الطبيب الرياضي وحكم كرة القدم د. مخلص فارس: مشكلة الاعتداء الجنسي على الأطفال موجودة في كرة القدم أكثر من غيرها من الرياضات

 طبيب رياضي، متعدد الخبرات، عمل سنوات طويلة في سوريا، كطبيب جراح لعدد من فرق كرة القدم السورية، بما فيها المنتخبات الوطنية لمختلف الأعمار، ورافق هذه الفرق مرات عدة خلال سفرها للخارج، كما عمل إدارياً لعدة فرق لليافعين والشباب والرجال، ومن الصعب تعداد وتوصيف عدد المواقع والأدوار القيّمة التي شغلها، داخل سوريا وخارجها، والمهارات والخبرات التي يمتلكها في قطاع كرة القدم، بما فيها التحكيم،  ويعمل الآن،  ومنذ هجرته إلى كندا منذ عدة سنوات، حكماً رياضياً، ويقوم بتحكيم المباريات لمختلف الأعمار من الجنسين.

إنه الفلسطيني السوري د. “مخلص فارس”، وقد تشرّفت مؤسسة نداء، باللقاء معه، ، ليحدّث الناس عبر مؤسستنا، ومن خلال خبرته الطويلة، عن قضية الاسغلال الجنسي للأطفال في قطاع كرة القدم، فكان الحوار التالي:

*مرحباً دكتور مخلص، وأهلا بك معنا في مؤسسة نداء، وأرجو أن تحيطنا من خلال هذا الحوار، بتفاصيل قد لا يعرفها غالبيتنا، حول هذه القضية الحيوية.

د. مخلص فارس، طبيب رياضي وحكم في كرة القدم

*حضرتك عملت كطبيب لفرق كرة القدم السورية فترة طويلة، وأيضاً عملت كإداري، ومن ثم عملت وتعمل الآن بالتحكيم، فمن خلال خبراتك المتعددة في عالم كرة القدم، ومتابعاتك، كيف تقييّم ما يحدث من تحرش واعتداءات جنسية على الأطفال في هذا المجال، وهل تجد أن هذه المشكلة في كرة القدم توجد بأعداد أقل مما توجد في الرياضات الأخرى؟

-أهلاً بكم، ويسعدني أن أتشارك معكم خبراتي، وما أعرفه بهذا السياق من واقع عملي.

هذه المشكله موجوده في كل الرياضات، ولكنها تتكرر في كرة القدم أكثر من غيرها، نظراً لكثرة عدد المنخرطين في هذه اللعبة حول العالم، مقارنة بالألعاب الأخرى، كما تلعب النجوميه بكرة القدم دوراً كبيراً، حيث يستغلها بعض المدربين إذ يتم تسهيل الوصول إلى المستويات الأولى لبعض اللاعبين بعد استغلالهم جنسياً، على حساب لاعبين آخرين، لأن اللعب في الفريق الأول لأي فئه عمرية، هو طموح كل اللاعبين، وخاصة مع وجود الجمهور الذي يدغدغ أحاسيس هؤلاء اللاعبين، فيسكتون عن التحرش بهم مقابل اللعب أساسياً !!

المشكله الأخرى في كرة القدم، هي إن الأنديه تتستر عن الإعلان عن هذه التجاوزات، حفاظاً على سمعة النادي، حيث إن هذه التجاوزات إذا ما انتشرت في الإعلام، ستؤدي إلى عزوف الأهل عن إرسال أولادهم إلى ذلك النادي !

هذه المشكله تعتبر من المشاكل الكبرى بالرياضة، وخاصة كرة القدم، والتي فيها سفر، وإقامه بفنادق، وتغيير ملابس أكثر من باقي الرياضات !

في الآونه الأخيره، ظهرت مشكله من نوع جديد، وهي إحضار أطفال موهوبين من دول متخلفة، وفقيرة ونقلهم إلى أوربا، ووضعهم في معسكرات خاصه، لتدريبهم وبيعهم بعد ذلك، بموافقة الأهل، وغيابهم، ويُمكن أن يحدث في تلك المعسكرات تجاوزات كثيرة، ويصمت اللاعبون الصغار عنها، خوفاً من طردهم من المعسكر، وإعادتهم إلى دولهم الفقيره !

يوافق الأهل على سفر أولادهم، والتحاقهم بتلك المعسكرات، طمعاً في احتراف أولادهم، مما سيؤدّي إلى نقله كبيرة في حياة الأسره كاملة، وأحياناً القرية كلّها، حيث تنتشر أخبار مساعدة اللاعبين المحترفين لمجتمعاتهم التي غادروها بكثره في الإعلام.

