بطلة الجودو العالمية “كايلا هاريسون” والعمل من أجل عالم بلا خوف

*أشهر قصص الاعتداء الجنسي على الأطفال والناشئين في الأندية الرياضية على مستوى العالم ج5

أطلق كل من الإعلام بشكلٍ عام، والإعلام الرياضي، والأوساط الاجتماعية والرياضية أيضاً في أمريكا والعالم، ألقاب عديدة، وتوصيفات متنوعة على بطلة الجودو الأمريكية “كايلا هاريسون”، ومن هذا الألقاب:( المقاتلة التي حصدت الذهب، المقاتلة التي نالت الذهب بعد التحرش الجنسي، المقاتلة التي حولت مأساتها الشخصية إلى نجاحات باهرة… البطلة الأولمبية الأولى والقوية، التي لا تخاف….الخ)، ولم تكن تلك التوصيفات والألقاب بسبب ريادة “كايلا” في رياضة الجودو فقط، بل لأنها تعرضت للاعتداء الجنسي وسوء المعاملة من مدربها، عندما كانت طفلة، ولم تخشَ من فضحه عندما أدركت ما تتعرض له، وأوصلته إلى المحاكم ومن ثم السجن، و راجعت معالج نفسي، تابعت معه العلاج، من أجل التعافي من آثار الاعتداء الذي تعرضت له، وكادت لو استسلمت لمحنتها، أن تخسر كل أحلامها الرياضية، وبل حياتها أيضاً.

كايلا، أولمبياد ريو دي جانيرو، 2016م

 حققت “كايلا” أفضل نتائجها في رياضة الجودو، بعد تلك التجربة القاسية التي مرت بها، ولم تكتفِ بالحصول على مراكز متقدمة في مجال رياضتها، بل قامت بتأسيس مؤسسة تعتني بالناجين من الاعتداء الجنسي، وتوفر لهم الدعم والعلاج النفسي، كما تقوم المؤسسة بدور مهم في توعية المجتمع لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي في فضاء الحياة الاجتماعية عموماً، وفي الأوساط الرياضية على وجه الخصوص.

بعد نجاح “كايلا” في الحصول على المركز الأول في رياضة الجودو على مستوى العالم، في دورة الألعاب الأولمبية  بلندن، عام 2012م، كتبت صحيفة التايمز: (مع الميدالية الذهبية حول عنقها، تحولت رحلة الآنسة هاريسون الصاخبة إلى انتصار)، لتصبح أول أميركية تكسب أعلى تكريم في هذه الرياضة، بعد فوزها الكبير على البريطانية “جيما غيبونز”، وكتبت غالبية صحف العالم عنها، ما معناه: (فاجأت ​كايلا هاريسون​ العالم بميدالية ذهبية في الجودو – الأولى للولايات المتحدة – في عرض لا يُصدق من القوة، لبطلة عانت لسنوات من الاعتداء الجنسي على يد مدرب طفولتها، وفوزها بالميدالية الذهبية هو نتيجة رحلة غير عادية لابنة الـ 22 عاماً).

رحلة كايلا الرياضية ومعاناتها مع الاعتداء الجنسي

ولدت “كايلا هاريسون” عام 1990م، في  ميدلتاون بولاية “أوهايو” الأمريكية، وبدأت بتعلم رياضة الجودو في سن السادسة، على يد والدتها الحاصلة على الحزام الأسود بالجودو، لذلك هي من علمتها هذه الرياضة، كان كل شيء عن الجودو، وفنون الدفاع عن النفس، والانحناء وحتى التعرّض للطرح على الأرض، يثير حماس “كايلا”، وبدأت تتابع الدروس في “دوجو” محلي، أو مدرسة تدريب على فنون الدفاع عن النفس، ومن ثم انتقلت للتدريب تحت قيادة المدرب “دانيال دويل”، الذي فاز ببطولتين قبل سن الخامسة عشر، وفي تلك الفترة كان “دويل” يسيء معاملتها، ويستغلها جنسياً، وعندما لاحظ  تصرفاته غير المقبولة معها، أحد لاعبي الجودو، أخبر والدتها، كما أخبرتها إحدى صديقات “كايلا” بأن ابنتها بدأت علاقة جنسية مع المدرب، وتعتقد أنها ستتزوجه عندما تصل سن البلوغ، إلا إن “كايلا” أخبرت والدتها بنفسها بما يحصل معها، وكانت قد بدأت تشعر بعدم الارتياح، وأصبحت تستشعر سوء معاملة المدرب لها، واستغلاله لبراءتها، فقامت والدتها بإبلاغ الشرطة، ليتم القبض على “دويل”، ومحاكمته وقد اعترف بذنبه، كما اعترف بأنه في مناسبة واحدة سجل اللقاء الجنسي مع “كايلا” على شريط فيديو، ليُحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، وذلك عام 2007م، وبعدها بعام واحد فقط، حصدت “كايلا” لقب بطلة العالم للشباب في رياضة الجودو، وكان إعلانها وهي في سن ال16 عاماً، عن تعرضها للاعتداء الجنسي من قبل مدربها، حدثاً مفصلياً في حياتها، والتي انقلبت عقب ذلك رأساً على عقب.

