شُيِّعت في بلدة سفينة القطيع في قضاء عكار شمال لبنان، يوم الأحد الماضي الموافق الثاني من يوليو/ تموز الجاري، الطفلة “لين طالب” ذات الخمس سنوات من العمر، وسط غضب كبير بين الأهالي، بعد انتشار خبر تعرضها لاعتداء جنسي متكرر، تسبّب لها بحدوث نزيف حاد ومُضاعفات أدّت إلى وفاتها، ووسط صدمة الشارع اللبناني وضجيج مواقع التواصل الاجتماعي، بقيت حيثيات موت الطفلة غامضة جداً، ومع تضارب الروايات وتبادل الاتهامات بين ذوي والد الطفلة ووالدتها المنفصلين عن بعضهما منذ أكثر من عام، يبقى الثابت أن الطفلة رحلت ضحية عنف واعتداء جنسي مشين بحق الإنسانية والطفولة.
في حيثيات الحدث الصادم
روايتان انتشرتا في مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإخبارية، لم يُثبت إلى هذه اللحظة ثبوت أي منهما، بعد مرور سبعة أيام على واقعة الاعتداء، ومع بيانات من الجهات الرسمية، لا توضح سوى استمرار متابعتها للكشف عن الجاني.
تقول الرواية الأولى، وهي رواية ذوي والد الطفلة، إن الطفلة كانت في حضانة والدها بالتراضي، منذ انفصاله عن والدتها، التي كانت تُرسل إليها الطفلة لقضاء بعض الوقت معها، وهذا ما كان قبل عيد الأضحى بعدة أيام، إذ اصطحبها والدها وسلّمها إليها سليمة معافاة، لتمضية أيام العيد في كنف والدتها وعائلتها، بعدما بقيت الطفلة ثمانية أيام مع والدتها، يتفاجىء الوالد وعائلته في اليوم الثاني من العيد باتصال من أقرباء الوالدة يُبلغون فيه بوفاتها بسبب حادث سير، وعندما وصلوا إلى مستشفى المنية الحكومي (في قضاء المنية-الضنية شمالي لبنان)، علموا أنّ لين فارقت الحياة قبل وصولها إلى المستشفى.
حسب هذه الرواية، إن والدة الطفلة قد نقلتها إلى قسم الطوارئ، لكنّها رفضت إدخالها إلى المستشفى بسبب الالتهابات القوية والحرارة المرتفعة- بحسب تقرير طبيب الأطفال- وبعدما توفيت الطفلة في منزل عائلة والدتها، التي نقلتها إلى قسم الطوارئ في المشفى، لتتركها وتغادر، وقد انسحبت مع ذويها، عندما علموا بأنّ الطبيب الشرعي سوف يتولّى الكشف على الجثة.
أظهر الكشف الطبي من قبل طبيبَين شرعيَّين إنّ الطفلة تعرّضت لاعتداء جنسي متكرّر. ويقول التقرير الطبي الأخير، إنّ سبب الوفاة ناجم عن التهابات قوية سببها تعرّض الطفلة لاعتداء جنسي، رافقه نزيف حاد تسبب لها بفقر دم شديد، بينما أشار أحد التقريرين إلى وجود كدمات على وجه الطفلة، وتورم في الشفتين، وأكّد تعرضها لاعتداء جنسي متكرر.
رفعت أسرة والد الطفلة دعوى قضائية في حق أسرة والدتها، وتواصل السلطات المعنية التحقيق مع الوالدين وعم الطفلة.
الرواية الثانية عن موت الطفلة، هي رواية ذوي والدتها التي اتهمت عم الطفلة بالاعتداء عليها أكثر من مرة في بلدة سفينة القيطع، قبل إرسالها إليها، وسط تساؤل عن صحة هذه الرواية التي يكذّبها سكوت والدة الطفلة، وادّعاء وفاتها بحادث سير، وعدم معالجتها في المشفى من المضاعفات الحادة، ونقلها إلى المنزل، ومغادرة المشفى بعد تسليم الطفلة متوفاة.
تواصل السلطات اللبنانية التحقيق مع والدي الطفلة وعمها، اللذين أوقفوا لمدة 24 ساعة على ذمّة التحقيق، وأخلي سبيلهم للمشاركة بعزاء الطفلة، وأحيلت القضية إلأى قاضي التحقيق الشمالي للتوسع في التحقيق للكشف عن الجاني، فيما اتهم ناشطون مستشفى المنية الحكومي بالتقاعس عن متابعة هذه الجريمة، وخشي آخرون من (لفلفة القضية) بدعم سياسي من شخصية نافذة، وإفلات الجناة من العقاب، كما يتكرر ذلك في عدد من القضايا الشبيهة في لبنان.
