حالات اعتداءات بالمئات في الكنيسة الانغليكانية البريطانية على أطفال وبالغين تفجر مفاجأة

*الكنيسة الانغليكانية تواجه اتهامات بالتقصير والإهمال

حين باشرت التحقيق كشفت النقاب عن عدد قليل من حالات الانتهاكات الجنسية على الأطفال، ولكن تفاجآت الكنيسة البريطانية، أنه يوجد المئات من الحالات الجديدة المرتبطة بادعاءات من هذا النوع ، تعرض لها البالغين ذوي الأوضاع الهشة، والأطفال من قبل رجال دين في الكنيسة الأنغليكانية، حسب ما أفاد به مسؤولون ومتطوعون.

وجدت التحقيقات أن هناك 383 حالة تتطلب اهتماماً إضافياً، وتقول الكنيسة إن هذا أكبر تحقيق في قضايا الانتهاكات التي حصلت في الماضي.

 اعتذر كبير أساقفة كانتبري ويورك وعبر عن إحساسه ” بالخجل الشديد “، بسبب نتائج التحقيقات، وجاء التحقيق الجديد بعد تعرض تقرير سابق للكنيسة عن حالات انتهاك وقعت في الماضي، وتم نشره عام 2010 م، وخلص إلى أن هناك 13 حالة فقط تتطلب إجراءات إضافية للانتقادات!

كبير أساقفة كانتبري ويورك

 ينتقد التقرير الجديد الذي جرى نشره مؤخراً، بشدة (الثقافة السائدة داخل الكنيسة والتي لا تتعامل مع الانتهاكات بالجدية اللازمة).

 قال التقرير:(إن الكنيسة ما زالت معرضة لخطر خذلان آخرين في المستقبل، ما لم تحدث تغييرات إضافية في الثقافة، والمواقف السائدة، والالتزام بسياسات محددة وأكثر تفصيلاً لمسلكيات الحماية).

بين الحالات هناك 168 حالة تخص أطفال بالإضافة إلى 149 حالة تخص بالغين ذوي أوضاع هشة.

 تعترف “لويز” – وهو اسم غير حقيقي- لل بي بي سي أنها تعرضت للانتهاكات عندما كانت طفلة من قبل أحد رجال الدين، وأنها طلبت أن تشارك في التحقيقات، لكنه تم تجاهل طلبها، مضيفة إنها (تشعر بالخذلان والغضب، نظراً لأن التقرير يدّعي أنه قد جرى الاتصال بالناجين لكني استثنيت، وقيل لي أن حالتي من فئة ” حالات تبعث على القلق”، لكني لا أرى كيف ستتم متابعة هذه الحالات، ومنها حالتي، ولا أعرف إن كنت ضمن الحالات ال 383)، وقالت:  (تم إخبار الناجون أنه سيتم الاتصال بهم حين نشر التقرير لكن لم يحصل شيء من هذا القبيل).

إحصئايات مُخيفة وغياب التفاصيل

 يبلغ عدد المعتدين الذين لا زالوا على قيد الحياة 242 رجل دين و 53 موظفاً في الكنيسة، بالإضافة إلى 41 متطوعاً كان عملهم يتطلب التعامل مع الأطفال، والغالبية منهم لم يعد لهم أي علاقة بالكنيسة، وفي بعض الأحيان لم تُسجل بياناتهم.

 لا يتضمن التقرير تفاصيل عن مستوى الانتهاكات، ويورد التقرير في أجزاء منه قضايا تتعلق بالثقافة السائدة داخل الكنيسة، والمتعلة بالانتهاكات.

 كما ويذكر معدو التقرير “لوم الضحايا “، ومحاباة من هم في السلطة، وتجاهل الادعاءات بوقوع انتهاكات، وتعترف الكنيسة أن هناك حاجة لفعل المزيد من أجل استعادة الثقة، واتخاذ إجراءات كفيلة بحماية ذوي الأوضاع الهشة من المعتدين.

يقدم التقرير 26 توصية، بينها صياغة ميثاق يضمن أن تكون أصوات الأطفال مسموعة، لكنه لا يتضمن إجراءات وتغييرات جذرية في الإجراءات الحالية التي تهدف لحماية الأطفال، والأشخاص ذوي الأوضاع الهشة، وفشلت في ذلك حتى الآن.

كان التحقيق المستقل في الانتهاكات الجنسية بحق الأطفال، الذي بوشر به قبل عامين من الآن، قد ذكر تفاصيل عجز الكنيسة عن حماية الأطفال من الانتهاكات الجنسية، وخلق ثقافة كفيلة بإخفاء هوية المعتدين.

 بهذا الصدد، قال رئيسا أساقفة كانتربري ويورك في بيان مشترك: ( إن نتائج التحقيق بينت فشل قيادة الكنيسة). وورد في البيان أنه:(ليست هناك أعذار تبرر فشل الكنيسة، في نشر المحبة الإلهية القائمة على تقدير كل شخص) وعبّر البيان عن اعتذار الكنيسة لكل من طالتهم الانتهاكات.

