الإساءة والاعتداء الجنسي يوديان بحياة رياضية شابّة كورية انتحاراً

*أشهر قصص الاعتداء الجنسي على الأطفال والناشئين في الأندية الرياضية على مستوى العالم ج4

في دراسة أجرتها النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين (الفيفبرو)، ونُشرت عام 2015م، جاء فيها: (إن واحداً من كل ثلاثة لاعبين يعاني الاكتئاب أو القلق، وأن نسبة الذين يعانون أمراضاً نفسية وصلت إلى 38 في المئة).

يُعاني الرياضيون بشكلٍ عام من ضغوطات نفسية كبيرة، مما يجعل بعضهم يدخل في حالات اكتئاب قد تتطور إلى اضطراب دائم أو طويل الأمد، وأحياناً يتطور الأمر لدرجة خطيرة،  فيصل باللاعب إلى درجة الانتحار كما حدث مع “واد بلك” و “ريك ريليان” وهما لاعبي هوكي جليد، وانتحرا بسبب الاكتئاب بالعام نفسه (2011م)، وكذلك الألماني “أندرياس بيرمان” لاعب كرة قدم في عام (2014م)، و”أنطوني هيوز”، وحارس المنتخب الألماني سابقاً “روبرت إنكه” عم (2009م)، والدراجة الأمريكية “كيلي كاتلين” عام (2019م)، كل هؤلاء انتحروا بسبب حالات من الاكتئاب، وغيرهم الكثير ولأسباب نفسية أخرى، والتي سبب بعضها كان إصابات الرأس المتكررة.

إذاً حالات الاكتئاب، والانتحار ليست بجديدة على الأوساط الرياضية بشكل عام، ويرجع بعض علماء النفس، السبب لإصابة بعض الرياضيين بما يسمى “متلازمة الاحتراق النفسي”، والتي تصف عواقب الإجهاد النفسي الشديد، التي من الممكن أن يتعرض لها اللاعبون.

انتحار الكورية “تشون سوك هيون” بسبب الإساءات المتكررة

 في الثاني من يوليو/تموز عام 2020م،  أقدمت الرياضية “تشون سوك هيون” 22 عاماً من (كوريا الجنوبية)، والفائزة بالميدالية البرونزية بفئة الناشئات في بطولة الترياتلون الآسيوية عام 2015 في “تايبيه”، على وضع نهاية لحياتها، ولكن الأسباب هذه المرة، كانت مختلفاً عن الأسباب المتعارف عليها في الأوساط الرياضية.

كانت “تشوي” قد تقدمت سابقاً بالشكوى إلى لجنة الألعاب الأولمبية، والرياضية الكورية (أعلى هيئة رياضية في البلاد)، في أبريل/نيسان 2020م، تطالب بالتحقيق في شكواها، عن تعرضها للاعتداء الجنسي والجسدي على أيدي طاقم تدريبها.

وقالت “تشوي” قبل انتحارها، إنها تحمّلت سنوات من الانتهاك، وإن الشكاوى التي رفعتها إلى السلطات الرياضية كان مصيرها الإهمال.

بثت قناة محلية موادَ صوتية لوالدَي الفتاة، يقولان فيها، إن ابنتهما تعرضت للضرب، ولانتهاكات لفظية، وللتحرش على أيدي أعضاء من فريق تدريبها.

في أحد التسجيلات، يمكن سماع صوت أحدهم يقول: (أنتِ! تعالي هنا. أطبقي فكيك)، ثم يتبع ذلك أصوات صفعات، وقال أحد معارف “تشوي” لوكالة (يونهاب الكورية للأنباء)، إنها “استغاثت بالعديد من (المؤسسات العامة)، لكن أحداً لم يلق لها بالاً”.

في يوميات كانت تحتفظ بها، كتبت “تشوي”: (قضت ليالٍ كثيرة باكية، وأفضل الموت بعد التعرض مراراً للضرب، كما لو كنت كلبة”).