*من واقع خبرتك الطبية، ولا شك سمعت بفضيحة د. “لاري نصار” مع الاتحاد الأمريكي للجماز، ما هي الحدود برأيك ومن واقع عملك التي يجب أن توجد بين اللاعب والطبيب، كي لا تحدث تجاوزات قد تؤدي إلى إساءة جسدية إلى اللاعبين واللاعبات، وخاصة صغار السن؟

– الطبيب يكون متواجداً في المنافسات الرياضية في المستويات العالية جداً، والاحترافية، ولذلك نسبة تورّط الطبيب بتلك الأمور قليلة، لأن أغلب اللاعبين يبدؤون بمشاهدة الطبيب قريب منهم، وبشكل دائم في المنتخبات الوطنية، أو بأعمار بعد ال ١٨، وبالتالي تنخفض نسبة التحرش إلى الحدود الدنيا.

في هذه الحاله مثلاً، أنصح بعدم تواجد الطبيب مع اللاعب في غرفة مغلقة لوحدهما، ويُفضل وجود شخص ثالث، كالمدرب والإداري، أو المعالج الفيزيائي أو أحد الأهل !

د. مخلص مع زميلات تحكيم إحدى المباريات

*رافقت الفرق الرياضية إلى الخارج للمشاركة بالبطولات الدولية، وكثير من حوادث الاعتداء في عالم الرياضة، تمت خلال سفر الأطفال أو الشباب اليافعين بعيداً عن مكان إقامتهم، فما هي التدابير المعتادة التي من المفترض أن تتوفر لتجنيب الأطفال المشاركين التعرض لأي إساءة أو استغلال جنسي برأيك؟

– عملت في سوريا مسؤولاً عن فرق اليافعين لفتره لا بأس بها، كما رافقتهم كطبيب، وهو عمل شاق جداً، حيث مراقبة التحرشات الجنسية كانت من الأوليات عندي، فقت باختصار عدد المسافرين، وعدم السماح بالنوم لأكثر من طفل على السرير، وهذا يرفع تكلفة السفر في أندية فقيره جداً، إذ يضعون ثلاثة أطفال في سرير واحد، لخفض النفقات، مع الانتباه إن اختلاف سن البلوغ بين الأطفال يعلب دوراً كبيراً بالتحرش الجنسي، فعندما ينام طفل بالغ جنسياً في عمر مبكر، مع آخر غير بالغ في سرير واحد، تحدث المشكلات.

في كندا كل طفل يسافر معه أهله، وينام معهم، ويكون الطفل مراقب كل الوقت، خاصة إن الأهل في كندا أوعى من مجتمعاتنا، ويتم إخضاعهم لدورات من قبل الحكومة، لتعليمهم كيفية الوقاية من هذه المشكلة، بينما يغيب ذلك تماماً في مجتمعاتنا .

*عملت أيضاً كإداري، فمن خلال خبرتك بهذا المجال، كيف يتصرف عادة الإداريون عندما تصلهم شكاوى عن تعرض أحد اللاعبين للتحرش أو الاعتداء؟ وهل من نصائج من أجل استجابة أفضل للتعامل مع هذه المشكلة؟  

الشكاوى قليله جداً، ويتم إلغاء اشتراك الولد في النادي بصمت، دون معرفة الأسباب، حيث يتحجج الأهل بالدراسه غالباً، لمنع الطفل من المتابعه.

عندما كنتُ مسؤولاً عن هذه الأعمار، قمت بتجنيد مخبرين داخل الفرق، وبناءً على ذلك، قمت بفصل أحد الإداريين، وهو متحرش، ولكن للأسف تم فصله دون إعلان السبب، وعدم إبلاغ السلطات المختصة عن ذلك، خوفاً على سمعة النادي، وهذا خطأ، ولكنه حدث معي، وربما حدث مع غيري.

باختصار، في مجتمعنا لا شكاوى، بينما في كندا ممكن أن يشتكي الأهل، ولا يعتبرونها عيب يجب إخفاءه!

* من خلال عملك في سوريا لفترة طويلة، وبمواقع وأماكن مختلفة، ربما مرت خلال تجربتك أحداث اعتداء جنسي أو تحرش أكثر من مرة ، كيف تم التعامل معها؟

 أذكر في حالة شهدتها خلال عملي، كان هناك شك بأحد الأشخاص من خلال مخبرين من اللاعبين، غير متورطين بالموضوع، ولكن الأهل رفضوا رفضاً قاطعاً مشاركة أولادهم كشهود، كون هذه القضيه في بلادنا معيبه جداً!