صوت الضحايا الذي لم يُسمع من قبل

في التحقيق الصادر الذي ذكرته بي بي سي في تاريخ 13 حزيران الماضي من العام الجاري، شارك “مارك موراي”، وهو واحداً من 11 كاهناً متدرباً شاركوا في اتفاق بقيمة 120 ألف جنيه استرليني مع “آباء فيرونا”، وهي بعثة كاثوليكية رومانية تُعرف الآن باسم إرساليات كومبوني، بسبب الانتهاكات التي تعرض لها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، في كلية بيتر كلافير قبل إغلاقها في عام 1984 م، وقام “موراي” بالإدلاء بشهادته أمام بابا الفاتيكان، بعدما ساعدتهم الهيئة المسؤولة عن التعامل مع الاعتداءات الجنسية المنتهكة بحق الأطفال في الكنيسة، في تنظيم اجتماع بهذا الخصوص، هذا وقد تلقى الضحايا اعتذاراً من اسقف ليدز، ولكن يعلق “موراي” على ذلك الاعتذار بالقول: (لا أريد اعتذاراً، أريدهم أن يستمعوا إلي )، مضيفاً أنه حين أخبر البابا فرنسيس عن الاعتداء الجنسي الذي تعرض له عندما كان طفلاً في مدرسة تدريب كاهن كاثوليكي، كان يريد من البابا فقط أن يستمع له، وكان يبلغ حين تعرض للاعتداءات الثالثة عشر من عمره. ويقول وهو الآن في ال 65  عاماً من العمر: (الاعتذار القسري ليس اعتذاراً حقيقياً )، وبينما يعيش موراي حالياً في بريطانيا،وأب لطفلين يعلق على شهادته بالقول:

(ستأتي شهادتي، من جانب شخصي أكثر، حول ما فعلته معاملتهم بي كشخص وبعائلتي )، ويضيف:(لقد احتجت سنوات من العلاج النفسي، بسبب الاستغلال الذي عانيت منه عندما كنت طفلاً،  والأصعب بكثير التعامل مع استجابة بعض المؤسسات تجاهي). ويجيب على سؤال لماذا صمت لغاية الآن: (إنهم يعرفون السبب،ولكن لم يكن هناك اعتراف ابداً بوقوع استغلال، وهذا نابع من عدم تعاون الآباء كومبوني معنا)، ويقول أنه لم يستطع التحدث لأكثر من 20 عاماً، قبل أن يبدأ الدعوى المدنية في عام 1995م، ضمن جهود ترمي للاعتراف بما حصل له من الإرسالية، التي كانت تدير المدرسة اللاهوتية، وقال:

 (ما كان ينبغي أن يعقد هذا الاجتماع- كان ينبغي أن تلقى القضية حلاً منذ عقود، لو كانت رهبانية كومبوني استمعوا إلينا بقلوبهم في عام 1995م، لكان من الممكن حل ذلك).

مارك موراي، أحد ضحايا الاعتداء الجنسي في كلية سانت بيتر كلافير

يأمل أعضاء مجموعة الناجين من “كومبوني”، أن تساعدهم الزيارة كجزء من عملية الشفاء، لكنهم يقولون أنهم ما زالوا يريدون العدالة من رهبانية “كومبوني”. والجدير ذكره أن تلك الجماعة، والمعروفة باسم “إرساليات كومبوني”،  والتي تم تأسيسها في عام 1867م، من قبل “دانييل كومبوني”، هي مجموعة دينية كاثوليكية تتألف من رجال دين، وقال متحدث باسم الإرسالية: ( لقد علمنا بحزن وأسف كبيرين، مزاعم الانتهاكات غير الجديدة المتعلقة بمدرستنا اللاهوتية السابقة، لقد عملنا للرد بجدية وحساسية على الشكاوي، والادعاءات المقدمة، ودعمنا بالكامل وتعاونا مع التحقيق المستقل في الاعتداء الجنسي على الأطفال، ونعمل مع مؤسسة خيرية متخصصة، محترمة، لتقديم المشورة وتسهيل الاجتماعات).

كما أكّدت الوكالة الكاثوليكية لمعايير الحماية:( أنها ستفعل ” كل ما في وسعها ” للمساعدة في أي قضية تتعلق بأي استغلال أو معاناة متعلقة بالكنيسة).

في وقت عبّر فيه “ماركوس ستوك” أسقف ليدز، الذي تقع الكلية في أبرشيته في ميرفيلد بعد أن قدم للضحايا ” اعتذاراً صادقاً وغير متحفظ” العام الماضي، عن أسفه:(للألم والصدمة التي عانى منها الضحايا، عندما كانوا طلاباً في ميرفيلد وعلى المعاناة الروحية، والضيق العاطفي، اللذين لا يزالان يؤثران على الضحايا حتى يومنا هذا).

ماركوس ستوك، أسقف ليدز

ضمن هذا السياق، كانت بريطانيا قد شهدت في تشرين الثاني من العام الماضي انتحار الأب “آلان جريفين” 78 عاماًاً، عقب وضعه عاماً كاملاً تحت المراقبة، دون إخطاره بمزاعم اعتداءه جنسياً على طفل، في الوقت الذي أكّد في وقت سابق الطبيب الشرعي أن تلك المزاعم: (لا يدعمها أي شك أو شاهد أو متهم).

*المصادر:

-BBC- بي بي سي

-وكالات.

* وإعداد: دلال ابراهيم، نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة نداء، عضو الفريق الإعلامي.