الراحلة: تشون سوك هيون

بحسب تقارير صحفية محلية، فقد تعهد اتحاد رياضة السباق الثلاثي في البلاد، في بيان له، باتخاذ إجراء ضد كل من تُقدَّم ضده دعوى اعتداء، وقالت اللجنة الأولمبية: (نأسف للغاية لوقوع حادث كهذا مجدَّداً، حتى ونحن نبذل جهوداً لمنع العنف والاعتداءات الجنسية، ولحماية حقوق رياضيينا الإنسانية).

كانت لجنة الألعاب الأولمبية والرياضية، قد أنكرت إهمال شكوى تشوي، قائلة إنها عيّنت محققة فور تلقّيها الشكوى.

أقدمت “تشوي” على الانتحار، لإنهاء سنوات من الإساءات البدنية واللفظية من طاقم التدريب، وتجاهل شكواها المتكررة من السلطات الرياضية، وفقاً للتقارير، ويظهر مقطع مصوّر تم تداوله على نطاق واسع، من آخر محادثة نصية لها مع والدتها، أنها توسلت لها أن (تفضح خطايا) المعتدين عليها.

انتهاكات متكررة في عالم الرياضة بكوريا الجنوبية

لم تكن تشوي الوحيدة في هذا المضمار، فالتقارير تفيد بتعرُّض العديد من اللاعبات لانتهاكات في (كوريا الجنوبية) على مدى سنوات، فقد كشفت تقارير إعلامية عن حالات أخرى في مجالات رياضية مختلفة، تعرضت للاعتداء، ففي عام 2019م، كان قد تم فتح تحقيق في أكبر دعوى اعتداء جنسي، عندما صرّحت رياضيات عديدات بأنهن تعرضن لاعتداءات جسدية وجنسية على أيدي مدربيهم، وكذلك أعلنت عضوات في فريق التزلج النسائي الكوري الجنوبي، عن تعرضهن لاعتداءات جنسية على أيدي مدربيهم، واشتكين من التستر على الأمر.

كما كشفت نجمة التنس السابقة “كيم يون-هي”، إنها تتعرض منذ أن كانت في سن العاشرة للاعتداء الجنسي على يد مدربها، والذي أدين بعد ذلك بالاغتصاب، وواجه حكماً بالسجن لعشر سنوات، واتهمت لاعبة جودو سابقة مدربها أثناء المدرسة الثانوية، بأنه اعتاد على اغتصابها، لفترة بلغت أربع سنوات.

لكل إنسان طاقة تحمل يمكن أن تنفذ في لحظة ما، مع استمرار الضغط النفسي عليه، ومن أخطر هذه الضغوطات تلك المتشكّلة من الاعتداءات الجنسية، فأثرها مُضاعف، ومستمر، ويصعب تجاوزه أو نسيانه، وأعتقد أن أمنية أي ضحية تحرش أو اعتداء جنسي، هي العودة بالزمن، والوقوف بوجه المعتدي من اللحظة الأولى التي يحاول بها الاعتداء الجنسي سواء اللفظي أو الجسدي، ولكن إن كانت العودة بالزمن غير ممكنة، فهذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي، فعلينا دائماً دعم الضحايا والوقوف بجانبهم بكل السبل المتاحة، ومحاولة مساعدتهم على تجاوز ما مروا به، أو تخفيف أثره السلبيّ، وعلينا كذلك العمل المستمر، وبذل الجهود لزيادة الوعي المجتمعي العام حول مخاطر الاعتداءات الجنسية، وسُبل الوقاية؛ إن الأطفال الناجين من الاعتداءات الجنسية، لم يكن سلاحهم سوى الوعي للخطر، وفهم خصوصية جسدهم، فتعزيز الثقة عند الأطفال بأنفسهم، وزيادة وعيهم، سيكون درع وقايتهم، من أي يد عابثة.

المصادر:

-وكالة الأنباء الفرنسية، 2 يوليو/ تموز- 2020م.

-صحيفة الواشنطن بوست، 6 يوليو/ تموز -2020، الموقع الإلكتروني: https://www.washingtonpost.com/world/asia_pacific/death-of-triathlete-choi-suk-hyeon-sparks-a-reckoning-in-south-

-وكالات.

*إعداد: محمود عبود، محرر أول في الفريق الإعلامي لمؤسسة نداء.