عندما يُصبح النادي الرياضي بيئة خطرة على الطفل…آثار نفسية واجتماعية

العقل السليم في الجسم السليم…. ولكن!! …مقولة لطالما ردّدناها صغاراً في المدارس خلال حصة  الرياضة، ولطالما اعتبرها الأبناء والأهل، بمثابة تحفيز لضم أطفالهم إلى الأندية والفرق الرياضية، وبعضهم تبناها عملاً واقتداءاً بالسنة والأحاديث النبوية الشريفة، التي تحث على تعليم الاطفال لبعض الرياضات.

لا يقتصر أثر ممارسة الرياضة على الصحة الجسدية فقط، لا يغفل جميعنا عن الأثر النفسي الإيجابي لممارسة الرياضة على الأطفال والكبار على حد سواء.

آثار ممارسة الرياضة على الصحة النفسية للطفل

عندما ينخرط الطفل في أندية وتجمعّات رياضية معينة، يصبح قادراً على تكوين صداقات جديدة، وكما تُعتبر ممارسته للرياضة عاملاً داعماً لتعزيز ثقته بنفسه، وبقدراته، وتكوين صورة إيجابية عن نفسه.

تُعتبر ممارسة الطفل للرياضة، عاملاً هاماً في التخلص من التوتر النفسي، والقلق، والشعور  بالاسترخاء،  وبالتالي التخفيف والحد من المشكلات السلوكية، من مثل فرط الحركة، والعدوانية، والخجل، وتساعد على  زيادة التركيز واليقظة الذهنية، ويسهم وجود الطفل في فريق و نادي رياضي ما، في تعزيز الانتماء للجماعة، وتعليمه كيفية المثابرة وتحدي الصعوبات من أجل الوصول للأهداف الجماعية، وأهمية العمل الجماعي لتحقيق الفوز، فتزيد من قدرته على العمل مستقبلاً ضمن فريق، وتقدير طاقات الآخرين ومكانتهم، ومشاركة الجماعة بهجة النصر الذي يأتي كمكافأة على مواجهة التحديات والمثابرة، والالتزام بأداء عمل ما لفترات طويلة، وباختصار: يترك انضمام الطفل والمراهق إلى نادي رياضي ما، أثره الكبير في شخصية، وبصمة لا يُمكن إزالتها، لذلك من المهم جداً أن تكون بيئة الأندية الرياضية بيئة صحية، سليمة، وإيجابية في تعاملها مع الأطفال والناشئين، لأن انعكاسات تأثيرها على شخصياتهم، الإيجابية منها والسلبية، قد تدوم مدى الحياة.

انتشار التحرش والاعتداء على الأطفال في قطاع الرياضة، وأثره على شخصيتهم

ماذا لو كانت البيئات والتجمّعات الرياضية، التي تعتبر بمثابة متنفس للطفل، والتي من خلالها يحصل على حقه في اللعب، والشعور بالأمان والانتماء، هي مصدر الخطر عليه، ويكون أحد ضحايا الإساءة والتعنيف؟

وماذا لو تعرض الطفل فيها لاعتداء جنسي، أوتحرش، أو أي شكل آخر من أشكال الاستغلال الجنسي !؟

 تشير العديد من التقارير الإحصائيات الدولية، ومنها تقارير الأمم المتحدة، ومنظمة اليونيسيف، إلى تفشي الاستغلال الجنسي للأطفال في قطاع الرياضة، حتى أصبح الأمر يأخذ شكل “الظاهرة”،  كما تؤكّد الأخبار والمعلومات المتواترة والمتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى تكرار تعرض الأطفال للتحرس والاعتداء الجنسي، والابتزاز، وتصوير الأطفال بدون علمهم أوموافقتهم، والتجارة بصورهم، وغيرها من أشكال الإساءة، وبأعداد غير قليلة، وتفاصيل صادمة، فما هي الآثار المتوقعة على الطفل جرّاء تعرضه للاعتداء الجنسي والاستغلال في البيئات الرياضية ؟

اضطرابات ما بعد الصدمة:

لا تقتصر الآثار النفسية لتعرض الطفل لأي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي، خلال ممارسته لرياضته المفضّلة، على المدى القريب، وإنّما تمتد على المدى البعيد أيضاً، من مثل حدوث رض نفسي، واضطراب ما بعد الصدمة، إذ تؤكّد غالبية الدراسات إن أعراض اضطراب ما بعد  الصدمة قد تختفي خلال الأشهر الثلاثة الأولى لوقوع الحدث المسبب للاضطراب، وذلك عند 50% من الضحايا، في حين أن الأعراض قد لا تظهر لدى بعض الضحايا إلا بعد مرور عامين من تعرضهم للصدمة، أو الاعتداء.

 المشكلات الانفعالية وأثرها على السلوك الاجتماعي للطفل:

 يتعرض الطفل لحالة اضطراب عاطفي، إذ تنتابه حالات انفعالية عدة، كالتوتر، والقلق، والخوف، وتنعكس هذه الانفعالات والحالات المزاجية بشكل مباشر على سلوكه الاجتماعي، وعلاقته بذاته، وعلاقته بالآخرين، فغالباً ما يتكرر لدى الضحايا سلوك الانسحاب والعزلة، و فقدان الثقة بلنفس والآخرين، والشعور بالذنب والعار، والخجل من الناس بسبب الشعور ب”الوصمة”، ولوم الذات.