كايلا الطفلة تحت سطوة المدرب

يُحذّر المتخصّصون في علم النفس الرياضي، من وقوع الطفل والمراهق الرياضي تحت سطوة المدرب، لأن السلطة التي يمتلكها هذا الأخير، ودرجة قربه من اللاعب، وشعور الطفل أو الناشىء بأن مستقبله بين يديه، وعدم وعي الطفل لحدود المسافة اللازمة لأمانه الجسدي مع المدرب، تجعل العديد من الأطفال يتعرضون لاستبداد المدربين، ويخضعون لرغباتهم، وبعضهم/ن يعيشون حالة من الاستلاب مع مدربيهم، ويعتبرونهم كما لو أنهم آباء لهم، وبل حياناً أكبر مكانة وأكثر أهمية، ولا يميزون ببراءتهم الطفولية بين ما هو عادي وطبيعي، وما هو ليس كذلك فيما يخص العلاقة الجسدية، كما ينبهر بعضهم/ن بشخصية المدرب، وينجذبون لها، ويُصبحون أسرى له بالكامل، وهذا بالضبط ما عاشته “كايلا” الطفلة والمراهقة مع مدربها، إذ قالت في حديث سابق لها مع إحدى الشبكات الإعلامية: (شعرت بغسيل دماغ، حتى أني بدأت معه علاقة جنسية)، وقالت لشبكة فوكس الرياضية بأنها كانت تعتقد أنها سوف تتزوج “دويل” عندما تبلغ سن الـ 18.

بعد محاكمة “دويل”، قالت “كايلا” لصحيفة لوس انجلوس تايمز: (لا أستطيع أن أصف ما شعرت به، أعتقد أنني بكيت إلى حد كبير كل ليلة).

 بعد شهر من  محاكمة وسجن المدرب، انتقلت”كايلا” بعيداً عن منزلها في ولاية أوهايو إلى بوسطن، للتدريب مع اللاعب الأولمبي “جيمي بيدرو”، ووالده في صالة الجودو الخاصة بهما، وبمساعدتهما ودعمها، عادت إلى اللعب، كما بدأت جلسات للعلاج النفسي، حتى استطاعت استعادة التحكّم بحياتها، والتخلص من آثار تجربتها مع الاعتداءالجنسي، وعن تلك الفترة تقول: (كنت محطمة نفسياً، وأعاني بشكل مستمر، وأريد الانتحار، وراودتني الكثير من الأفكار السيئة، التي لم أعرف كيف أتعامل معها)، وعن جلسات العلاج ودعم المدربين لها/ قالت: (ساعدوني لكي أثق بنفسي مرة أخرى)، وبعد تجاوز هذه المرحلة، بدأت بحصد النجاحات المتتالية، وتقول بأنها ركّزت على الذهب وإنه هذا كان هدفها الأول.

