sad woman cries, shot a close up of female cheek with a tear drop

سيبستيان بويله في روايته (العملاق ذو الأقدام الطينية) يتحدث عن تعرضه للاعتداء الجنسي

*عندما تكلمت عما حصل معي ارتحت واستكنت

في عام 2013م، أسس “سيباستيان بويله” جمعية (العملاق ذو الأقدام الطينية)، منطلقاً فيها من تجربة ومعاناة شخصية عاشها في صغره.

 بدأ بويله اللعب ضمن فريق الركبي في منطقة تقع في جنوب غرب فرنسا، ومنذ كان في سن 12 حتى سن 16 وقع ضحية اعتداء جنسي من قبل أحد أقربائه، والذي كان موضع ثقة كبيرة من قبل والديه.

  يروي “بويله” حكايته – وربما هي حكاية أطفال آخرين لم يستوعبوا حقيقة ما حصل لهم-  بكلمات بسيطة، تلامس قلوب وعقول الأطفال الذين يتوجه إليهم بالتوعية.

 يقول في روايته والتي أخذت نفس العنوان:

(منذ أن بدأ بالاعتداء علي، بدأ الجاني التودّد إلى أهلي لكسب ثقة والديّ، وأصبح لديهم ثقة به لدرجة تركوني بكل أمان أخرج معه، نحضر حفلات موسيقية، أو تدريبات رياضية في الركبي، وفي تلك الأوقات تمكّن من الاعتداء عليّ، هي خمس دقائق قبل أن يعيدني إلى منزلي، كان يعتدي عليّ، ومن ثم يأتي ويشرب القهوة مع أهلي…. هي خمس دقائق فقط ما بين الاعتداء وشربه القهوة مع والديّ).

ويُضيف “بويله”:

(طبعاً في هذا العمر لا نملك أدنى فكرة عن الجنسانية، لأنه لا أحد في المدرسة تحدّث لنا عنها، وكذلك في المنزل، نادراً ما يجري الحديث بهذا الخصوص، والمعتدين من جانبهم يسعون لجعلك تعتقد أن هذا الفعل هو للتعليم، وعادي، وسر لا ينبغي أن تفشيه لأحد).

بعد أن أصبح في 18 من العمر تجرأ سيباستيان على الكلام، والحديث عما حصل معه. كلام حرّره من آلام مضنية. ويقول:(الآن تحرّرت واستكنت، أولى الخطوات هي أن تتكلم)، مضيفاً في لقاء أجرته معه قناة فرانس2: ( العار ينبغي أن يتبدل موقعه، نحن لسنا مذنبين، بل ضحايا)، ويعلق على قرار المحكمة بإدانة المعتدي وحبسه لمدة عشر سنوات:

(خلق عندي قرار إدانة المحكمة للجاني، التفكير في كيفية مساعدة ضحايا آخرين، وكذلك حماية ضحايا محتملين، وهم من الأطفال).

 بعد رفع الدعوة على الجاني، قرر سيباستيان تأسيس هذه الجمعية، الهادفة إلى وقاية وتوعية الأشخاص المنخرطين في نشاطات رياضية، من أن يكونوا ضحية لاعتداءات جنسية، والاسم الذي أطلقه على جمعيته يقول عنه: (استعرته من المحامي الذي وكّلته في قضيتي، خلال مرافعته في المحكمة )، وقد توسعت نشاطات هذه الجمعية بشكل واسع، لتشمل جميع الأماكن تقريباً التي يتردد إليها الأطفال، والتوجه بالتوعية أيضاً للمتعاملين مع هؤلاء الأطفال.

 حالياً يتم إخراج روايته للسينما وتحت هذا العنوان، وتعلق مخرجة العمل “ستيفاني مورا” عن الرواية بالقول: (تغرقنا حكاية طفل مقبل ببهجة على الحياة، يتعرض لانتهاك براءته لمدة أربع سنوات أربع سنوات، وهو يتألم ويبكي بصمت، فقط لأن المعتدي ليس سوى قريب لوالديه، ومحبوب من الجميع.).

 بحسب إحصائيات الجمعية التي أسسها “بويله” هناك  94% من المعتدين هم من أقرباء الضحية، 56% من الضحايا صرحوا أنهم لم ينبسوا بكلمة خلال الاعتداء، و 84% أكّدوا أنهم كانوا مرغمين على مخالطة المعتدي، بينما 70% من الأهالي انتظروا أن يمتلكوا دليلاً قبل إخبار السلطات، وهناك تسع حالات من أصل عشرة، لم يخبروا بها السلطات.

وضمن هذا السياق، استطاعت الجمعية زيادة  نشاطاتها التوعوية لدى الشبان، حول مخاطر العنف والاعتداء الجنسي، بالإضافة إلى الاستخدام الجيد لشبكات التواصل الاجتماعية.