كما تتكرر لدى الضحايا الأحلام والكوبيس ذات المحتوى المخيف، وقد يتراجع مستوى التحصيل الدراسي عند الطفل، بسبب تعرضه للشرود الذهني وضعف التركيز، والخمول والكسل، وقد يصل الأمر ببعض الأطفال إلى رفض الانخراط مجدداً، بأي نشاط جماعي تعاوني، إذ تشير الدراسات أن الطفل المعتدى عليه قد يعيش حالة انخفاض تقدير الذات، وهذا ما يدفعه إلى ترك الدراسة، وتجنب التجمعات العائلية، والمناسبات الاجتماعية، وتجنب الأماكن والأشياء التي تذكِره بحادث الاعتداء عليه، وقد ينمو لديه السلوك العدواني، ويجعله يمارس السلوكات العنيفة على الأطفال ممن هم في مثل عمره، أو الأصغر سناً.

من الجدير بالذكر، أن تعرض الطفل للاعتداء، يتسّبب بالعديد من الأمراض والاضطرابات الجسدية، من مثل: اضطرابات في المعدة، وصعوبات في النوم، وشعور بالتعب، وصداع حاد عند التفكير في الحدث، وسرعة دقات القلب، وتبول لا إرادي… وغيرها.

اختلاط المفاهيم وسلوك التكتّم:

تتشّكل لدى الأطفال الضحايا من صغار السن حالة من الارتباك، إذ تختلط عليهم حدود المسافة بين أجسادهم وبين أجساد الآخرين، ويضيع لديهم الحد الفاصل بين الصح والخطأ، وبين السلوك العادي وغير العادي، فتثبت لدى بعضهم أنماط سلوكية معينة، قد تسبب لهم مشكلات عدة مستقبلاً مع الآخرين في الفضاء العام للمجتمع، وإحراج للطفل ولعائلته وللآخرين أحياناً ، إذ يعتقد الطفل إن ما يقوم معه الشخص البالغ هو أمر طبيعي ويحدث مع الجميع، لأن الأطفال الصغار لم يتشكّل لديهم بعد مفهوم الجنسانية، ولا يدركون جوهر الرغبات والدوافع الجنسية، وبالتالي السلوكات الناجمة عنها.

بعض الأطفال يمتنعون عن سرد تفاصيل تجربة الاعتداء التي تعرضوا لها، خوفاً من المعتدي أو التعرض للوصمة، ويُشكل ذلك مصدر ألم نفسي كبير لهم، وسلوك التكتّم هذا يُصعّب من إمكانية علاج الطفل وتعافيه، ويتسبّب بمعاناة نفسية كبيرة له، من الممكن أن تتطور إلى حالة اكتئاب، ونوبات من البكاء المستمر، واضطراب سلوكي ما، بعيد الأثر على شخصيته.

معالجة آثار تعرّض الطفل للاعتداء

من الضروري علاج الطفل المُعتدى عليه من اضطراب ما بعد الصدمة، من خلال جلسات علاج نفسي مكثّفة، لأن هذا النوع من الاضطراب، قد يؤدي إلى إصابة الطفل بالاكتئاب، أو يصبح عدوانياً، يؤدي دور المعتدي انتقاماً لما تعرض له من عنف جسدي، وممكن تقديم العلاج للطفل بشكل فردي، أو بشكل جماعي مع غيره من الأطفال، إذا يؤكّد عدد من المتخصّصون نجاعة العلاج النفسي الجماعي مع الأطفال في مثل هذه الحالات، كون العلاج الجماعي يجنب الطفل الشعور بأنه الوحيد الذي تعرض للاعتداء الجنسي، فيتخلص من الشعور بالعار، وشعور الوصمة، مما يخفف حدة الألم النفسي لديه، ويسرّع من عملية علاجه، كما أنه يتشارك مع أقرانه تجربته وآلامه، ويبوح كل منهم لللآخر بمعاناته، إذ يثق الطفل عادة بأقرانه أكثر من ثقته بالبالغين، ويشعر بالقرب منهم وبوجود فهم أكبر لمشاعره، وهذا البوح وتبادل رواية التجارب، يُفرّغ العديد من الانفعالات والمشاعر المؤلمة التي يعاني منها الأطفال الضحايا.

كما إنه من الضروري، دعم الطفل نفسياً، بعد تعرضه للاعتداء فوراً، أو بعد إخباره عن ذلك، ويجب على الأسرة طلب المساعدة النفسية من المتخصصين، كما يقع على عاتق الأندية الرياضية، توفير الرعاية النفسية للطفل، وتحويله إلى المختصّين فور تعرضه لأي اعتداء أو تحرش.

إن خطورة تعرّض الأطفال والناشئين لأي شكل من أشكال الإساءة والاستغلال الجنسي، تُحتّم على الأسرة والقائمين على رعاية الطفولة، والمؤسسات الرياضية، التشّدد في إجراءات الأمان والسلامة، وتدريب الكوارد المناسبة للعمل مع الأطفال من فئات عمرية مختلفة، وكعائلات ووالدين، لا يكفي أن نهتم بصحة أطفالنا، وتنمية مواهبهم وطاقاتهم، عن طريق ضمهم للفرق الرياضية، وتعليمهم للرياضات والمهارات البدنية، وإنّما علينا أن نكون حذرين، ويقظين جداً تجاه أي مؤشر، أو تغير قد يظهر على سلوكيات أطفالنا، فيما بعد انضمامهم إلى مثل تلك الفعاليات، وعلينا أن لا نركّز فقط على التفوق وضرورة تحقيق مستويات متقدمة، وتأخذنا النشوة ببهجة الفوز والنصر، والذي قد تكمن خلفه مأساة، ومعاناة حقيقية يعيشها الطفل.

إعداد: بيداء حديد، أخصائية نفسية.

مراجعة: خولة حسن الحديد.