الخطر داخل بيوتنا: عصابة اغتصاب الأطفال  في لبنان تكشف خطر منصات التواصل على الأطفال

ادّعى عدد من القاصرين لا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً لدى النيابة العامّة اللبنانية حول تعرّضهم لاعتداءات جنسيّة، وتصويرهم، من قبل أفراد إحدى العصابات المنظّمة، بالإضافة إلى إجبارهم على تعاطي المخدّرات والترويج لها.

الصدمة وردود الأفعال

لا تزال قضية “عصابة اغتصاب الأطفال” التي أعلنت الأجهزة الأمنية اللبنانية إلقاء القبض عليها أوائل هذا الشهر، تتصدر اهتمامات الرأي العام اللبناني، بعدما أثارت صدمة اجتماعية عارمة في أسلوبها وتفاصيلها، وتراوحت وردود الأفعال الغاضبة  بين مطالبات بإنزال أشد العقوبات بجميع أفراد العصابة، وأخرى بحجب منصة التيك توك لحماية الأطفال.

 لم تتوقف بعد الجدالات عبر منصات التواصل، التي تناقش دور ومسؤولية تطبيق تيك توك في الجريمة، وما إذا كان تتحمّل الشركة المالكة المسؤولية تجاه الضحايا.

تبيّن بعد التوسع في التحقيقات أن العصابة تتألف من 30 شخصاً على الأقل، وهم عبارة عن مجموعة تضم أشهر “التيك توكر” في لبنان، المعروفين على وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يمتلكون متاجر للألبسة، وصالونات لتصفيف الشعر وغيرها، وسبق أن قاموا بالترويج والتسويق لمحلاتهم على “التيك توك”، كما قدموا الكثير من الهدايا للأطفال من محلاتهم.

فيما أكّدت مصادر مطلعة لوسائل الإعلام قائلة: (قد نكون في الأيام المقبلة مع فضائحَ أكبر، واكتشافات قد تصعب كتابتها أو قراءتها)، وحسب معلومات خاصة لـموقع المدن، يرتفع عدد إفادات الأطفال بشكل يومي.

 تتراوح أعمار هؤلاء الأطفال الضحايا بين 9 و 16 عاماً، إذ وبعد تسريب تفاصيل هذه القضية وانكشافها، تشجّع الأطفال الضحايا على الاعتراف أمام عائلاتهم، وقدموا إفاداتهم أمام القضاء،، فوصل عدد الإفادات حتى الآن إلى أكثر من 12.

عصابة منظمة وليست حديثة العهد

تكمن خطورة الملف، وفق مصدر أمني، في كون حوادث الاغتصاب والتحرّش التي تطال قاصرين، ليست حوادث فردية، بل عمل منظم ضمن أفراد عصابة، يقدمون تسهيلات لبعضهم البعض ويتبادلون الضحايا، إذ يتقاسم أفرادها المهام لتنفيذ جرائمهم، ففي وضع هذه العصابة، كان عدد منهم يستدرج الأطفال إلى صالون التجميل تمهيداً لتقديمهم لزعيم العصابة، وآخرون يتولون مهمة استئجار الشقق والشاليهات لتنفيذ جرائمهم المروعة.

 وتقول مصادر للمدن: (إنالعصابة مموّلة من قبل رجل لبناني يقيم في دبي، وهو المسؤول عن تمويل العصابة بشكل دوري، لاستدراج الأطفال وتحضير الحفلات الخاصة).

في حديث خاص للـموقع المذكورآنفاً، أوضحت مصادر قضائية رفيعة أن العصابة تشكّلت منذ سنوات، وبدأ أفرادها بالتعرف على بعضهم بعض من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وحصلوا على تمويل خارجي مرتفع جدًا للغايات الجرمية، فغاية هذه العصابة هي استدراج الأطفال، والاعتداء عليهم وتصويرهم.

 توزعت المهام على أفراد العصابة، حيث أن مجموعة صغيرة من “التيك توكر” تبدأ باستدراج الأطفال من خلال توفير فرص عمل لهم برواتب مرتفعة، أو من خلال شابات جميلات يحاولن الإيقاع بالمراهقين منهم، أو من خلال تقديم الهدايا والأموال لهم، ومن ثم تبدأ المجموعة الثانية بالتخطيط والتجهيز للحفلة الخاصة داخل أحد الشاليهات، ويُطلب من الأطفال حضور هذه الحفلة، أما المجموعة الثالثة فتتولى تجهيز الكاميرات لتصوير الأطفال خلال اغتصابهم، وأثناء تناولهم للمخدرات، لتبدأ عملية ابتزازهم والتعرّض لهم، إضافة إلى إقناعهم بأن أفراد العصابة على علاقة قوية جداً بالأجهزة الأمنية، ويتمتعون بحماية خاصة، وذلك لمنعهم من اللجوء للأجهزة الأمنية أو القضاء اللبناني، إذ يجري توزيع جميع كاميرات المراقبة  في جميع زوايا الشاليه، وبعد اغتصاب الأطفال، تكشف العصابة أمام الأطفال أن كاميرات المراقبة قامت بتوثيق جميع تفاصيل هذه الحفلة.

