البيدوفيليا بين الماضي والحاضر… ج2

الجزء الأول من هذه السلسلة، كان عن انتشار البيدوفيليا في الجغرافية العربية، وتحديداً بذروتها، والتي كانت في العصرين الأموي والعباسي، حيث تطرقت لما جاء على لسان الملوك والخاصّة، وكيف كانت حياتهم وتقبلهم للبيدوفيليا، أوالاعتداء والتحرش الجنسي بشكل عام؛ وفي هذا الجزء سنطّلع بشكل موجز، على بعض أنواع الاعتداءات الجنسية الحاصلة بحضارة بين النهرين والحضارة الفرعونية، والملفت أن هاتين الحضارتين، لم يتم توثيق انتشار البيدوفيليا بتأريخهم، أو لعلها فعلاً لم تكن منتشرة بكثرة، ولكن رغم ذلك لم تنجُ من الاعتداءات الجنسية.

*تعريف الاعتداء الجنسي كما جاء في ويكيبيديا: (هو مصطلح يعني اعتداء ذو طبيعة جنسية تجاه شخص آخر، وبالرغم من أن الاعتداءات الجنسية غالباً ما تكون من قبل رجل تجاه امرأة، إلا أنه من الممكن أن يحدث من قبل رجل تجاه رجل، أو امرأة تجاه رجل، أو امرأة تجاه امرأة؛ وفي حين تربط الاعتداءات الجنسية بجريمة اغتصاب، إلا أنها قد تشمل الاعتداءات التي قد لاتعد اغتصاباً بالضرورة، في حين يتم تحديد الفرق بين الاعتداء الجنسي والاغتصاب، وفق النظام القضائي المتبع في مكان وقوع الجريمة، والذي يتأثر بالمواقف الثقافية والاجتماعية المحلية، وقد يشمل الاعتداء الجنسي جماع الولوج المهبلي، و‌الجنس الشرجي و‌الجنس الفموي، والإجبار على الجماع الجنسي، اللمس بصورة غير ملائمة، الإجبار على التقبيل، التحرش الجنسي بالأطفال و‌تعذيب الضحية بطريقة جنسية).
ذكرت هذا التعريف لأمور عِدّة، وأهمها أن هذا التعريف غير كامل، وبرأيي: هو تعريف عام وسطحي نوعاً ما، وهناك نوع آخر من الاعتداء الجنسي، ولايقل خطورة نهائياً عن الاعتداء المباشر، والذي سأسميه (الاغتصاب بالذرائع)، ويتم تحت ذرائع مختلفة، منها الدينية، والعُرف، والمصلحة، إلخ..
ويكون بعضها بإقناع الضحية على أن ماتقوم به هو لمصلحتها، أو لمصلحة الجماعة أو لإرضاء الرب، وهذا ما انتشر في (حضارة بين النهرين)، فكانت كل امرأة في بابل، مجبرة على الجلوس مرة واحدة في عمرها، في فناء معبد “عشتار” وتسليم نفسها الى غريب ليمارس الجنس معها، ويرى البعض أن هذه الممارسات كانت من أجل الآلهة عشتار، وهي تعكس تقديس المرأة عن طريق رجل غريب، يمثل قوة الإله الخارقة، فهو يهبها الإخصاب.


وهذا النوع من الاغتصاب مستمر إلى يومنا هذا بأشكال مختلفة، وأراه اغتصاب مزدوج، فالاغتصاب الأول يكون لجسدها، والاغتصاب الثاني هو عن طريق الاستلاب الحاصل لإرادة المرأة وحريتها، وتوارث مثل هذه الأفعال من آلاف السنين، هو ماجعلني دائماً أشك بالأسس الأخلاقية، أو مايسمى (الفطرة السليمة) عند الإنسان، أو على أقل تقدير ربما أن القوى الغرائزية الحيوانية في النفس البشرية، لها الأثر المستدام بشكل أكبر؛ وكما ذكرتُ سابقاً أن هذا “الوباء” انتشر في جميع أنحاء الكوكب وفي كل الحضارات، فلم يمنعه كذلك التقدم الفكري أو الحضاري من الانتشار.