 تتمثل مهمة الجمعية في الوقاية والتوعية بالمخاطر، والمضايقات، والاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال في البيئات الرياضية، بالإضافة إلى تدريب المهنيين والمشرفين العاملين مع الأطفال، من خلال مرافقتهن وتقديم المساعدة لهم، وبالتالي فهي تقدم الحماية للأطفال والمربين.

 يقول “بويله” في أحد أشرطة الفيديو، وكان إلى جانبه “انطوني ايتشارت” لاعب سابق في كرة القدم، وكذلك أحد ضحايا اعتداء جنسي، خلال اجتماعهم بطلبة من الصف السادس في أحد المدارس: (كانت معظم الأسئلة الموجهة لي من قبل الطلبة تتمحور حول :” لماذا لم تُدافع عن نفسك؟”، ” لماذا كتمت الأمر لغاية أن أصبحت يافعاً؟”، ” ماذا كنت ستفعل لو لم يُصدقك أحداً؟… فيما كانت بعض الأسئلة تردني مكتوبة على ورقة دون ذكر اسم)، ويستطرد قائلاً: (طبعا في معظم الحالات الأشخاص الذين نعرفهم ويدخلون بيوتنا، هم من يرتكبون الاعتداء والعنف، وغالباً ما يكون لدى المعتدى عليهم انطباع أنهم وحيدين ومحجوبين، نشعر أحياناً بالذنب، لا نجرؤ عن الحديث عن جسمنا، عن أعضائنا الخاصة. هل يمكنكم تسمية أعضاؤكم الخمسة الخاصة؟).

إحصائيات مرعبة لنسب تعرض الأطفال في أوربا للاعتداء الجنسي

الجدير ذكره أن قناة منظمة هيومان رايتس، التابعة للمجلس الأوروبي نظمت حملة باسم ( اكسر حاجز الصمت وتكلم )، تقول فيها:

(ما يقرب من واحد من كل خمسة أطفال يقعون ضحايا للعنف الجنسي في أوروبا، سواء أكان يتعلق الأمر بالملامسة الجنسية، الاغتصاب، التحرش، الاعتداء الجنسي، الاستعراض، الاستغلال على شكل الدعارة والمواد الإباحية، والابتزاز عبر الإنترنت والابتزاز الجنسي … وفي إحصائياتها تذكر أن هناك ما بين 70% إلى 85% من الأطفال يعرفون الشخص المعتدي،  وهو من أولئك الموثوق بهم).

 تركز المنظمة على الاعتداءات التي تقع بين صفوف الرياضيين، وتعزو أسبابها إلى: (هيمنة العنصر الذكوري،السعي لتحاشي الفضيحة: حيث يتم التكتم على تلك الحوادث، القيادة الاستبدادية، واختلال التوازن بين المدربين واللاعبين، ثمة درجة عالية من التسامح مع العنف الجسدي والإصابة، غالبًا ما يتم التسامح مع السلوك الجنسي غير اللائق، كما يتم قبول التمييز وعدم المساواة بين الجنسين، نظام التتويج، وأخيراً ضرورة الاحتكاك الجسدي بين اللاعبين والمدربين في الرياضة).

تذكر المنظمة أماكن حالات الخطر المحتمل من حدوث اعتداء في: (غرف تبديل الملابس الحمامات، استخدام السيارات، وقضاء الليالي بعيدًا عن المنزل)، وأضافت إن ثلث الأطفال لا يتحدثون عما حصل معهم، وتعزو أسباب  ذلك إلى:

(إن بعض الأطفال غير قادرين على معرفة ما الذي حصل لهم، وهم الأطفال الصغار وذوي الإعاقة، الخوف من العار واللوم، الخوف من أن لا يتم تصديقهم، أو الخوف من العواقب والانتقام، التأثير المحتمل على الأسرة، والوظيفة والسمعة، لا يعرفون عن ماذا يتحدثون، فبعض الأطفال تلتبس لديهم الأمور، ويعتقدون أن هذا يأتي ضمن سياق العلاقات الصحيحة، والاعتقاد السائد أنه من المفترض أن يكون الرياضيين أقوياء، والنيل منهم يعتبر ضعف)، وتدعو الحملة  الكبار إلى العمل على منع حدوث الاعتداءات، وحماية الأطفال، والمساعدة في عدم إفلات الجاني من المحاسبة والعقاب.

*بويله متحدثاً حول جمعية العملاق ذو الأقدام الطينية:

* https://www.youtube.com/watch?v=K1xlBtjoAzI

*إعداد وتحرير: دلال ابراهيم، نائب رئيس مجلة إدارة نداء/ صحفية ومترجمة عن الفرنسية.