بحسب الوكالات الإخبارية، أصدر المكتب الإعلامي في وزارة الصحة العامة في لبنان، بياناً، أكّد فيه متابعة الوزارة لظروف وفاة الطفلة لين طالب، وقال البيان إن مديرية العناية الطبية في الوزارة، وبتوجيه من الوزير فراس الأبيض، باشرت التحقيق اللازم في ظروف الوفاة مع المعنيين لتبيان أسبابها، على أن تودع كل ما لديها من معطيات لدى القضاء المختص لإجراء المقتضى.
لم تكن حادثة موت الطفلة نتيجة اعتداء حدث عابر في لبنان رغم الصدمة التي تطال المجتمع بعد كل حادثة اعتداء شبيهة، وتكرار الاعتداء على الأطفال بات أمراً لافتاً ومثيراً للقلق، ففي شهر مايو/ أيار الماضي تم الاعتداء على طفل في السابعة من العمر، في إحدى الأندية الرياضية، وتتقارب الفترات الزمنية الي يُعلن فيها عن تعرض طفل للعنف والاعتداء الجنسي في لبنان.
لبنان وإحصائيات دولية مُرعبة للاعتداء على الأطفال
في يوليو/ تموز العام الماضي، صدر عن “إدوارد بيجبيدر”، ممثل اليونيسف في لبنان، بياناً يُشير إلى تزايد حالات العنف ضدّ الأطفال في لبنان، ويدعو إلى حماية الأطفال وصون حقوقهم، كما صدر تقرير عن اليونيسيف في اكتوبر من العام نفسه تقريراً بعنوان ” طفولة محرومة وأحلام مسلوبة”، ويُبين التقرير إن الأطفال في لبنان فقدوا حتى الثقة في الوالدين، واعتمد التقرير تقييماً سريعاً يُركّز على الطفل، وقدّم لمحة عامة عن وضع الأطفال في لبنان لمعرفة أثر الأزمة على جوانب مختلفة من حياة هؤلاء الأطفال، وتحديد برامج جديدة للاستجابة لها، وكانت قد حذرت اليونيسف في تقريرها الصادر في كانون الثاني 2021م بعنوان “بدايات مظاهر العنف”، من تزايد حالات العنف ضد الأطفال والشباب الذين يتعرضون للعنف، والاستغلال الجسدي، أو العاطفي أو الجنسي، حيث تكافح الأسر للتعامل مع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، مؤكّداً إنه (ما من شيء يبرر العنف ضد الأطفال، ومن غير المقبول إساءة معاملة الأطفال وارتكاب العنف ضدّهم).
وناشدت اليونيسف الأسر، والمجتمعات والسلطات المحلية، توفير السلامة والرفاه للأطفال والشباب، وتدعو الجميع إلى كسر حاجز الصمت حول إساءة معاملة الأطفال، ودعم حقهم في الحماية، حتى يتمكن كل طفل من العيش في بيئة آمنة خالية من العنف.
- بمزيد من الأسف، تُدين مؤسسة نداء لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي هذه الجريمة البشعة، وتُطالب المسؤولين اللبنانيين والقضاء اللبناني عدم التهاون مع هذه القضية والقضايا الشبيهة، والعمل على جلب المجرمين للعدالة، وتطبيق القوانين بعيداً عن الاستقطابات السياسية، كما تدعو جميع المعنيين في البلاد العربية إلى بذل مزيد من الجهد وتعديل القوانين بما يكفل حماية الأطفال واليافعين من هذه الجريمة المتكرّرة التي أوشكت أن تتحول إلى ظاهرة مسكوت عنها في عدد من البيئات المحلية العربية، وتدعو كل فئات المجتمع إلى التضامن والتعاون مع الجهود المدنية المبذولة في سبيل تجنيب الأطفال التعرض لمثل هذه الجرائم القبيحة والمُشينة.
- مرفق إنفوغرافيك ( إحصائيات حول الاعتداء الجنسي على الأطفال في لبنان)
*المصدر: وكالات، صفحات نشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
*إعداد: خولة حسن الحديد.