفي هذا، فالمجتمع عموما بحاجة أيضاً للتوعية، وللتحذير من تقديم تفسيرات خاطئة يسمعها الأطفال وترعبهم من الله وتزيد من مخاوفهم.

*إعداد: بيداء الحديد، خولة الحديد.