أندية كرة القدم الانكليزية وفضائح اعتداءات جنسية متكررة على اليافعين والأطفال

*مهد كرة القدم يهتز على وقع جرائم تحرش جنسي بالأطفال والناشئين

لم تكن الفضيحة التي اجتاحت أكاديمية (لاماسيا- برشلونة)، هي الفضيحة الأولى في القطاع الرياضي العالمي، وخاصة في عالم كرة القدم، ولم يكن وصفها (بالحمى) في مقال سابق نُشر بموقع مؤسسة نداء، هو وصفٌ عابر، لأن هذا الوباء كان قد اجتاح الأندية الرياضية في بريطانيا أيضاً، ومنذ نهاية عام 2016م، بعد اتهام (83) شخصاً و(98) نادياً، من أندية المحترفين والهواة على حد سواء، في أكبر فضيحة اعتداءات جنسية هزّت أندية كرة القدم الانكليزية، بدأت تتكشّف العديد من الجرائم والانتهاكات عاماً إثر آخر، ففي العام ذاته كانت قوات الشرطة والجمعية الوطنية لمنع الظلم ضد الأطفال (NSPCC)، قد تلقت ما يقارب (639) اتصالاً على الخط الساخن، الذي أطلقته الشرطة من أجل تلقي شكاوى ضحايا الاعتداء الجنسي في الأندية الرياضية.

تورّط عدد من الأندية في الانتهاكات

في هذه القضية قام الاتحاد الانجليزي لكرة القدم، بإجراء تحقيق في تاريخ الانتهاكات الجنسية في أندية كرة القدم، بعد أن تفجّرت هذه الظاهرة في الأندية والمنشآت الرياضية بشكل غير مسبوق، وجاء هذه التحرّك، بعدما أعلن اتحاد اللعبة أن أكثر من (20) لاعباً قد طلبوا المساعدة، إثر تعرضهم لاعتداءات جنسية، خلال مشاركتهم في فرق الناشئين، كما أعلنت الهيئة غير الحكومية الخاصة بتلقي شكاوى الاعتداءات الجنسية في أندية الكرة الإنجليزية، أنها استقبلت بلاغات خلال ثلاثة أسابيع، وصلت إلى ألف وسبعمائة بلاغ، فحسب التحقيقات، وتصريح سابق للرئيس التنفيذي لرابطة اللاعبين المحترفين في بريطانيا “غوردون تايلور”، فإن اللاعبين الذين تعرضوا للاعتداءات الجنسية لعبوا في كلٍ من الأندية: (تشيلسي، بلاك بول، مانشستر سيتي، ستوك سيتي، لييدز يونايتد، نيوكاسل يونايتد، شيفيلد يونايتد، ونادي كرو ألكسنادرا.. وغيرها).

عام 2017م، نشرت وسائل إعلام بريطانية تقاريراً، عن ما أطلقت عليه “فضيحة التحرش الكبرى”، التي وقع ضحيتها الكثير من الأطفال الصغار، الراغبين في التدرب على كرة القدم في الأندية الإنجليزية، فقد أشارت صحيفة “الديلي ميل”، إلى أن عدد ضحايا الاعتداء الجنسي وصل إلى نحو 500 لاعب، بعضهم لم تتجاوز أعمارهم 4 أعوام، فيما كان أكبرهم عمره 20 عاماً، وتركزّت معظم جرائم التحرش الجنسي، في أكاديميات تدريب الصغار، ومراكز الشباب، ووصلت إلى بعض الأندية الكبرى، بحسب التحقيقات الجارية والتي انطلقت منذ نهاية عام 2016م، والتي أوضحت أنه تم التحقيق مع 200 من المشتبه فيهم المحتملين، والذين ينتمون لنحو 248 نادياً في مختلف أنحاء بريطانيا، وقالت “الديلي ميل” أيضاً، إن لاعبين كبار قد يكونوا متورطين في تلك الجرائم، إضافة إلى تورط أكاديميات أندية كبرى مثل (تشيلسي، ومانشستر سيتي، وستوك سيتي، وليدز يونايتد، وساوثامبتون، وليستر سيتي، وأستون فيلا، وبلاكبول، وسيلتك الاسكتلندي)، وقال المتحدث باسم مجلس رؤساء الشرطة الوطنية: (إنه من الواضح أن تلك الانتهاكات كانت تتم منذ فترة طويلة، وأن مئات من الأطفال عانوا من التحرش الجنسي، لكن المهم الآن تقديم الجناة للعدالة حتى لا تتكرر مثل تلك الجرائم مرة أخرى).