 في اعترافات أحد الأطفال، أفاد أنه كان يتم استدراجهم بطرق عدة، على غرارعروض هدايا من محل للملابس، وإيهامهم بتصوير إعلانات، أو عبر صالون مصفّف شعر، أو حسابات مزيّفة على مواقع التواصل الاجتماعي أو وجبات طعام للأطفال المشردين والفقراء، ومن ثم يقومون بإهدائهم لل ” الداعمين ” بغية اغتصابهم والاعتداء عليهم.

 بالنسبة لبعض الضحايا من عائلات مرموقة،  تستخدم العصابة الشرائط المصورة من أجل ابتزاز أهاليهم مادياً واجتماعياً، وبعض الضحايا يتم استخدامهم كمروجي مخدرات تحت طائلة التهديد بفضحهم.

  مصادر أخرى تقول أنه جاء في إفادة أحد الأطفال: “إن الشاليه كان مليئاً بالأطفال وكانوا بلباسهم الداخلي فقط.”، ما يعني أن جميع الأطفال تعرضوا للاغتصاب والتصوير، وحسب الإفادات التي قدمت أمام القضاء اللبناني، فإن العدد الأكبر من الأطفال أُجبِروا على العمل لصالح العصابة، أما أولئك الذين رفضوا التعاون مع العصابة، فقد تعرضوا بعد فترة قصيرة للضرب، وسرقة هاتفهم المحمول لمنعهم من التداول بتفاصيل الحفلة.

هذا وقد عُثر في هواتف الضحايا على عشرات الشرائط المصورة، توثّق عمليات الاغتصاب، وعدد من الأطفال غير معروف حتى الآن ويفوق الثلاثين.

لقد حددت الأجهزة الأمنية سبعة أماكن استخدمتها العصابة لاستدراج الأطفال واغتصابهم، وهي عبارة عن شاليهات كبيرة مؤلفة من عدة طوابق، ومتوزعة بين بيروت وجبل لبنان، وحسب معلومات “المدن”، فإن أحد هذه الأماكن الموجود في بيروت أقفل منذ حوالى السنتين، ما يعني أن هذه العصابة تمارس هذه الأعمال منذ سنوات طويلة، من دون أن يتم الكشف عنها، وأخطر ما في هذه القضية، هو احتمال تمكّن العصابة من استدراج المئات من الأطفال طيلة السنوات الماضية.

كما أفاد مصدراً مطلعاً لموقع “النشرة”، أنه كان يُغتصب الأطفال بعد تخديرهم بمواد توضع في مشروبات تقدم لهم، أو ألواح شوكولا توزع عليهم، وبعد ظهور أعراض الدوران والتخدير على الأطفال، تبدأ العصابة باغتصابهم، وتصويرهم بغية ابتزازهم وإجبارهم على مساعدتهم لاستدراج العدد الأكبر من الأطفال فيما بعد، ويُجبرون على تعاطي المخدرات، ثم الترويج لها تحت طائل ابتزازهم بمقاطع مصورة.

 الأولوية لحماية الضحايا

أثارت السرية التي تحيط بالتحقيقات، وعدم صدور رواية رسمية كاملة حول القضية استياء بعض اللبنانيين، والذين عبروا عن مخاوفهم من تدخلات سياسية أو محسوبيات في القضية، وحمّلوا هذا الغموض الرسمي مسؤولية انتشار الروايات المغلوطة وفوضى التسريبات والمعلومات المتضاربة، مطالبين السلطات اللبنانية باعتماد الشفافية في عرض القضية.

في المقابل شدّد آخرون على أهمية السرية في التحقيقات الجارية، لضمان عدم إفلات المتورطين مع هذه العصابة، والحرص على خصوصية الضحايا، وحمايتهم من التشهير، خاصة وأنهم أطفال ومراهقون.

