أرقام مرعبة لليونيسف عن حجم الاعتداءات الجسدية والتحرشات الجنسية في المدارس

المدارس لم تعد ملاذاً آمناً للطلاب

 هل نكون مثل النعامة، نطمر رؤوسنا في الرمال، وأمامنا أصبح التحرش الجنسي في المدارس منتشراً بشكل مثير؟

 ألا يستدعي ما نسمعه من أطفالنا عن تحرشات يتعرضون لها في المدرسة، أو ما يصل لإدارة المدرسة من شكاوي حول تحرشات، وتصل أحياناً إلى حد اعتداءات داخل أسوارها إلى التحرك والتصدي لتلك المشكلة بمزيد من الشجاعة والشفافية؟

تأتي أنواع  التحرش الجنسي في المدارس على شكل كشف الأعضاء التناسلية، نزع  الملابس عنوة عن المناطق الحميمة، لمس الأعضاء التناسلية، التلصص على التلميذ أثناء خلع ملابسه ( في المدارس الخاصة التي تحوي على مسابح )، تعريض الطالب  لصور جنسية وأفلام إباحية، الاغتصاب، إجبارالطفل على لفظ كلمات جنسية.

لم يغمض جفناً لروعة قلقاً في انتظار الصباح، لأنها سترافق ابنها ذو 11 عاماً إلى مدرسته،  لتشتكي للإدارة عن الطالبين الذين استدرجاه إلى بناية قيد الإنشاء، وهناك  شرعا في محاولة التحرش به، لولا أ، أحد العمال الذي اشتبه بوجودهما في هذا المكان، وطردهم خارجه.

حين عرضت الموضوع على الإدارة، تفاجآت أن المدرسة لا يمكنها محاسبتهما، بحجة أن الفعل حصل خارج أسوار المدرسة، وعليها أن تلجأ إلى الشرطة، مع عرضهم – كرماً منهم – تزويدها بأسماء الطلاب بعد تعرف ابنها عليهم، رغم ما أبدته الإدارة  من تعاطف معها ومع ابنها، واستعدادها لتوبيخ الطالبين فحسب، ولكن ما باليد حيلة “هذا هو القانون”  بينما الأغرب, ووفق ما اطلعوها عليه،  أنه لو كان الفعل قد وقع  في المدرسة، فالشرطة لا تتدخل، لأن هذا شأن يتعلق بقوانين وزارة التربية، بينما الشرطة، وحين راجعناهم ادعوا أنه نادراً ما تصلهم شكاوي من هذا النوع ” لأنه غالباً ما يتم الصمت حيال هذه القضايا، خوفاً من الفضيحة.”

التحرشات الجنسية جزء من العنف في المدارس

حين طرحت هذا السؤال على “سندس خليل”، المرشدة النفسية  في إحدى المدارس، اعترفت أنه تأتيهم شكاوي من طلاب تعرضوا من قبل زملائهم لتحرشات جسدية، وجنسية ولفظية، ولا سيما الاحتكاك الجسدي غير البريء، أو استخدام الكلمات النابية التي يصفها الطالب ( الرذيلة )، أو أحياناً يشتكي أحدهم أن أحد الطلاب تبعه إلى ( الحمامات ) وعرض عليه أن يرى أعضائه ويعانقه.  

لا تنكر السيدة سندس أنهم ضبطوا حالات كان الطلاب فيها يشاهدون خلال الفرصة مقاطع فيديو وصوراً اباحية على أجهزتهم الخليوية، رغم تشديد الإدارات في منع استخدام الخليوي في المدرسة، وتقول: (وكانت تأتينا هذه المعلومات عن طريق طلاب نستخدمهم لغاية مراقبة تصرفات زملائهم غير المنضبطة وإخبارنا بها، وقد لجأت الإدارة في المدرسة التي أعمل فيها لهذه الطريقة بمبادرة منها، في أعقاب تنامي قصص التحرشات، واستخدام الموبايل وتعاطي المخدرات).

عواقب خطيرة للعنف الجنسي

عن آثار هذا العنف وهذه الانتهاكات في المدارس على الأطفال، أشارت الاختصاصية الاجتماعية “فريال خليفة : (ن العنف المدرسي يُعد من أخطر الظواهر التي أخذت تنتشر وتتفاقم في كل المجتمعات، متخذة أشكالا عدة، والتي تُترجم عبر سلوكيات عدوانية ومناوئة للمجتمع ترافق الطفل حتى يكبر، فالأطفال الذين يكبرون وسط العنف، سيقومون على الأرجح بإعادة تمثيله، عندما يبلغون سن الشباب.

كما يُمكن للإجهاد المضر المرتبط بالتعرض المتكرر للعنف أثناء الطفولة المبكرة أن يعيق النمو الصحي للدماغ، ومن الممكن أن يؤدي إلى سلوكيات غير منضبطة، وإلى تعاطي المخدرات، والسلوك الجنسي الخطر، والنشاط الإجرامي والعنف، ويمكن أن يكون للعنف عواقب صحية خطيرة، فضلاً عن تداعيات نفسية طويلة المدى على الطفل.