كما ذكرت سابقاً، قمنا بفصل المشكوك به، دون سؤاله حتى، وتم طرده من العمل دون إبداء الأسباب، وتم لفلفلة الموضوع بعلم كل القاده المقربين بالفريق، وهذه طريقه خاطئة، ولكنها للأسف هي المعتمده في بلادنا !

د.مخلص خلال تحكيم إحدى المباريات

*الآن أنت تعمل في كندا ك”حكم”، سمعت أنك من أشهر الحكام في كندا – أنت تتواضع ولا تتكلم عن هذا الأمر – وتُحكّم مباريات للجنسين، فبرأيك هل تختلف معايير وإجراءات السلامة في بلادنا عنها عما تعايشه في كندا؟ وهل تختلف أيضاً تلك المعايير فيما يتعلق بالجنسين؟

الفرق بين كندا ومجتمعنا العربي، إن هذه الأمور يتم مراعاتها عند الممارسة الرياضية للأطفال، حيث يُجبر الأطفال على حضور أحد معهم في كل التمارين، والسفر مع الأهل، أو ممن يوّكله الأهل عوضاً عنهم، وهذا عبء كبير على الأسرة، فحضورهم التمارين، والمباريات، والسفر مع الفريق، ليس أمراً سهلا في لعبة ككرة القدم، نشاطها كبير جداً، كما إن التلامس بين المدرب واللاعبين ممنوع، وكذلك الحكام، والتشديد على الحكام أكثر، لأن الحكم غريب عن الفريق، وممنوع منعاً باتاً وضع اليد على اللاعبين الصغار، لأي غاية كانت.

في مجتمعنا الأهل بعيدون جداً عن نشاط أولادهم، بسبب انشغال الأب في البحث عن لقمة العيش، وخاصة إن أغلب الممارسين لهذه اللعبة هم من الطبقه الدنيا اقتصادياً، مع استحالة مرافقة أعلب الأمهات لأولادهن إلى التمارين، بسبب العادات والتقاليد، بينما في كندا وفي المباريات، الأهل ملزمون بالحضور، وأغلب الحاضرين هم من الأمهات، أو حتى العمات، أو الخالات، أو الجدات، حيث يحضرون مع الولد إلى المباراة، ويغادرون سوية بعد انتهاء المباراه.

*أخيراً: من خلال خبراتك الطويلة والقيّمة جداً، هل ترى أنه هناك ثغرات في تطبيق إجراءات السلامة الخاصة باللاعبين من صغار السن، فيما يتعلق بقضية الاستغلال الجنسي، وما الذي يجب تغييره برأيك، أو ما النصائح التي توجهها للقائمين على هذا القطاع من أجل تقديم حماية أفضل، وتجنيب اللاعبين واللاعبات من صغار السن الإساءة والاعتداء الجنسي؟

أهم عائق في طريق محاربة هذه الممارسات على مستوى فرق الأطفال واليافعين، هو توظيف مراقبين لهذه الفرق، وهذا يتطلب رواتب، في الوقت الذي يُصرف فيه القليل جداً على هذه الفرق، حتى في الدول المتقدمة، لذلك في كندا أوكلوا هذه المهمه للأهل، ويعتبر تواجدهم إجباري، هم أو من يوكّلونه عنهم، كأن تاتي أم طفل ومعها طفل ثاني أمه لم تستطع الحضور لأسباب طارئة، وهذه الأم تحضر الطفلين، وتعيدهم معها.. وهكذا.

أنا برأيي إن الأهل يقع على عاتقهم موضوع المراقبة أو عدمه، كما إن على القادة الرياضيين أن يُحسنوا انتقاء المدربين ومساعديهم، ويجب الانتباه إلى عدم تعيين مساعدين يتم اختيارهم من قبل المدرب، فهؤلاء يتسترون غالباً على المدرب، لأنه هو من وظفهم !

الطامه الكبرى، هي إن أغلب فرق الأطفال، يكون فيها مدرب واحد فقط، وهو يقوم بكل الأعمال ضغطاً للنفقات، وهنا يكون الباب مفتوحاً، إذا كان ذلك المدرب متحرشاً، أن يفعل ما يشاء، وسط غياب كل سبل الوقاية، وهذا ما يحدث في بلادنا بالضبط !.. للأسف.

*تتوجه أسرة مؤسسة نداء إلى د. مخلص بوافر التقدير والاحترام، والشكر الجزيل على هذه المعلومات الهامة التي وافانا بها، وعلى وقته الثمين الذي منحنا إياه للإجابة عن أسئلتنا.

*إعداد: خولة حسن الحديد.