رغم ضخامة الإحصائيات ..لا زالت الأرقام لم تفصح عن العدد الحقيقي للضحايا حول العالم

مراجعة عامة في اليوم العالمي لمنع الاستغلال الجنسي للأطفال

إن الخوض في واقع الاعتداء والعنف الجنسي ضد الأطفال، والذي أقرت الأمم المتحدة (يوم 18 تشرين الثاني – نوفمبر – يوماً عالمياً لمنع الاستغلال الجنسي للأطفال)، هو بمثابة الدخول في دوائر الجحيم.

 إنه العنف نفسه الذي يُرتكب أحيانًا لسنوات طويلة، في ظل صمت مريع، ضد الرضع والأطفال والمراهقين من الجنسين الفتيات والفتيان، وغالبًا ما يترافق الفعل مع التعذيب، وفي 94% من الحالات، يرتكبها شخص مقرب من الطفل، وفي أغلب الحالات يكون رجل بالغ.

 إنه أيضاً جحيم التهديدات، والقهر النفسي، وعدم الفهم الذي يدفعك إلى الجنون، والصمت الذي يحاصرك.

 جحيم يلتصق بك، جحيم يطاردك، جحيم يُشعرك بالعار، والذي لا يريد أحد أن يكون ضحيته، أو الشاهد عليه أو أحد المقربين منه، حتى أن الكشف عنه يسبب ضغوطاً انفعالية لدى الشخص الذي يستمع لكلمات الضحايا، لدرجة أنه يتمنى وضع أنظمة حماية فعّالة للغاية للحد من هذه الظاهرة.

 تتخذ هذه الاعتداءات أشكالاً متعددة ومتنوعة: اللمس الجنسي، الاغتصاب، التحرش، الاعتداء الجنسي، وأيضًا الاستثارة، والاستغلال تحت شكل الدعارة والمواد الإباحية، والابتزاز، والابتزاز الجنسي عبر الإنترنت، وما إلى ذلك.

سلسلة طويلة من الانتهاكات التي غالباً ما تترك، في جميع الحالات، ندوباً مدى الحياة على الضحية، خاصة وأن ما بين 70% و85% من الضحايا يعرفون المعتدين عليهم.

إحصائيات قاصرة

الإحصائيات الصادرة من المنظمات العالمية بمختلف اختصاصاتها، مثيرة للخوف، على الرغم من صعوبة تقديم بيانات إحصائية دقيقة حول هذه الظاهرة، كما يؤكد العديد من الخبراء، إلا أن العديد من الدراسات تحاول ما أمكن تسليط الأضواء على هذا الواقع، وقد وصفه الكثير ب”الوباء الخطير”، ويجمع الخبراء على أن البيانات تكون في أغلبها غير كاملة، وغير موثوقة في بعض الأحيان للأسباب  التالية:

– يظل عدد التقارير محدوداً، بسبب عدم الثقة، والخوف من وصم الطفل وأسرته بالعار (كما حال العديد من المجتمعات المحافظة )، علاوة على أن الآليات القائمة التي تسمح للضحايا بالإبلاغ عن الانتهاكات، تكون في بعض الأحيان غير معروفة، ولا يمكن الوصول إليها بسهولة، وليست فعالة للغاية.

– غالباً ما تكون بيانات الشرطة ومؤسسات إنفاذ العدالة محدودة، لأنها تستند حصرياً إلى القضايا المعروضة عليهم، بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن الوصول إلى هذه المعلومات دائماً.

– يتم توثيق المشكلة بشكل سيئ للغاية في بعض المناطق، كما وتتضمن الدراسات وتحليلات الحالة التي تم إجراؤها معلومات نوعية عن أشكال الظاهرة، وأسبابها، وتجاربها وتصوراتها أكثر من البيانات الكمية.

من ناحية أخرى، تؤكد جميع  الدراسات الاستقصائية المختلفة وبوضوح، حتى عندما تختلف النسب المئوية، أن عدد الفتيات الصغيرات اللاتي يتعرضن  لاعتداءات جنسية يفوق بكثير عدد الفتيان الصغار، فضلاً عن حقيقة أن منزل الأسرة هو المكان الذي يشهد معظم هذه الانتهاكات.

معوقات الحصول على معلومات من الدول العربية

يتحدث موقع مؤسسة أمان لحماية الأطفال من التحرشات الجنسية والعنف، عن صعوبة الحصول على إحصائية حول نسب الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات جنسية في البلدان العربية وينسبها إلى عدة أسباب:

– غياب نظام معلومات وطني موحد لجميع البيانات.

– عدم التجانس بين المفاهيم المستخدمة لوصف الأشكال المختلفة للعنف، والعنف الجنسي.

– غياب الإبلاغ والإدانة عن العديد من أعمال العنف، وخاصة الجنسية.

– طبيعة هذا الموضوع الذي لا يزال من المحرمات.

بالتالي لا يوجد لدى أي دولة حالياً قاعدة بيانات موثوقة حول هذه المشكلة، كما أنها غير قادرة على تقديم تقدير وطني لعدد الضحايا من الأطفال.