أميرة سكر، رئيسة اتحاد حماية الأحداث اللبناني

في هذا السياق تقول رئيسة اتحاد حماية الأحداث “أميرة سكر”: ( إن أهم ما يجب الحفاظ عليه هو السرية التامة في تفاصيل القضية، وعدم إفشاء أسماء، أو أعمار، أو جنسيات أو طائفة أي قاصر من ضحايا هذه العصابة، فالطفل هو طفل أولا وأخيراً، وعدم نشر حيثيات الملف، نظراً لما قد يحمله من تأثير على الضحايا من جهة، وقد يؤدي من جهة أخرى إلى أخذ الحذر والحيطة من قبل المرتكبين في حال كانوا عصابة).

وتركّز “سكر”، في حديثها لموقع “الحرة” على مسؤولية الأهل فتقول: (إنن على الأهل في هذه المرحلة وبعد هذه الواقعة، اعتماد إجراءات وقائية مع أولادهم، واتباع أسس “الوالدية الإيجابية”، ومراقبة كافة حسابات الطفل على الانترنت).

كما تشدّد “سكر”، على ضرورة التعاطف مع القاصرين، إن كانوا ضحايا أو حتى من بين المرتكبين مضيفة: (لقد  جرى أساساً استدراجهم واستغلالهم كي يرتكبوا مخالفات، أو يشاركوا في هكذا أعمال فيها استغلال للقاصرين الآخرين).

مخاطر التيك توك

من جهتها نشرت منظمة “سميكس” المعنية بالحقوق والسلامة الرقمية، توجيهات مرتبطة بهذا النوع من القضايا التي تمس سلامة المستخدمين، لاسيما القصّر، حيث لفتت “سمر حلال” مسؤولة منصة السلامة الرقمية في “سميكس” إلى أن نصائح السلامة الرقمية مهمّة وضرورية، وأنه (يوجد على تطبيق تيك توك عدداً من الميزات لتعزيز سلامة المستخدمين القاصرين، مثل ميزة الخصوصية، والإشراف العائلي وغيرها)، ومع ذلك تؤكّد أنّ (هذا لا يكفي لحماية الأشخاص القاصرين من هذا النوع من الابتزاز).

بالإضافة إلى المسؤولية الواقعة على عاتق المرتكبين في القضية، تضيف “حلال” إنّ المسؤولية تقع أيضاً على الدولة وأجهزتها، وعلى تطبيق تيك توك، وأيضاً على الأهل).

في الوقت الذي يزداد فيه انتشار تطبيقات التواصل الاجتماعي بسرعة، أصبح “تيك توك” منصة مفضلة للمراهقين، للتواصل والتعبير عن أنفسهم، وفي هذا السياق، كشفت دراسة جديدة نشرت في موقع psychiatry العلمي، وأجراها باحثون صينيون في جامعة “تيانجين”، عن مخاطر نفسية وعقلية خطيرة مرتبطة بالاستخدام المفرط لتطبيق تيك توك، خاصة بين المراهقين المدمنين عليه.

ازدياد عدد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال في لبنان

من الجدير بالذكر، إنه قد سجل لبنان ارتفاعاً في حالات العنف الجنسي ضد الأطفال ما بين عامي 2020 و2022م، إذ ارتفعت النسبة من 10 إلى 12% وفق جمعية “حماية” المعنية في تلك الحالات، وتوزعت حالات العنف المسجلة هذا العام بين 46% للإناث و54% للذكور، وكانت البلاد قد عاشت واقعة صادمة الصيف الماضي، تمثلت في حادثة مقتل طفلة بعد اغتصابها، لتكشف التحقيقات ضلوع خالها في الجريمة، وسط تكتم من والدتها وأهل الأم، لتفجر القضية غضباً عارماً في البلاد، كذلك، أقدم شخص في عقده الخامس على اغتصاب طفل في الخامسة من عمره، خلال شهر أيلول الماضي، في جريمة وقعت في بلدة حقل العزيمة بقضاء الضنية شمالاً.

في المحصّلة، هذه الجريمة تؤكّد من جديد حجم الخطر الكامن في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً على الأطفال والمراهقين، الأمر الذي يحتّم التعامل معه بشكل مختلف من قبل الأهل، إلى جانب الدور الملقى على عاتق المؤسسات المعنيّة، سواء على مستوى المتابعة من قبل ​الأجهزة الأمنية​ والقضائية، أو على مستوى التوعية من قبل ​المؤسسات التربوية​، التي لا يجب أن تتجاهل هذا الخطر.

*المصادر:

-مواقع المدن الإلكتروني.

– موقع قناة الحرة الإلكتروني.

– موقع النشرة الإلكتروني.

*إعداد: دلال ابراهيم.