لاعبون متورطون أيضاً بقضايا تحرش واعتداء على قاصرات

في عام 2021م، وجِهت تهمة العنف الجنسي ضد العديد من اللاعبين في الدوري الانكليزي الأول، ومنهم الدولي الفرنسي “بنجامان مندي” لاعب فريق مانشستر سيتي، واتهم “مندي” بثمانِ حالات اغتصاب، وبمحاولة واحدة للاغتصاب، إضافة إلى تهمة أخرى تتعلق بالعنف الجنسي، وإثر ذلك قام فريق مانشستر سيتي بإبعاد اللاعب الفرنسي من صفوف الفريق منذ شهر أغسطس/ آب،2021 م،  بينما بدأت محكمة تشيستر (شمال غرب إنكلترا) في محاكمته، كما استمعت أيضاً محكمة بريطانية أخرى في الوقت ذاته، للاعبين آخرين في عدة قضايا تتعلق بالعنف الجنسي ضد نساء، وضد فتيات قاصرات، ومن بين هؤلاء اللاعبين،  اللاعب السابق في فريق إيفرتون “غيلفي سيغوردسون”، والمهاجم “ماسون غرينوود”، في فريق مانشستر يونايتد، ووسط الميدان بفريق أرسنال الغاني “توماس بارتي”.

بنجامان مندي

جريمة مركبة

بالإضافة لحالات التحرش والاعتداء الجنسي التي حصلت، فقد بينت التحقيقات وجود فساد كبير، ومحاولات لإسكات الضحايا بطرق شتى، وكان نادي تشيلسي الشهير، أحد الأندية المتورطة في قضية التحرش الجنسي والفساد، التي أعلن عنها عام 2016م، بعد أن كشف أحد لاعبي الفريق السابقين والذي يدعى “غاري جونسون”، أنه تلقى مبلغاً مالياً قدره (63) ألف دولار، لكي لا يفضح أمر التحرش الذي تعرض له، خلال فترة لعبه للنادي، وبلغت نسبة الضحايا الذكور المُعلن عنها أيضاً في العام نفسه، 98 في المائة من إجمالي عدد الضحايا، وقد تراوحت أعمارهم بين  7 سنوات و20 سنة، وكان أول الضحايا هو اللاعب السابق لنادي شيفيلد يونايتد “أندي وودوارد”، والذي اعترف بأنه تعرض للتحرش الجنسي عندما كان صغيراً.

 صرّح كذلك اللاعب “جانسون دانفورد”، الذي اعتدى عليه المدرب “باري بينيل”، جنسياً في مخيم صيفي بعد الفوز في مسابقة كروية، لإذاعة بي بي سي: (هناك مؤامرة، وشبكة منحرفين، وأشخاص كانوا في هذه الأندية، كان واجبهم رعاية الناشئين في أنديتهم).

 كما كشفت تقارير صحفية، إن أندية كروية انكليزية كبيرة، قد قدمت مدفوعات سرية، لشراء صمت لاعبين ناشئين، اعتدى مدربون عليهم جنسياً، وقد نقلت صحيفة “ديلي تلغراف عن مصدر مطلع قوله: (إن عدداً من الأندية بينها نادٍ واحد على الأقل، من أندية الدوري الانكليزي الممتاز “بريمير ليغ”، دفعت تعويضات إلى لاعبين، بعد أن وقَّع الضحايا تعهدات بالصمت، وتمنعهم وعائلاتهم ومحاميهم من الحديث علناً عن وجود حالات كهذه)، ومن المتوقع أن تثير هذه المعلومات مخاوف من أن يكون القائمون على اللعبة الأكثر شعبية في بريطانيا، قد تستروا على اعتداءات جنسية، ارتُكبت طيلة سنوات.