 لقد دعت الأمم المتحدة في إعلانها تخصيص يوم لمناهضة الاستغلال الجنسي للأطفال، وكان لأول مرة العام الماضي،إلى رفع مستوى الوعي العام، والعمل ما أمكن للقضاء على الاستغلال والإيذاء والعنف الجنسي ضد الأطفال، وضرورة المطالبة بملاحقة ومحاسبة  المذنبين، وضمان وصول الناجين والضحايا إلى العدالة وسبل الإنصاف، وتعزيز شفاءهم، وإعادة تأكيد كرامتهم، وحماية حقوقهم، والأهم من ذلك كسر حاجز الصمت لديهم، ونشر الوعي بعدم وصم الفعل بالعار، عبر تخصيص برامج مناقشات مفتوحة وواسعة.

بالأرقام…

-تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 150 مليون فتاة و73 مليون فتى تحت سن 18 عاماً عانوا من ممارسة الجنس القسري، أو أشكال أخرى من العنف الجنسي.

 -تقدر تحليلات أخرى، أن واحدة من كل خمس نساء في جميع أنحاء العالم كانت ضحية للاغتصاب، أو محاولة الاغتصاب خلال حياتهن، وهي آفة تؤثر بشكل رئيسي على الشابات.

-وفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية، في عام 2004، تعرض 1.8 مليون طفل للبغاء والمواد الإباحية، وكان 1.2 مليون طفل ضحايا للاتجار.

-من جانبها، تورد دراسات اليونيسيف المختلفة  هذه الإحصائيات:

* في كل عام، يقع ما يقرب من 95000 طفل ومراهق تحت سن 20 عاماً ضحايا جرائم القتل.

* يتعرض حوالي 6 من كل 10 أطفال تتراوح أعمارهم بين 2 إلى 14 عاماً (ما يقرب من مليار) للعقاب البدني.

* واحدة من كل 10 فتيات تحت سن العشرين، تعرضت لممارسة الجنس القسري في حياتها.

* طلب 1% فقط من هؤلاء القاصرين الناجين من العنف الجنسي المساعدة والدعم النفسي والاجتماعي.

* هناك  كل عام ما يقرب من (3) مليون طفل في العالم، هم ضحايا الاستغلال الجنسي لغايات مادية، وهذا النوع من الاعتداء الجنسي على الأطفال الذي بقي منتشر بشكل مخفي لفترة طويلة، أصبح الآن في دائرة الضوء في كل مكان.

-فيما يتعلق بالبيئة المدرسية، بحسب اليونسكو، ورغم قانون الصمت الذي يحيط بهذا النوع من العدوان: “في كل عام حول العالم، يقع ما يقرب من 246 مليون طفل ضحايا للعنف في المدارس”.

-تعتبر دراسات صادرة عن مجلس الاتحاد الأوروبي، أن الاندية الرياضية تأتي في الترتيب الأول من حيث تعرض الأطفال للاعتداءات الجنسية والجسدية، ومن ثم تأتي المدرسة، وكذلك الكنائس، وقد فجّر تقرير صدر في عام 2021 سخطاً في فرنسا حينما أعلن أنه ما بين 1950  و 2020 م، هناك 216 ألف ضحية قاصر جرى الاعتداء عليهم داخل الكنيسة.  

يسلط مجلس أوروبا، من جانبه، الضوء على العديد من التدابير التي يتعين اتخاذها لمكافحة هذه الظاهرة ومنها: تحسين التشريعات، وتنفيذ استراتيجيات حماية الطفل، ووضع قواعد السلوك، وتدريب المهنيين، وما إلى ذلك، كما ويدعو المجلس البالغين إلى كسر حاجز الصمت لمنع الانتهاكات، والمساعدة في مكافحة الإفلات من العقاب.

-في أوروبا، فإن نحو ثلث الأطفال ضحايا الاعتداءات لا يخبرون أحداً عما يحدث لهم، وفقاً لآخر التقديرات.

تداعيات الظاهرة الصحية والاقتصادية

إن بقي عدد حالات العنف الجنسي ضد القاصرين أقل من الواقع، فإن تداعياته على الحالة الصحية للضحية يكون ملموس للغاية.

قدّرت دراسة أمريكية عام 2018م، ​​أن الخسائرالمادية  لمدة عام بسبب الاعتداء الجنسي على الأطفال في الولايات المتحدة وحدها، تصل إلى 9 مليارات دولار( جامعة جونز هوبكنز، كلية بلومبرج للصحة العامة)، وهو مبلغ يشمل تكاليف الرعاية الصحية، وحماية الطفل، والتعليم الخاص، والعنف، والجريمة، والانتحار وفقدان إنتاجية أولئك الذين تعرضوا للإيذاء.

بينما الآثار اللاحقة على الأطفال فهي متعددة وتختلف حسب الفرد وجنسه، حيث يمكن أن تأخذ شكل صدمة، أو قلق، أو عدوان، أو تأخر في النمو، أو مظاهر عصبية بيولوجية، وغالباً ما تستمر العواقب، خاصة إذا تكررت الإساءة مع مرور الوقت، حتى مرحلة البلوغ وعبر الأجيال، من مثل قضايا التعلق، الوسواس القهري، العدوان، الإدمان، السلوك الجنسي المحفوف بالمخاطر، الأمراض المزمنة، العزلة والقائمة تطول.

المصادر:

-الإحصائيات عن الموقع الإلكتروني للمجلس الأوربي: Council of europe

-منظمة اليونيسيف: https://www.unicef.org/ar

-موقع RTBF البلجيكي.

-موقع Humain Rights Watch.

*ترجمة وإعداد: دلال ابراهيم.