 إن كونك ضحية، أو ببساطة مهددًا بالعنف، يؤدي أيضاً إلى ضعف الأداء الأكاديمي، وعدم انتظام الحضور، والتسرب من المدرسة، والتغيب عن المدرسة، وتدني احترام الذات).

تستبعد السيدة “سندس خليل” حدوث عمليات اغتصاب بين الطلاب،وعدم تعدي مثل هذه السلوكات حدود التحرشات اللفظية أو “احتكاكات غير مرغوب فيها” – هذه العبارة اسعفتها بها عندما خانتها التعابير في ايجاد مصطلح مناسب، وكنت قد أخذته عن تقرير صادر في الولايات المتحدة يتحدث عن التحرشات والاعتداءات الجنسية في المدارس- لأسباب من وجهة نظرها عائدة إلى: (طبيعة الدوام المحدد في المدرسة، وتكاثف الدروس، والحرص على تواجد الطلاب كافة خلال الفرصة في باحة  المدرسة، لا يجد الطلاب فرصة سانحة لأي خلوة ببعضهم). وتتابع القول رداً على سؤالي حول إجراءاتهم  المتخذة في حال ورودهم شكوى من هذا النوع :(في حال تلقينا شكوى من هذا النوع، ننبه الطالب ونحذره، وفي حال تكررت الأمور نستدعي أهله، حيث تحظر قوانين الوزارة استخدام العنف ضد الطلاب، أو حتى طرد أي طالب من المدرسة).

قمة جبل الجليد

حينما يحالفك الحظ وتستطيع انتزاع تصريحات من أحد المسؤولين في الوزارة، ستتفاجىء بعدم الشفافية وشحة المعلومات التي يدلي بها، ولم ينكر هذا المسؤول، والذي فضل عدم ذكر اسمه أو منصبه (وحتى فضل اللقاء خارج مكان عمله)، تفشي ظاهرة العنف في المدارس، وتفاقمها بشكل غير مسبوق بجميع أشكالهاـ من عنف لفظي، مثل السخرية والتنابز بالألقاب والشتائم، والعنف الجسدي وتفشي إيذاء الطلاب لبعضهم، بالإضافة إلى التحرش والاعتداءات الجنسية في المدارس الابتدائية والثانوية.

ويعترف بأسى: (باتت هذه الظاهرة خارج استطاعة مديريات التربية في التصدي لها، ولا سيما مع ظهور فئة من الطلاب “لمدعومين”، الذين هم دوماً فوق القانون والنظام، الأمر الذي يرغم الإدارات على التغافل عن سلوكياتهم وحتى مسايرتهم، نحن نتعامل مع قمة جبل جليدي بشكل لا لبس فيه…نحن نشهد زيادة في عدد الحوادث -الواردة إلينا- والقليل منها يصل إلى الوزارة، حيث غالباً ما يتم التكتم على الموضوع في المدرسة). 

نرى أمثلة مهمة لسلوك عنفي يمارسه الطلاب بحق بعضهم بعض، ويضر بحياة ناس في مقتبل العمر، ونرى شخصيات محطمة، وتتضرر بشدة بسبب تنامي الظاهرة، بحيث أنه في حال لم يتم معالجتها، وسن قوانين خاصة بها سنخسر جيلاً،  قاطعني مجيباً على الفور: ( طالما أننا نفتقد للبيانات اللازمة، فإننا لن ننجح مهما كان في التصدي لمشكلة العنف في المدارس)، مضيفاً: (لا بدّ من قرع ناقوس الخطر، وايجاد حلول فعالة لمكافحة تلك الظواهر الخطيرة، والتي تؤثر على مناخ التعلم، وتشكّل تحدياً حقيقياً لمنظومة التربية، ولفرص إدماج الفرد في محيطه وتنمية المجتمع)، ويستدرك القول متفائلاً: (ظاهرة العنف في المدارس ليس بالأمر المحتم، إنه أمر يمكن تفاديه، وبإمكاننا جميعاً أن نقوم بشيء ما بهذا الشأن).

لا تسامح مع العنف المدرسي

تعتبر السيدة “فريال خليفة” أن العنف هو سلسلة متصلة، سواء أكان منها ما يحدث في العالم الخارجي، في المدرسة أو حولها، وهي ظاهرة لم تنشأ من العدم، ولكن تقف خلفها جملة من الميكانيزمات والعوامل الاجتماعية المرضية، التي شكّلت المستنقع الذي تفاقمت فيه أعراض هذا الداء، والتي تتجلى أبرزها في أساليب التنشئة الاجتماعية، مؤكدة أن (ظاهرة العنف كانت واضحة على مدى آخر عقدين، ولكنها أصبحت ظاهرة للعيان بشكل أكبر في الفترة الحالية). الصورة يجب أن ترى من جانب أوسع عند الحديث عن ظاهرة العنف بين الطلاب في المدارس، قائلة: (ثقافة العنف للأسف منتشرة في مجتمعاتنا بشكل واضح، ونجدها داخل الأسرة وفي الحي والعديد من الأماكن العمومية)، وتشدد  محذرة:

(عندما يتم التسامح مع العنف والتغاضي عنه في المدرسة، تصبح العواقب على نمو الطفل أكثر خطورة، فعندما يتردد الضحايا في اتخاذ الإجراءات اللازمة يشعر الجناة بالأمان،  وإن كانت المدرسة لا تتجاوز المعايير، والأعراف والديناميات الاجتماعية الحاكمة في البلد، والتي تستغرق وقتاً طويلاً لتغييرها، فإن العنف في المدارس غير مقبول، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالعنف الجنسي، فالسلوكيات الضارة تتجاوز البيئة المدرسية، وتساهم في إدامة عدم المساواة وتضخيم العنف داخل المجتمع).

لا تخدشوا براءة الطفل

مما لا شك فيه، أن الجميع مدرك لحجم الخطر بكل تنوعاته المحيق بالقطاع التربوي، ولكن موضوعي محصور في وارد التحرشات الجنسية التي تشهدها المدارس، سيما والكثير منها أتانا ذكرها، أو ربما كان شاهداً عليها حين كان طالباً.

نقل لي ابني وكان يبلغ حينها حوالي العاشرة من عمره، ما حدثهم به صديقه في الحي، ويكبرهم في العمر بأكثر من سنتين، كيف يطلب منه تلاميذ في المدرسة الدخول إلى الحمامات ( فقط دقائق وسوف تستمتع)، فهمت أن هدف ابني من نقله الحديث هو أن يسألني: ( شو يعني هالحكي؟ )، حينها لم يكن أمامي بد من جمع ولديّ الاثنين، وشرح الموضوع لهما بتفاصيله، دون أن يتفوها بكلمة، وسط ذهول وكأنهم يريدوا أن يقولوا لي: (اصمتي لا نصدق هذا الهراء).

إحصائيات خطيرة لمنظمة اليونيسف

حسب إحصائيات منظمة اليونيسف، فإن حوالي نصف المراهقين في العالم يعانون من عنف الأقران في المدرسة أو في محيطها، فيما يعتبر الملايين من التلاميذ في شتى أنحاء العالم، أن بيئة المدرسة مكاناً غير آمن للدراسة والنمو.

يُفيد تقرير صادر عن المنظمة  بعنوان: ” ما يكمن وراء الأرقام, القضاء على العنف والتسلط في المدارس”، بأنّ هناك طالب واحد تقريباً من بين ثلاثة طلاب (أي 32%) يتعرض للمضايقات من قبل أقرانه في المدرسة، أو للعنف البدني، وذلك بمعدل مرة واحدة على الأقل، ويعدّ التسلط البدني أكثر أنواع المضايقات انتشاراً في العديد من المناطق، باستثناء أمريكا الشمالية وأوروبا، إذ يعدّ التسلط النفسي أكثر شيوعاً في هذه المناطق، وإنّ العنف الجنسي هو ثاني أكثر أشكال التسلط انتشاراً في العديد من المناطق.

يطال العنف والتسلط في المدارس الذكور والإناث على حد سواء، وتعدّ المضايقات الجسديّة أكثر شيوعاً بين الفتيان، في حين أن الفتيات أكثر عرضة للمضايقات النفسية، ويُظهر أيضاً تزايداً في المضايقات التي تنشأ عبر الانترنت والهواتف المحمولة.

وفقاً للتقرير الصادر عن المنظمة  الذي يحمل عنوان “درس يومي: إنهاء العنف المدرسي”، فإن العنف بين الأقران، هو عنصر متكرر في التعليم في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت غنية أم فقيرة، ويؤثر هذا العنف على تعلم الطلاب ورفاههم.

لا يسعنا في الختام سوى أن نشدد على ما قالته “هنريتا فور”، المديرة التنفيذية لليونيسف حول ضرورة أن تكون المدارس ملاذات آمنة للطلاب، وليست أماكن للعنف مؤكدة :(إن التعليم هو المفتاح لبناء مجتمعات مسالمة، ومع ذلك، فإن المدرسة نفسها بالنسبة للملايين من الأطفال حول العالم ليست آمنة،  كل يوم يواجه الطلاب مخاطر متعددة، بما في ذلك القتال، والضغط للانضمام إلى العصابات، وأعمال العنف – سواء كان ذلك شخصيا أو عبر الإنترنت، والانضباط العنيف، والتحرش الجنسي والعنف المسلح، على المدى القصير يؤثر هذا على تعلمهم، أما على المدى الطويل فإنه يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب، والقلق وحتى الانتحار. إن العنف درس لا ينسى ولا يحتاج الطفل إلى تعلمه).

المصادر:

-الموقع الإلكتروني لمنظمة اليونيسيف، صفحة بحوث وتقارير:https://www.unicef.org/ar/%D8%A3%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D8%AB-%D9%88%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1

إعداد: دلال ابراهيم، إعلامية ومترجمة.