كما كان حال (الفراعنة) ومن حالات التحرش التي أُرخت وفقاً للباحث الأثري “مجدي شاكر” (فإن بردية مصرية تعود لسنة 1200 قبل الميلاد كشفت عن واقعة تحرش في مدينة “طيبة”، عاصمة مصر القديمة، التي تقع حاليا في مدينة “الأقصر”، بصعيد مصر، ويسرد جريمة “بانيب” الأكبر، وهي كانت التحرش بامرأة تدعى “يمينواو” لدرجة نزع ملابسها وانتهاكها عند أحد الجدران، وقد شهد ابن “بانيب” بفسق والده ضد النساء، بل اعترف الابن بمشاركة أباه في إحدى المرات. *”المصدر صحيفة اليوم السابع”).
وكتب المؤرّخ اليونانيّ هيروديت “Herodotus” (أنه شاهد المصريين وهم يتجمّعون لأحد الاحتفالات الدينية، فقام الرجال بجمع عائلاتهم في قوارب وأبحروا باتّجاه مدينة “تل بسطة Bubastis”، من أجل احتفال مقدس وشديد الروحانية، لكن الذهاب لاحتفال مقدس، لم يمنع الرجال من مضايقة الفتيات في الطريق؛ فوفقاً لهيروديت كان الرجال (يصرخون عالياً، ويتهكّمون على النساء وينزعون ملابسهنّ، في طريقهم خلال المدن)، ويبدو أنّ الرجال كانوا يتمسكون بذلك الأمل البعيد، أن إحدى الفتيات ستصبح متشوقة للغاية، لدرجة أنها ستقفز في الماء وتسبح باتجاههم)!. ولم يتوقف الأمر عند الفراعنة بهذا الحد، فكما انتشر ولم يخفى على من يتابع الأخبار العالمية، الجريمة التي حصلت في بريطانيا، والتي كان بطلها المجرم “ديفيد فولر” مغتصب الأموات، وكيف أن هذه الحادثة هزّت الإعلام العالمي، وتم تداول الخبر على أنه سابقة لم تحصل من قبل، ولكن هل هو فِعلٌ جديد حقاً على البشرية؟

بالطبع كلا، ولِذات السبب كان الفراعنة يحنطون الرجال بطريقتهم اللائقة المعتادة، أما النساء فكُن يعاملن بطريقة مختلفة، ولا تُرسل النساء الجميلات إلى المحنّطين، إلا بعد أن يتحللن لأربعة أو خمسة أيام، وكان ذلك يرجع لعدم ثقة المصريين بالمحنّطين، وهذا لم يكن فقط مجرّد جنون الارتياب، بل شيئاً تعلمه المصريون بالتجربة، إذ إن أحد المحنِّطين المسؤولين عن تحنيط أحد الأجسام المَلكية، أمسكه زميلٌ له متلبساً بالجرم المشهود، وهو يعتدي على جثة امرأة، فأبلغ عنه؛ وبعد ذلك لم يثق الحكّام المصريون حتى بالعمال خاصتهم مع النساء الميّتات.
 لكن وبالرغم من ذلك، فكانت هناك بعض الأمور التي تُحسب للحضارة الفرعونية، بأنه كان لديهم استثناءات ومحظورات، كالاعتداء الجنسي على الأطفال والبهائم، ورغم انتشار مثل هذه الحالات من اعتداء وتحرش، إلا أنه يتضح على أنها أفعال غير مرحب بها، وذلك على حسب ماذكر الباحث الأثري “أحمد عامر”:(جرائم الاغتصاب والزنا عقوبتها تصل إلي الإعدام، وهذا استناداً إلي نقوش “آني”، وبردية بولاق، وبردية “لييد” حيث أن الزناة  كانوا يكفرون عن خطاياهم بالإعدام، وأن الشروع في الزنا، “التحرش”، كان يواجه نفس العقوبة، أي ولو لم يرتكب فعلاً الذنب الآثم).
على مر التاريخ وإلى يومنا هذا، لا التحصيل العلمي، ولا الثقافة، ولا التطور، ولا القوانين الصارمة، أو حتى الأديان، هذا كله لم يمنع الإنسان من الإنجرار خلف أهوائه، أو ميوله الشاذة أو حتى الاعتداء والاغتصاب وارتكاب أفظع الجرائم، كل من رفضوا هذه الأفعال كان بإرادة داخلية منهم واقتناع، وربما ساعدتهم أو كبحتهم  قليلاً حالة خارجية ما، وهذا ما يُعَزّينا قليلاً بأن رغم انتشار تلك الأفعال، إلا أنه لم يكن مرحب بها، ولم تكن شائعة بالمطلق بين عامة الناس.

*إعداد: محمود عبود.