كايلا بعد فوزها في أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016

نجاحات كايلا هاريسون الرياضية

فازت “كايلا” ببطولة العالم للشباب عام 2008م، وحازت على المركز الثاني في عام 2009م، وفي عام 2010 حصلت على بطولة العالم للجودو، وفي البطولة ذاتها عام  2011م، في باريس، حازت على المركز الثالث وأخذت الميدالية البرونزية، وفي عام 2012م أيضاً، حازت على الميدالية الذهبية في الألعاب الاولمبية لفئة النساء لوزن 78 كجم، في لندن، بالرغم من إصابتها بتمزق في الرباط الجانبي أثناء التدريب، لتصبح أول أمريكية تفوز بميدالية ذهبية في الألعاب الأولمبية منذ عام 1999م، والأولى بهذه الرياضة، كما توجت بالذهب عام 2016م، في ريو دي جانير عن فئة الوزن ما دون 78 كغم، وما زالت تواصل نجاحاتها في هذه الرياضة

في طفولتها، اهتمت “كايلا” بلعب كرة القدم، ورقص الباليه، وبعض الرياضات الأخرى ، لتختار الجودو من بينها، وعن هذا تقول: (يُصادف أن طرح الناس على الأرض، كان الشيء الذي أردت أن أكون أفضل لاعبة فيه بالعالم).

حسب الموقع الإلكتروني لمؤسسة “بلا خوف” تقاعدت “كايلا” الآن من المنافسة في الجودو، وهي حالياً فنانة قتالية مختلطة مع دوري المقاتلين المحترفين، وبطل العالم في PFL مرتين، وتحمل لقبين متتاليين. تواصل التدريب في فريق American Top Team في كوكونت كريك فلوريدا.

كايلا في استقبالها في بوسطن، ماساتشوستس، 19 آب 2012م، بعد فوزها في أولمبياد لندن

مؤسسة “بلا خوف”

بعد فوز “كايلا” عام 2012في لندن، أنشأت مؤسسة بلا “خوف” لمكافحة الاعتداء الجنسي، ومساعدة الضحايا، وحول دوافع تأسيسها لهذه المؤسسة، تقول: (خلال محنتي لاحظتُ أنه لا يوجد أي منظمة كبيرة لمساعدة الناجين من الاعتداء الجنسي، لا يوجد أي منفذ للناس للمساعدة في وقف وباء العنف الجنسي، إنه “وباء”)، وأضافت: (إنه شيء لا يعرف العرق، أو اللون، أو المبالغ المالية الموجودة في حسابك المصرفي)، كما أوضحت أن برنامج المؤسسة يساعد الآخرين، وخاصة الشباب، في العثور على شغفهم، وتركّز على النساء، من خلال العديد من النشاطات، وتقول متوجهة لهن: (هدفي هو أن لا يكون هذا الهدف الجودو فقط، بل التنس أو الرسم أو الحياكة، كل ما يجعلك تشعرين امرأة كاملة مرة أخرى)، كما تقوم بتدريب رياضي الجودو على أهم تقنيات هذه الرياضة، وكيفية العمل من أجل الفوز، ووجّهت رسالة إلى نساء أخريات يعشن ظروف مماثلة، قائلة: (إنني أعلم أنكن تواجهن أياماً صعبة للغاية، وأعلم أنه يبدو وكأنكن لن تشعرن أبداً بالسعادة مرة أخرى، ولكن يمكنني أن أقطع وعداً، وهو إذا آمنتنّ بأنفسكن، ووجدتنّ الشجاعة لقول كل شيء، فهناك ضوء في نهاية النفق).

أصبحت “كايلا” أحد الخبراء والمستشارين والمتحدثين الأكثر خبرة والمطلوبين بشكل كبير، من قبل مؤسسات رعاية الطفولة، وغيرها من مؤسسات اجتماعية، لتحاضّر في قضية الاعتداء الجنسي للأطفال، وأساليب حمايتهم وتوعيتهم، وخاصة من خلال الرياضة وغيرها من فعاليات، كما أضحت مؤسستها من المؤسسات الرائدة في هذا المجال، ولها شراكات مع عدد من كبرى المؤسسات، والمشافي وقطاع الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية.

المصادر:

-الموقع الإلكتروني “السبورت”، 3-8 2012م:

https://www.elsport.com/news/show/94224

-الموقع الإلكتروني “تعلم”، 19-8-2016م:  https://www.ta3allamdz.com/2016/08/players-overcome

-موقع شير أميركا” الإلكتروني، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، 21 -7-2016م:

https://share.america.gov/ar/fearless-judoka-kayla-harrison-fights-abuse-survivors/

-الموقع الإلكتروني لمؤسسة”بلا خوف”: https://www.fearlessfoundation.org/

*إعداد: خولة حسن الحديد.