*شهادات لاعبين ومحترفين

كشف المهاجم السابق في مانشستر سيتي “ديفيد وايت”، أنه تعرض لاعتداء جنسي من مدربه “باري بينيل” وقال في بيان له: (أودُّ أن أؤكد أنني تعرضت للتحرش الجنسي من قبل مدربي السابق لكرة القدم “باري بينيل”، في أواخر 1970م، وأوائل 1980م، وكان ذلك عندما كنت ألعب مع فريق وايت هيل في مانشستر سيتي)، وفي الوقت نفسه، أكّد لاعب كرو ألكسندرا السابق “أندي وودوارد” لصحيفة “الغارديان”، على الانتهاكات التي ارتكبها المدرب “بينيل”، الأمر الذي دفع زميله السابق “ستيف والترز”، للحديث عن اعتداءات مشابهة قام بها المدرب نفسه.

اللاعبان السابقان “كريس أونسوورث” و”جاسون دانفورد”، أعلنا اعتزامهما سرد قصصهما مع التعرض للاعتداء الجنسي في سن مبكرة، ودعا النجم “واين روني” قائد المنتخب الانجليزي، وسفير الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال الضحايا، إلى الإبلاغ عما تعرضوا له.

في تصريح “بول ستيوارت”، لاعب خط الوسط السابق بالمنتخب الانجليزي لكرة القدم، ولاعب سابق لناديي ليفربول وتوتنهام،  إنه يعتقد أن المئات من اللاعبين السابقين ربما تعرضوا لاعتداءات جنسية خلال طفولتهم، وذلك مع اعتراف المزيد من الضحايا بتعرضهم لاعتداءات جنسية في سن مبكرة، وأكد “ستيوارت” في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، إنه كان يتعرض لهذه الاعتداءات يومياً، من قِبل مدرب لفريق الشباب، وذلك عندما كان عمره 11 عاماً.

المدرب “باري بينيل” تاريخ حافل بجرائم التحرش

بدأ “باري بينيل” العمل مدرباً في عام 1970م، وتنقّل بين فرق كروية عدة، في مدينة مانشستر وضواحيها، وفي مقاطعات تشيشاير، وستافوردشاير، وداربيشاير، قبل أن يُدان أول مرة ويدخل السجن في عام 1994م، في ولاية فلوريدا الأميركية، بعد الاعتداء على صبي بريطاني خلال زيارة للولاية.

شغل أيضاً “باري بينيل” 62 عاماً، موقع مدرب فريق الناشئين في نادي كرو الكساندرا، وصدرت ضده ثلاثة أحكام بالسجن مدتها 15 سنة، بعد إدانته بارتكاب اعتداءات جنسية في النادي المذكور، وفرق كروية مختلفة، وهناك مخاوف من تواطئه مع منحرفين آخرين، وأقيمت مراجعات داخلية لتحديد حجم ما كان معروفاً عن نشاطات المدرب “باري بينيل”، المنحرف، المُدان الذي وجهت إليه أغلبية الاتهامات، ولمعرفة كيف استطاع أن يستمر في ارتكاب اعتداءاته بمنأى من العقاب.

باري بينيل

*تفاعل المسؤولين في الاتحاد الانجليزي لكرة لكرة القدم، وجِهات حقوقية

أعلن اتحاد الكرة الانجليزي في بيان عبر موقعه الرسمي: (إن الاتحاد كلف المحامي المستقل “كيت غالافينت”، للمساعدة في مراجعة حالات الاعتداء التي تم التوصل إليها)، مضيفاً: (سنواصل مساعدة الضحايا، وتقديم المساعدة الكاملة لتحقيقات الشرطة الجارية حالياً).

شدد “بيتر وانليس”، رئيس الجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال، على أنه يجب ألا يكون هناك مكان يختفي فيه المعتدون، مشيراً إلى أن هناك كثيرون عانوا من هذه الاعتداءات حين كانوا لاعبين ناشئين، لكنهم صمتوا، ولم يبوحوا لأحد بمعاناتهم.

قال “غوردون تايلور”، الرئيس التنفيذي السابق لرابطة اللاعبين المحترفين: (إن الجمعية واجهت حالات كآبة، وحالات انتحار بين أعضائها من اللاعبين المحترفين، ولعلّه يرجعَ أسباب بعضها، إلى ما كُشف عنه حتى الآن من اعتداءات جنسية في أوساط اللعبة)، معرباً عن مخاوف مُماثلة لدى كثير من اللاعبين، الذين كشفوا ما تعرضوا له، وقال: (إن اتحاد الكرة يُحقق في كيفية تمكّن “بينيل” من البقاء بمنأى عن العقاب طيلة هذه الفترة، وما إذا كان ناديا “كرو الكساندرا” و”مانشستر سيتي”، اللذين ارتبط بهما أكثر من الأندية الأخرى، مقصرين، وإن كان يجب عليهما أن يتحركا، للتحقيق في الاتهامات المتعلقة بسلوك “بينيل”)، وأضاف “تايلور”: (إن “آندي وودوارد” شجاع حقاً فيما فعل، وأنا أدعو أي لاعب تعرض أو يتعرض للاعتداء، إلى الإبلاغ عبر الخط الساخن الجديد للجمعية الوطنية لمنع القسوة ضد الأطفال).

غوردون تايلور

أشار “ريتشارد سكورير”، من القسم المختص بقضايا الاعتداء الجنسي في شركة “سلايتر اند غوردن” للمحاماة، أن مجموعة من اللاعبين الكرويين السابقين، يُمكن أن يطالبوا بتعويضات ضخمة، إذا أثبتوا حرمانهم من توقيع عقود مربحة مع أندية كبيرة، بسبب الاعتداء الجنسي الذي دمّر مهنتهم، ويُمكن أن يتسبب هذا في دفع الأندية الصغيرة إلى الإفلاس، إذا انهال عليها سيل من المطالبات بالتعويض في المحاكم المدنية، وقال “سكورير”: (إن الأندية الكروية واتحاد الكرة، كانوا بطيئين جداً في إدراك المخاطر)، وأضاف: ( أن هذه الفضيحة أظهرت أن عالم كرة القدم، لا سيما خلال هذه الفترة، كان يُشكّل بيئة أتاحت للمنحرفين أن يعتدوا، بمنأى عن العقاب نسبياً، وذلك بسبب نقص الضوابط اللازمة لمنع حدوث ذلك، والزمن وحده سيبين مدى انتشار المشكلة)، كما تداولت وسائل إعلام عدة، أخباراً متواترة عن إجراءات يقوم بها نادي تشيلسي، لدفع تعويضات للضحايا تُقدر بملايين الدولارات. .

*تعقيب

تؤكّد مؤسسة “نداء” على أن نشر مثل هذه الأخبار، لا تستدعي الذعر والهلع، ولا تدعو المؤسسة لحبس الأطفال في المنازل، لأن الحوادث الشبيهة كثيرة، ويمكن أن يتعرض لها أي من أفراد المجتمع في كل مكان وزمان، وخاصة الأطفال، فالنشاطات الرياضية والمشاركة فيها وبغيرها من الفعاليات، هو أمر مهم لصحة أطفالنا النفسية والجسدية، ولكن فريق عمل المؤسسة يدعوا لزيادة الوعي بالمخاطر الممكنة، وتوعية الأطفال واليافعين كيفية الوقاية منها، فكما هناك مخاطر لقطع الطريق، يوجد كذلك إرشادات وقائية، علينا أن نخبّر أطفالنا بها ليسيروا بأمان، فالجهل يبقى الخطر المُشترك الأكبر، والمعرفة والوعي والتعامل بشكل سليم مع المشكلات، هم درع الوقاية الأسلم….. ودمتم وأطفالكم سالمين.

*المصادر:

-الموقع الإلكتروني لشبكة سكاي نيوز/ العربية، 28-11-2016م:

https://www.skynewsarabia.com/sport/896326

-محطة السي إن إن  الإخبارية الأمريكية، 9-12-2016م.

-وكالة وطن للأنباء، 10-12-2016م: https://www.wattan.net/ar/news/193182.html

– الموقع الإلكتروني سبوتنيك/ العربي، 18-1-2017م:

https://sputnikarabic.ae/20170118/1021801893.html

-شبكة النبأ المعلومانية، 4-12-2017م:

https://m.annabaa.org/arabic/rights/9335

-السبورت، 19-2-2018م:

https://www.elsport.com/news/show/417108/%D8%A7%D9%8

-بي بي سي العربية، 12-3-2019م:

https://www.bbc.com/arabic/sports-47538762

– نجف بوست، 22-3-2022م:

https://www.najafpost.com/articles/view/details?id=7604

 -فرانس 24، 10-8-2022م:

https://www.france24.com/ar/%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8

*إعداد: محمود عبود، محرر أول في الفريق الإعلامي لمؤسسة نداء.